تبدو كما لو كانت خلاصة للرؤى المقدمة من طرفي المشاورات، وتم صياغتها استناداً إلى الرؤى المقدمة من وفد الشرعية ووفد الانقلاب، كما تحظى برعاية الدول الراعية. الرؤية الأممية التي يتم تداولها مؤخراً، تعد أبرز افق سياسي يلوح في مشاورات الكويت التي تدور منذ أكثر من 50 يوماً، كجمل المعصرة؛ حركة مستمرة في ذات النقطة دونما تقدم خطوة واحدة على الصعيد السياسي أو على الصعيد الإنساني المتمثل بإطلاق سراح المختطفين ومسألة ملف الإغاثة.
وبغض الطرف عن مدى رسمية هذه الرؤية، إلا أن التصريحات التي جاءت على لسان رئيس الوفد الحكومي قد أكدتها، كما أن الرؤية تبدو واقعية، وفيها قدر جيد من الاشتغال السياسي والاحترافي، ولا يمكن أن تكون مجرد تسريبات إعلامية كون الرؤية تعالت كثيراً عن مسألة الركاكة، وظهرت بمضامين سياسية تم الشغل عليها.
وتبدو كما لو كانت خلاصة للرؤى المقدمة من طرفي المشاورات، وتم صياغتها استناداً إلى الرؤى المقدمة من وفد الشرعية ووفد الانقلاب، كما تحظى برعاية الدول الراعية.
وربما تكون أشبه بآلية تنفيذية للقرار الأممي، لولا بعض الالتفافات التي تخللتها والتي قد تشكل مدخلاً للانحراف والالتفاف عن مضامين القرار الأممي الذي يجسد المطالب الشعبية المتمثلة باسقاط الانقلاب واستعادة الدولة.
وتركز الرؤية على ثلاث مراحل للتنفيذ، الأولى تشمل القيام بجملة من الإجراءات التمهيدية، أهمها إلغاء ما يسمى بـ”الإعلان الدستوري” وما يسمى بـ”اللجنة الثورية”، وكل ما ترتب عليهما من تغييرات في مؤسسات الدولة؛ وهذه النقطة من وجهة نظري فيها اسقاط تدابير الانقلاب من خلال اسقاط الإجراءات الانقلابية ممثلة بالإعلان الدستوري المضاد للدستور الجمهوري، كذا اسقاط اللجنة الثورية المضادة للمؤسسة الرئاسية الجمهورية، كأهم رمزيات للتقاليد السياسية الجمهورية في بلادنا.
الثانية تشكيل لجنة عسكرية تحت إشراف أممي من قادة عسكريين لم يتورطوا في أعمال قتالية ولم يشاركوا مع الميليشيات، ويتم الانسحاب من المنطقة (أ)، التي حدد نطاقها الجغرافي بأمانة العاصمة والحزام الأمني لها، بإشراف أممي لضمان عودة الحكومة إلى العاصمة صنعاء خلال شهرين، وبالتزامن مع استكمال عملية الانسحاب وتسليم السلاح، يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإصدار قرارات بالعفو العام والمصالحة الوطنية.
وهنا تمكن المخاطر في كون الانسحاب لن يتم من المحافظات التي اجتاحتها المليشيا مثل تعز وإب والحديدة، وهذا لا يضمن على الإطلاق استقرار سياسي بل يهدد بتكرار تجربة السلم والشراكة التي تم توقيعها تحت ضغط السلاح قبل الانسحاب وقبل تسليم الأسلحة، وقبل تنفيذ ماسمي بالملحق الأمني، إذ الانسحاب من صنعاء فقط واستمرار الاجتياح من شأنه أن يعيد من جديد تطويق صنعاء واجتياحها مجدداً وحصار الحكومة التي ستعود إلى صنعاء كما حصل بعد انقلاب 21 سبتمبر تماماً، حينما تم تقديم تشكيل الحكومة على تسليم الأسلحة والانسحاب من المدن والمؤسسات.
أما المرحلة الثالثة فتتضمن استئناف العملية السياسية وتحديد سلسلة الإجراءات العملية، خلال فترة انتقالية أقصاها عامان؛ وهنا تجدر الإشارة أن مفاتيح السلام الثلاثة التي أشارت إليها توكل كرمان مهمة جداً في مسألة إنجاح أي عملية سياسية قادمة؛ المفاتيح الثلاثة المتمثلة بالحوثي بدون سلاح والمؤتمر بدون المخلوع والعدالة الانتقالية للضحايا.
وشرط نجاح أي عملية سياسية سلمية أن تكون كافة أطراف العملية السياسية ملتزمة بالعمل السياسي السلمي كما أن تجفيف منابع العملية المسلحة التي تهدد العملية السياسية مهم جداً حتى لا يتم إعادة انتاج انقلاب مسلح مجدداً على السلطة.
والمتابع اليقظ لمجريات انقلاب 21 سبتمبر يلاحظ أن الحوثي بدون سلاح والمؤتمر بدون صالح شرط مهم لادماجهما في الحياة السياسية لأن الحوثي بدون سلاح هو المؤتمر بدون صالح، والمؤتمر بدون صالح هو الحوثي بدون سلاح، على أساس أن الصاعق الذي دفع حزب المؤتمر لعرقلة العملية السياسية هو صالح، فيما الصاعق الذي دفع جماعة الحوثي بالانقلاب على العملية السياسية والدولة هو السلاح، ولتحقيق السلام ينبغي نزع ذلك الصاعق الذي قوض العملية السياسية والدولة، والشروع مجدداً بتنفيذ مخرجات الحوار كأساس نظري لبناء يمن المستقبل.