مخاطر الحلول “الوسط” مع الحوثيين على أمن شبه الجزيرة العربية
يقف أمن شبه الجزيرة العربية على مفترق طرق، فتهديدات اليمن على جنوبها هي الأشد وطأة منذ بدء تصدير الإيرانيين ثورتهم عام 1979م، وإن كان لفظ “التخاذل” يسعفنا في توصيف موقف الخليج من “العراق” فقد أحكمت طهران قبضتها على العراق بتواطؤ غربي أمريكي في وقت كانت علاقتنا كـ”عرب” بالأمريكيين في أزهى وقتها. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من عدنان هاشم
يقف أمن شبه الجزيرة العربية على مفترق طرق، فتهديدات اليمن على جنوبها هي الأشد وطأة منذ بدء تصدير الإيرانيين ثورتهم عام 1979م، وإن كان لفظ “التخاذل” يسعفنا في توصيف موقف الخليج من “العراق” فقد أحكمت طهران قبضتها على العراق بتواطؤ غربي أمريكي في وقت كانت علاقتنا كـ”عرب” بالأمريكيين في أزهى وقتها.
لم تكن الحرب القومية “الفارسية” “العربية” وليدة أيام أو لحظات أو مائة عام لكنها أكبر من ذلك منذ معركة “القادسية” (652م) وإن كان العرب قد نسوا وتشرذموا إلا أن “الفُرس” لم يتوقفوا ولو للحظة من أجل الثأر، بدأ بحروب “آل البيت” التي راح ضحيتها 250 ألف من أجل دم الحسين في العصر العباسي والأموي، ومروراً بالعصر الصفوي ونشر “التشيع” في إيران، وحتى ميليشيات الحشد الشعبي وقوات “سليماني” في العراق وسوريا اليوم؛ فلم ينسوا ثأرهم وعرفوا أن مصدر قوة العرب هي نخوتهم وتوحدهم لذلك استخدموا العرب الشيعة في مشروعهم لتمزيق الداخل العربي وزيادة شرذمة الدولة العربية.
ليس مهماً مناقشة “التاريخ” وصولات وجولات “العرب” و “الفُرس” فالزمن الغابر لايعود إلا للاستشهاد، فالتاريخ يُعيد الوقائع، ولأن العرب ذو ذاكرة مثقوبة يعيد معه الأخطاء.
خطأ “كارتر” مع “الخميني”
نشرت صحيفة “الغارديان” هذا الأسبوع (10يونيو) تقريراً لوثائق قالت إنها لمراسلات سرية بين الخميني وإدارة الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر”، سبق أن نشرت الوثائق في BBC الإنجليزية والفارسية، تشير الوثائق إلى أن واشنطن تعرضت لمكيدة، وارتكبت أكبر حماقة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، فحسب ما نشر فقد قام كارتر بالإنقلاب على حليفه الاستراتيجي “الشاه” ودعاه إلى إجازة، تحولت إلى دائمة، وذلل العقبات أمام المتشددين الإيرانيين للوصول إلى السلطة، أرغمت واشنطن الجيش الإيراني والحرس الملكي على وقف مواجهة “الثوار” والسماح لحكمهم، وخلال عام ارتكب الخميني والمتشددين مجازر مروعة بحق رفاق دربهم من بينهم كل الذين كانوا نوافذ التواصل مع “واشنطن”، ومنسقين العلاقات بين سفير الولايات المتحدة في فرنسا وبين “الخميني” نفسه، فلم تجد واشنطن نفسها تقبض سوى الريح، وتقف على الجمر مع أزمة اقتحام السفارة وإعلان “الخميني” عالمية الثورة “الإسلامية” و وقوفه في وجه “الإمبريالية العالمية”.
كانت وعود “الخميني” لـ”كارتر” بعلاقات أكثر من ممتازة، ولن تتأثر مصالح ورعايا الأمريكيين في إيران، إلى جانب تملّق مشبع بغريزة الاستجداء “الماكر” بأن “السلطة القادمة” ستكون ذات ولاء مطلق للأمريكيين ولن تقترب من الاتحاد السوفيتي، وصحيح لم تقترب طهران من السوفيتيين لكنها مثلت أزمة مُفردة وخاصة لم تُردم بعد، ورغم كل ذلك ساعدت واشنطن، جمهورية “الخميني” فيما عٌرف بصفقة “إيران كاونترا” وهي صفقة أسلحة إسرائيلية اشترها الخميني من “إسرائيل” بواسطة أمريكية لمواجهة العراق في الثمانينات وكان “حسن روحاني” الرئيس الحالي لإيران أحد الأفراد المفاوضين على هذه الصفقة.
أداة إيران الذهبية
بالمثل يقوم الحوثيون على “عقيدة تصدير الثورة الإيرانية”، يراوغون ويبتسمون للرياض، وبرغبة “إيران” أن تصبح “أم القرى”- حسب الاستراتيجية الإيرانية 2025م- فإن الهدف القادم هي المملكة العربية السعودية، ولعل حادثة منى العام الماضي، واقتحام السفارة السعودية في مشهد، وأزمة الحج هذا العام، تهدف إيران من خلالها للسطو على إدارة “بلاد الحرمين” من خلال هيئة دولية إسلامية دائماً ما تطالب طهران بها منذ سنوات عديدة، والحوثيون يمثلون أداة ضغط ذهبية.
هذه الأداة الذهبية تتمثل في كون الحوثيين ينتمون إلى قبائل في “العادة” مقاتلة، ويحتاجون فقط للمشورة والقليل من المال، ولن يدفعوا تكاليف باهضه كما تدفع في سوريا والعراق، من رجالها وموازنات ضخمة من أجل بقاءها مهيمنة، كما أن تأثير اضطراب الوضع في اليمن يؤثر بشكل أكبر من سوريا والعراق على أمن السعودية، من نواحي “جغرافية” و “اقتصادية” و”سياسية”، والحكومة السعودية تدرك تماماً هذه النقطة على مدى تاريخ اليمن السياسي.
مثلت إيران اليوم من خطر على “السعودية” ما مثلته مصر في عهد عبدالناصر، ربما تحاول السعودية إدارة المعركة مع “الإماميين الجُدد” بنفس إدارة المعركة أبان نشوء “الجمهورية” عام 1962م، ومحاولة رد “اليمن” إلى حاضنة شبة الجزيرة العربية كما فعلت عام 1958م عندما كانت اليمن ضمن الجمهورية العربية الموحدة والتي شملت آنذاك مصر وسوريا؛ بهبات وسخط على الإمام القائم، ومع انهيار تلك الوحدة اندفع عبدالناصر لمساندة الجمهوريين، ودفع بقوات عسكرية؛ دفعت الرياض معه مواجهات ساخنة.
لكن الفارق الآن مختلف فقد توجهت السعودية وحلفائها من (الهاشميين في العراق والأردن)، لمواجهة المد القومي، لكن الآن هناك اختلاف، فالحرب ليست بين العرب وأنفسهم، فقد مثل الإختراق “الفارسي” لإقليم “المشرق العربي” عاملاً حساساً ومربكاً، والآن وفي “بيت عربي متصدع” يبدو أمراً شائكاً، الأمر الأخر أن “القومية العربية” التي تم مواجهتها بـ”الإخوان المسلمين” واحتضانهم، مختلفة عن “الطائفية” التي اختلقتها إيران، وفيما كانت القوات السعودية و”الإمامية” تقاتل قوات مصرية، فإيران وضعت أداة “يمنية” لمواجهة “الرياض” وهو أمر مختلف، فالأداة الفعالة لمواجهة “الحوثيين” على سبيل المثال تتمثل في “حزب الإصلاح”، ومقراته تُستباح جنوباً من قبل تيارات تدعمها التحالف، وشمالاً إما في السجون أو مهمشين مشردين في الرياض، وهو أمر غريب، فالقوة موجودة بأيدي دول شبه الجزيرة العربية، لكن فواعل خليجية وإقليمية يبدو تؤثر على قرار الرياض في حفظ أمنها القومي، وهو ما يعود أيضاً بخطر أشد فتكاً بالسعودية، في ظل استقطاب داخل اليمن لأشقاء السعودية بما يخدم إيران.
محاور ثلاثة لبقاء أمن شبه الجزيرة
ما سبق يوضح المحاور الثلاثة الرئيسية؛ الأولى: عدم تكرار خطأ واشنطن بتذليل العقبات أمام الخميني، فاللسان الذي يقطر “عسل” الآن من فم الحوثيين في لقاءات مع المسؤولين السعوديين، لن يقطر بعدها إلى على لسان “قاسم سليماني” يفاوض على “الركن اليماني”؛ فسبق أن تحدث قادة حوثيون أن حدود البلاد تصل إلى هناك، وهو أمر مُخيف، لـ”اليمنيين” أولاً، فقد تعبوا من الحروب والاستقطاب، وشبعوا من التوتر المتكرر بين البلدين الجارين، فالشعبين بحاجة للراحة؛ فالمشاورات السرية إن كانت تحدث فهي موقعة بالشعبين ما لم يضمن “السعوديون” نزع سلاح الحوثيين وحلّ الميليشيات التابعة لهم، واندماجهم كمكون سياسي في المجتمع، وضمان ألا يعيدوا التشكيل مستقبلاً، وفك ارتباطهم بـ”حزب الله” وليس “إيران” وحدها، فطهران ترى “حزب الله” كبير وكلاءها في الشرق الأوسط.
الثاني: أن أمن شبه الجزيرة العربية مُعلق على كل دولها، وأن الأهداف الفردية للأمة العربية في شبه الجزيرة لأي دولة كائنة من كانت لا تخدم إلا “إيران”، حتى وإن ظهر الآن عكس ذلك، فالأمن القومي لـ”عُمان” و “الإمارات” و “الكويت” و “البحرين” و”قطر” مُعلق بالأمن في “السعودية” وإن ظهرت الشماتة الآن، من انحصارها في الأمن القومي للرياض أو اليمن فهي بالتأكيد شماته مسبقة على كل القيادات بما فيها القيادات العربية في الشرق الأوسط، والحاجة إلى جبهة داخلية متماسكة لمواجهة “المد الفكري” الإيراني عن طريق الحوثيين، وفي ظل انعدام الدولة فالحاجة إلى “حزب الإصلاح” مهم للغاية، ليس حباً، لكنهم القادرون بمن انخرطوا في مشروع وطني حقيقي حامل للهوية الوطنية من مواجهة تأثيرات أي حل سياسي يضمن نزع السلاح وتحول إلى حز سياسي، فالفكر “الإيراني” لم يتوقف.
الثالث: كما أن “إيران” اخترقت “المشرق العربي” بتحالفاتها وفي ظل ضعف “مصر” و تحول “العراق” و “سوريا” إلى دولة تحت العلم “الإيراني”، وبما أن “مصر -العراق- سوريا – السعودية” قد مثلت محاور الأحلاف والتعاقدات خلال مراحل الحرب الباردة عقب الحرب العالمية الثانية، فإن من الواجب الإيمان بضرورة الدفع بقوة موازية لقوة “إيران” في تحالف المواجهة مع “إيران” ولتكن القوة “التركية” التي تعاظمت بما يفوق كثيراً قوة “طهران”، فلها مصالحها المترامية مع “العراق” وسوريا، وتحتفظ بحدود تمتد إلى 1900كم، فتحالف من هذا النوع يضعف “إيران”، ويُعجل بانها أطماعها.
باستطاعة الخليجيين تدارك ما تم افساده في “العراق” وتسليمها لإيران وللحرب “الهوياتية”، وباستطاعة السعودية والخليج أيضاً تدارك ما حدث في اتفاق “الطائف” (سبتمبر1989) ببقاء سلاح حزب الله وها هو اليوم أكبر قلق على الأمن القومي للخليج، وأداة إيران الكبرى في البحر الأبيض، وحتى لا تكون الأداة في البحر الأحمر وعلى مضيق باب المندب، يجب قطع الطُرق المؤدية إلى بقاء سلاح الحوثيين وتكوينهم الميليشياوي وبناء دولة يمنية جديدة تحمي أمنها ويأمن أشقائها من استخدمها قطعة في حرب تديرها إيران ويخذلنا الغرب؛ وحتى لا يخرق السعوديون في عهدهم الجديد، فلم يسبق للرياض دخول تحالف لمواجهة عدو يمثل خطراً على أمنهم الإقليمين وفشلوا؛ فمن مواجهة “عبدالناصر” ومروراً بالتحالف الدقيق مع “العراق” ضد “إيران” و حتى “غزو الكويت” كلها تحالفات منتصرة.