تتوالى قوائم التعيينات التي تصدر عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء، بطابعها المذهبي السلالي الواضح، حيث يجري على أساس من هذه الهوية الضيقة والصارخة، حصد المواقع والمناصب والإمكانيات والأراضي والثروات، وإعادة صياغة المفهوم الخاص للشراكة كما يراه الحوثيون لا كما يروج له المؤمنون حقاً بالشراكة في جبهة الشرعية.
تتوالى قوائم التعيينات التي تصدر عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء، بطابعها المذهبي السلالي الواضح، حيث يجري على أساس من هذه الهوية الضيقة والصارخة، حصد المواقع والمناصب والإمكانيات والأراضي والثروات، وإعادة صياغة المفهوم الخاص للشراكة كما يراه الحوثيون لا كما يروج له المؤمنون حقاً بالشراكة في جبهة الشرعية.
في الماضي القريب كان حزام صنعاء مفهوماً أمنياً بحتاً، اليوم صاراً مفهوماً كهنوتياً سلالياً، بعد أن تم توزيع أغلب الأراضي الواقعة في هذا الحزام لأقارب الحوثي ومن يتصل معه بالنسب السلالي، في خطوة فهم منها أنها تريد تحصين العاصمة ليس عسكرياً فقط بل فكرياً وثقافياً واجتماعياً.
يأتي ذلك فيما تواجه سلطة الأمر الواقع نفسها، تحدي اختبار قدرتها على تلبية احتياجات الناس التي شهدت تردياً لا سابق له، وتناقضت خلال فترة وجيزة مع كل الخطابات والادعاءت التي كانت تتحدث عن الفساد وعن غياب العدالة، وبات الفقر هو العنوان الأبرز للعاصمة والمناطق التي لا تزال تقع تحت سيطرة هذه العصابة الطائفية.
لا يجب الوقوف عند ظاهرة مصادرة الحقوق والاستئثار بالمناصب والثروات، باعتبارها ممارسة إدارية بل ينبغي النفاذ منها لتقييم إلى أي مدى يمكن أن نتعايش مع هذه الكومة المتراكمة من أحقاد الزمان، وهل أبقى الحوثيون على هامش ولو يسير للتعاطي مع الآخر ناهيك عن الشراكة معه، نتحدث هنا عن سنة أو أكثر قليلاً من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة.
الخطاب الحوثي لم يتغير، فالخصوم لايزالون في نظره مجرد “مرتزقة” لـ: “العدوان”، ومطلبه لم يتغير، هو “حكومة خلاص” وهذه الحكومة قد لا تجسد بالضرورة قيم الشراكة الوطنية التي عبر عنها بشكل واضح مؤتمر الحوار الوطني الشامل، قبل أن ينقض عليه الحوثيون بدعم من المخلوع صالح.
لا يريد الحوثيون النقاش حول موضوع السلاح ولا الانسحاب ولا حتى إطلاق سراح المعتقلين، بل يريدون حكومة تمكنهم من إعادة توزيع السلاح الذي بحوزتهم بحيث يبقى جاهزاً للحسم في أية لحظة.
ومنذ أن انعقدت مشاورات الكويت لم يتزحزح الحوثيون شبراً واحداً عن مطالبهم، وهذا يدل بوضوح على أنهم ما جاؤوا من أجل السلام ولا من أجل الشراكة، لقد أعطونا نموذجهم الخاص للشراكة، وهو النموذج الذي ساهم في صياغته المبعوث الأممي السابق، جمال بنعمر، والسفير الأمريكي، ورأينها في صيغة “اتفاق السلم والشراكة الوطنية”.
تلك هي رؤيتهم للشراكة، ويحبذون عادة توقيع هذا النوع من الاتفاقات وأسلحتهم مشرعة على الجميع، وفي الوقت الذي يحددونه هم، إنه التكتيك الذي قدر له أن يعكس الإرادة الحقيقية للقوى الكبرى بشأن صيرورة الأحداث في اليمن.
بالطبع تشكلت حكومة بحاح من وحي ذلك الاتفاق، الذي منح الحوثيين سلطة الوصاية على الحكومة، وتكييف دورها إلى الحد الذي رأوا في الحكومة مجرد غطاء لتحركاتهم التي كانت تستهدف تصفية تركة النظام الانتقالي وثورة الحادي عشر من فبراير 2011 وثورة 26 سبتمبر 1962، وعندما فشلوا في الحصول على التوقيع النهائي من الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي حاصروه وأجبروه على الاستقالة.
أكثر ما يقلقني أن تتداعى جبهة السلطة الشرعية بهذا القدر من السرعة، وأن تتغير المواقف والمصطلحات والمفاهيم لنجد أنفسنا مجدداً في حظيرة هذه العصابة، لتملي علينا اتفاق سلم وشراكة جديد، فقط لأن السفير الأمريكي والبريطاني يريدان ذلك.
أعتقد أن جبهة المقاومة لا تنقصها الإرادة والعزم ولا الرجال، وبإمكاننا أن نراهن على المقاومة في إمضاء إرادتنا التي هي إرادة شعب يطمح إلى أن يعيش بسلام وينعم بالحرية والديمقراطية والدولة التي تمثله لا تمثل به.