أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتراجم وتحليلاتتقارير

(تحليل خاص) المشروعية والورقة الرابحة.. ما الذي يريده الحوثيون من تبني هجمات “دعم غزة”؟!

يمن مونيتور/ وحدة التحليل/ خاص:

تبنت جماعة الحوثي المسلحة بشكل رسمي، يوم الثلاثاء، شن هجوم بصواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة من “إسرائيل”، في ظل المخاوف الدولية من توسع الحرب إلى حرب إقليمية.

وأعلن الاحتلال الإسرائيلي اعتراض الهجوم بمنظومة “السهم”. وليس الهجوم الأول القادم من جنوب البحر الأحمر إذ سبقته عدة هجمات لم يتبانها الحوثيون بشكل رسمي بينها هجوم يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الذي أعلن البنتاغون اعتراضه عبر المدمرة يو اس اس كارني التي كانت موجودة قبالة اليمن.

ورغم الاعتبارات اليمنية لمثل هذا الهجوم إلا أنه يأتي في سياق معالجة وضع جماعة الحوثي ومشكلاتها الداخلية والخارجية التي تواجها. لذلك يسلط هذا التقرير الضوء على المشكلات الداخلية للجماعة والتي يسعى قادة الحوثيين لمعالجتها باستدعاء عدو خارجي يكّن له اليمنيون الكثير من الغضب والعداء، وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكب بما توصف “جرائم حرب” من إبادة جماعية وتطهير عرقي منذ 75 عاماً.

 

شعبية الجماعة

في الأسابيع الأخيرة التي سبقت هجوم الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت شعبية الجماعة في أسوأ حالتها، حيث خرج الآلاف للشوارع غاضبين من فساد الحوثيين وسوء إدارتهم. واعتقل الحوثيون أكثر من 1000 متظاهر في صنعاء من الذي احتفوا بذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول والتي أبرزت الغضب من إدارة الحركة لمناطق سيطرتها، من الفساد إلى سوء الإدارة.

ولإسكات موجة الاحتجاجات داخل الجماعة بسبب فساد قادة الحوثيين، والاحتجاجات الشعبية بسبب حكمها المستمر منذ تسع سنوات، أعلن زعيم الحركة عبدالملك الحوثي عن تغيّرات جذرية في الحكم بدأها بإقالة الحكومة التابعة للجماعة غير المعترف بها دولياً.

خلال سنوات حكم الحوثيين نشأت مظالم لا حصر لها، حيث يرفض الحوثيون تسليم رواتب الموظفين في القطاع العام منذ سنوات، من الإيرادات التي يتحصلونها والتي تصل إلى أكثر من 2 مليار دولار سنويا. والجبايات الضخمة التي يجنونها من التجار ما يرفع أسعار المواد الغذائية ويزيد من الجوع والفقر الذي يصل إلى أكثر من 85% بسبب الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.

اقرأ/ي أيضاً..

 كان المجتمع صامتاً مع استمرار الحرب مع توقفها بسبب الهدنة في ابريل/نيسان 2022 ارتفعت الأصوات التي تندد بإدارة الجماعة والمظالم المستمرة في التصاعد. عودة الحرب ضد عدو أكبر يؤكد أيدلوجية الجماعة “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”، وإسكات المجتمع المناهض لهم وكسب شرعية جديدة. حيث عادة ما اعتبر الحوثيون المطالبة بالرواتب والخدمات في مناطق سيطرتهم “عمالة” للتحالف والحكومة المعترف بها دولياً، في هذا السياق يمكن اعتبار المطالبة بالخدمات والرواتب “عمالة” للاحتلال الإسرائيلي.

لذلك يحرص الحوثي على شن حملة “دعاية” عظيمة بشن حرب عابرة للحدود على مسافة 2000كم، رغم عدم تأثيرها في مسرح العمليات العسكرية في غزة؛ إذ أن بعض الطائرات المسيّرة سقطت في “طابا” المصرية وتسببت في 6 جرحى، وصواريخ ومسيّرات أخرى سقطت في البحر الأحمر قبل وصولها إلى الأراضي المحتلة. على الرغم من أن الجماعة قادرة على شن هجمات بحرية ضد السفن الإسرائيلية التي تعبر مضيق باب المندب، لكن شن هجمات من اليمن إلى “إسرائيل” يزيد من عاطفة المجتمع وأكثر دافعاً لإسكات مطالبهم.

استعراض للحوثيين في صنعاء- ارشيفية

تنفيذ شروط الجماعة

إلى جانب الحصول على شرعية شعبية من الشارع بشن هجمات على الاحتلال الإسرائيلي، فإن الحوثيين يريدون استخدامها كأداة ضغط على المجتمع الدولي للحصول على مزيد من التنازلات في أي اتفاق سلام تحت رعاية الأمم المتحدة.

قبل بدء الاحتلال الإسرائيلي بشن هجمات على قطاع غزة في 07 أكتوبر/تشرين الأول، كانت المحادثات بين الحوثيين والسعوديين قد وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الحرب، مع توقعات بالتوصل لاتفاق ينهي الحرب، بينها هدنة دائمة- حسب مصادر في صنعاء مطلعة على المحادثات تحدثت في ذلك الوقت لـ”يمن مونيتور“. حيث أنهى الحوثيون زيارة هي الأولى منذ 2014 إلى الرياض والتقوا وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وهو مسؤول الملف اليمني.

اقرأ/ي أيضاً.. (انفراد) صراع الحلفاء المتشاكسين… هل يسقط مؤتمر صنعاء “مهدي المشاط” من رئاسة المجلس الأعلى؟

كان دبلوماسي خليجي تحدث لـ”يمن مونيتور” يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول أن الولايات المتحدة وجهت تحذيراً عبر دولة ثالثة إلى الحوثيين تحذرهم من تبني أو شن هجمات على “إسرائيل”. ورغم رفض الحوثيين “التحذير الأمريكي إلا أنهم قدموا عدة شروط لتحقيق تنازلات في ملف السلام اليمني” مقابل عدم شن هجمات على الاحتلال.

ويوم الاثنين أكد القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى (هيئة توازي رئاسة الجمهورية) ما نشره “يمن مونيتور” بتلقي الجماعة تهديد من الولايات المتحدة ولم يشر إلى الشروط التي تم تقديمها.

ويبدو أنه لم توجد استجابة من المجتمع الدولي لشروط الحوثيين، لذلك صَعد الحوثيون على الحدود السعودية في محاولة لتأكيد إمكانية عودتهم إلى الحرب، مع تبني عمليات عابرة للحدود باتجاه “إسرائيل”.

وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تميوثي ليندركينغ في 25 أكتوبر/تشرين الأول إنه يخشى أن تهدد الأزمة في غزة ما أسماه التقدم نحو السلام بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، قائلا إن احتمال انجرار البلاد إلى الصراع في غزة هو “أسوأ مخاوفه”.

اقرأ/ي أيضاً..

استعراض للحوثيين في محافظة صعدة شمالي اليمن في سبتمبر REUTERS/Naif Rahma

الرسوخ في محور المقاومة

“أسوأ مخاوف” المبعوث الأمريكي، هي طموح للحوثيين الذين يهدفون أيضاً من تبينهم الرسمي لشن هجمات على الاحتلال الإسرائيلي، إلى ترسيخ أنفسهم كجزء من المحور الإيراني. حيث أن معظم الأطراف التي تدعمها إيران موجودة بلاد الشام والعراق أو في فلسطين. وهي منطقة ملتهبة للغاية وتمثل طموحات وسياسة إيران الخارجية المتوترة بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وخليج العقبة، بُعد الحوثيين الجغرافي لا يجعلهم في القائمة الأولى لهذا المحور إذ أن مهمتهم هو تهديد دول الخليج وإذا ما تحسنت العلاقات يعتقد الحوثيون أنهم يبتعدون كثيرا، ومعها تبتعد الفوائد من وجودهم في هذا المحور.

ومع عودة العلاقات الإيرانية-السعودية في مارس/آذار 2023، خشي الحوثيون أن تتخلى إيران عن الجماعة لصالح تقديم تنازلات للمملكة. خاصة بعد إلغاء دمشق الاعتراف بالحوثيين كسلطة تمثل الجمهورية اليمنية مع لقاء وزير الخارجية اليمني بنظيره السوري بضغط من المملكة العربية السعودية ورضى من إيران.

وإيران هي الدولة الوحيدة حالياً التي تعترف بسلطة الحوثيين كممثلة في اليمن، ومع عودة علاقتها مع السعودية يخشى الحوثيون المصير ذاته الذي لاقوه في سوريا، خاصة مع تقديم السفير السعودي أوراق اعتماده للرئيس الإيراني الشهر الماضي. إلى جانب ترسيخ وجودهم في محور المقاومة يأمل الحوثيون أن يبقوا على الاعتراف الشكلي بحكومتهم خارجاً من إيران ومن الميليشيات الشيعية في المنطقة.

بالمقابل تحتاج إيران لإيصال رسائلها بإمكانية توسع الحرب إلى البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط إذا ما تعرضت لهجوم من الولايات المتحدة أو دول أوروبية، وهي رسالة أيضاً لدول الخليج العربي-خاصة الإمارات- أن أمنها سيكون مهدداً من الحوثيين إذا ما استخدمت القواعد الأمريكية في شن هجمات على إيران مهما كان نوعها، دون أن تتلقى طهران اللوم عن هذه الهجمات.

اقرأ/ي أيضاً.. حصري- هل يخطط الحوثيون لإدخال صنعاء في دوامة عنف لانقاذ أنفسهم؟

 

المشروعية داخل الجماعة

إلى جانب الأهداف السابق هناك هدف داخلي يهم قيادة الحركة الطائفية والمسلحة. حيث تعاني جماعة الحوثي من ازمة مشروعية قيادة عبدالملك الحوثي؛ حيث ارتفعت أصوات علماء الدين في المذهب الزيدي الذين لا يرون فيه عالماً ربانياً أو “إماماً” للمذهب. وهي جدلية دائمة تتراجع في ظل الحرب.

ولأن أبرز شروط الإمام في المذهب هو “الخارج ضد الظلم شاهراً سيفه” فإن إعلان الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي يقدم “عبدالملك الحوثي” قائداً للجماعة الطائفية في المدى المنظور. خاصة مع استمرار الصراع حول الإمامة الزيدية مع محمد عبدالعظيم الحوثي (أحد أبناء عمومة زعيم الحوثيين وعالم زيدي) -تشير تقارير إلى اعتقاله عدة مرات آخرها في سبتمبر/أيلول، وتزايد قوة تيار جديد يقوده “محمد علي الحوثي” وقربه من “إمام جمعة صنعاء” عبدالمجيد الحوثي؛ وظهور شيوخ دين تروج لهم إيران بين قبائل طوق صنعاء.

وبإعلان الحرب “ضد الاحتلال الإسرائيلي” يرسخ عبدالملك الحوثين نفسه كإمام لجماعة الحوثي والعائلات الهاشمية في صنعاء وصعدة وذمار وحجة، وبين أبناء عمومته، ما يجعله أكثر تحكماً في فرض هالة من القدسية على قراراته، ومعالجة العصيان داخل الجماعة بحجج أنه أمام حرب أكبر من السابقة ما يزيد من مشروعية تلك القرارات. كما أنه يرسخ نفسه كدور فاعل في محور المقاومة الذي تقوده إيران وتمده بالأسلحة المتفوقة لشن حرب غير تماثلية.

مع تأييد معظم اليمنيين لأي عمل ضد الاحتلال الإسرائيلي من أي جهة كانت حتى لو كان موقفاً سياسياً في أمريكا اللاتينية، إلا أن ذلك لا يبعدهم عن اعتبار الحوثيين جماعة لا يمكنها حُكم اليمن فسنوات تجربتها التسع المليئة بالفساد والعبث والطائفية تجعلها حائطاً يصد أي محاولات حصولها على مشروعية وشرعية من ركوب أقدس قضايا اليمنيين وأهم ثوابت هويته البلاد.

اقرأ/ي أيضاً..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى