آراء ومواقف

الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في اليمن: حيادٌ ملتبس ومنطقٌ غريب

جمال المليكي

أثارت الوثيقة التي بثَّتها قناة الجزيرة حول مخاطبة المكتب التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مع أثارت الوثيقة التي بثَّتها قناة الجزيرة حول مخاطبة المكتب التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مع القيادي الحوثي “محمد حجر” بصفة “القائم بأعمال وزير الخارجية في اليمن”، جدلاً واسعاً وسط المتابعين للشأن اليمني، خاصةً في أعقاب صدور تقرير أممي يتضمن المعلومات التي أدلى بها القيادي الحوثي. وهو بحق تواطؤ مريب، وأقلّ ما يقال عنه، بأنه يُضفي الشرعيّة على مليشيات مسلحة مارست في حق اليمنيين أبشع الجرائم. بيد أننا في اليمن تعودنا خلال السنوات المنصرمة على مثل هذه المواقف السلبية من هذه المنظمة الأممية، وهو ما سأحاول كشفه عبر هذه المقالة.
لن ينسى اليمنيون بالطبع، لحظة اجتياح مليشيات الحوثي للعاصمة صنعاء، وكيف كان ممثل الأمم المتحدة يجلس في غرفة واحدة مع عبد الملك الحوثي. وقد نحسن الظن، ونقول إنه كان هناك يتوسل زعيم المليشيا ويحثّه على إيقاف نزيف الدم اليمني والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع بقية الأحزاب اليمنية. وربما نختلف في تأويل طبيعة تلك الجلسة، لكن الثابت أنَّ عبدالملك الحوثي لم يكن رجل سلام بالطريقة التي تخيّله بها الممثّل الأممي، إذ ليس في سجله السياسي ما يدلِّل على مرونة أو مُرُوءة سياسية؛ فقد عاش في الكهف معظم سني عمره ولم يتعلم سوى تكرار السرديّة المشروخة حول أحقيّة سلالته في حكم اليمن. وقد منحته هذه الخرافة قيمة رمزية لدى مجموعة من الأتباع الذين لا يتقنون سوى القتل والتفجير، وهو الأمر الذي شجعه لتوجيههم باجتياح صنعاء.

أمر مليشياته باجتياح صنعاء وهو يبتسم ساخراً في وجه جمال بن عمر، مبعوث الأمم المتحدة حينها إلى اليمن.

والأدهى من ذلك، أنه منذ بدأ التوسع الحوثي خارج أسوار صعدة في أقصى الشمال، والتمدد صوب العاصمة صنعاء، والأمم المتحدة تنادي وتطلب من الجيش اليمني أن يبقى على الحياد. هل قرأتم في التاريخ أو سمعتم أن مليشيات مسلحة تجتاح المدن والقرى، والأمم المتحدة تطلب من الجيش الوطني أن يبقى على الحياد؟ هذا بالضبط ما حصل في اليمن..

تم اجتياح العاصمة وأصحبت المليشيات تتجول في شوارع صنعاء وتُثير الرعب وتنشر الدمار في ربوع البلاد، فيما كانت بعثات المجتمع الدولي في اليمن تتمادى في صمتها المريب.. ومن المفارقات أن المليشيات اقتحمت المؤسسات العامة والخاصة وقتلت كل وقف أمامها بينما قامت بحماية السفارة الأميركية

واصلت كل السفارات -بما فيها سفارات دول الاتحاد الأوروبي وأميركا- عملها ولم يصدر عنها موقف أخلاقي أو قانوني يتناسب مع سقوط عاصمة دولة بيد مليشيات مسلحة. ولم نسمع لهم صوتاً إلاَّ عندما بدأوا بالتذمر من عمليات تفتيش الحوثيين لحقائب الدبلوماسيين!

ومع أني لا أحبّذ اللجوء للمقارنات في هكذا حالات، لكن التفكير في هذا المشهد يكاد يجعلني أجزم بأنه شبيه بمذابح مماثلة جرت في رواندا والبوسنة. وأشير هنا بشكل خاص إلى المشهد التراجيدي الذي يصرخ فيه بطل فيلم ” فندق رواندا”: “لمَ لا يتدخل أحد لإنقاذنا”. وثق لنا الفن والتاريخ تلك القصة المأساوية التي جرت في البلدين، والمواقف الأخلاقية المخزية للبعثات الدوليّة حيال المذبحتين..

فلنعد إلى اليمن.. من خلال الجرائم التي وثقتها أنا شخصياً وتم عرض جزء بسيط منها في فيلم خيوط اللعبة الذي تم بثه قبل شهرين ضمن سلسلة الصندوق الأسود على قناة الجزيرة أستطيع القول وبكل ثقة إن جماعة الحوثي كانت تحارب وكأنها جماعة غازية لدولة أخرى، فهي على سبيل المثال تزرع الألغام وعندما تنسحب من المنطقة ترفض تسليم خرائط الألغام، بل وثقت أكثر من قصة تم فيها تلغيم الجثث، هل يحق لنا أن نسأل مثلاً، هل سيُعاقب هؤلاء على كل هذه الجرائم، أم إن ما فعلوه سيصبح مساعداً لهم على تحقيق أهدافهم.

هافينغتون بوست عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى