كتابات خاصة

قتلة الحياة

محمد عزان

بسلطان العلم وقوة المعرفة نشهد اليوم من ينفذ من أقطار السماوات والأرض، ويفتش عن حياة في المريخ، ويتجول في فضاءات الكون لاكتشاف أسرار الحياة واستثمار الطبيعة المسخرة لخدمة الإنسا
بسلطان العلم وقوة المعرفة نشهد اليوم من ينفذ من أقطار السماوات والأرض، ويفتش عن حياة في المريخ، ويتجول في فضاءات الكون لاكتشاف أسرار الحياة واستثمار الطبيعة المسخرة لخدمة الإنسان، وبذلك يقدِّم ما يُبهر الألباب من دلائل قدرة الله في الكون والأنفس، في حين لا يزال آخرون يتسابقون في إنتاج أدوات الهلاك، ووسائل القتل وتدمير الحياة، ويتقنون صناعة الموت، وتفجير الخصومات، وبذر بذور الأحقاد وإذكاء نيران الفتن تحت شعارات مختلفة في كل مكان.
وتحت تأثير الشحن والتحريض، وإلباس الخصومات الأنانية ثوب الجهاد المقدس؛ يستبسل فريقٌ من الناس في قتال نُظَرَائهم في الخَلْق، وإخوانهم في الإنسانية، بل وشركائهم في الدين والوطن، بحجة أنهم أهدافاً تشكل خطراً على الدين أو الوطن أو المصلحة العليا، دون أن يكترثون لما يَنْتج عن ذلك من آلام ومآس وبلاء مبين.. ويعضدهم فريق آخر بتسخير قدراتهم الذهنية وإمكاناتهم المادية والدعائية؛ لتبرير ذلك الشر، وخلق الأعذار لتجميل الصورة القبيحة للقتل .. وبدهاء يتم لبس الحق – المتمثل في القتال المشروع، الذي يمثل الحق الممنوح للإنسان في الدفاع عن دينه وحياته – بالباطل، المتمثل في القتال الممنوع الذي تنتجه الخصومة وتوقد ناره الأحقاد والعصبيات البغيضة. وبكل بساطة يُمنح القَتَلة أوصاف الشَّجاعة والبطولة، وتُطلق عليهم القاب: «المجاهدين في سبيل الله»، «حراس العقيدة»، «حماة حمى الإنسانية»!! وترفع صورهم وقد سُطِّر عليها آيات تتحدث عن مكانة وفضل الشهداء في سبيل الله، وتكتب عن حياتهم القصص، وتُنشأ في مدحهم قصائد ومراثي تعتبرهم صفوة المجتمع ورواد الأمة، وذلك مما يستهوي البسطاء للتأسي بهم والمضي على نهجهم، في تدمير أمتهم ومجتمعهم وأوطانهم. وأسوأ ما في الأمر أن كثيراً من تلك المعارك الجائرة والخصومات العبثية، تُنَفّذ باسم الدين، وذلك حين قرَّر فرقاء التعصب أن الحياة حق يختص به المتدينون منهم دون سواهم من الناس، ثم قَصَرُوا الدين على ملَّتهم، وعَيَّنوه في أمَّتهم، فـ ﴿قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (مِن جَهَلَةِ الأمم ومُتَعَصِّبِيهم) مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[البقرة/113]، ثم وجدنا من أتباع الملل من اختزلوا ملتهم ودينهم في مذهب مُعَيَّن، ثم في جماعة خاصة ضمن المذهب الواحد، وبالتالي لا يرون جديراً بالحياة أحدا دونهم ، ولا أهلاً للكرامة والسعادة سواهم.. وهذا ما جعل كثيراً من الفرقاء – عند أبسط الخصومات – يستنفرون الطاقات، ويشحذون الهِمَم لفرض وجودهم، وبسط نفوذهم، وإحكام سيطرتهم وإخضاع من سواهم بشتى الوسائل، وإذا نشبت أيُ مواجهة خَرَج كل فريق يقتل الآخر تحت رايات يزعمون أنها رايات «جهاد في سبيل الله»، حتى صرنا نرى المسلم يقدم على قتل أخيه المسلم وهو يصرخ بأعلى صوته: «الله أكبر» ولا يستوحش من ذلك بل يفاخر به. ولتَزيين الأفكار العـدوانية التي تبرر القضـاء على الآخــرين وإخراجهم من الحياة، وتبرير سلوك قتل المخالفين وإبادتهم، يقف ﴿الذِينَ فِي قُلُوبِهم زَيْغٌ﴾ على جبهات الفتن؛ ليزينون لأنصارهم السوء، ويشرعون لأتباعهم المنكر، ويستغلون القرآن ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران/7]، بهدف تأييد الخصومات وإضفاء القداسة والشرعية على الأفعال القبيحة، ومطالبة الناس بتأييدها ، ومن لم يفعل؛ فتهمته جاهزة بـ«خذلان الحق» و«التثبيط عن الجهاد»، و«مداهنة الظالمين» ونحو ذلك مما اعتاد الناس سماعه من أقطاب الخصومات، وتُجَّار الموت.
وهذا ما جعل من لا يعرف الإسلام إلا من خلال سلوك هؤلاء ينظر إليه على أنه – كان ولا يزال – سيفاً يقطر دماءً، وسوطاً يلهب أجساد الناس ، ليدفعهم طوعاً أو كرهاً نحو مآربه وغاياته، وذلك ما جعل دين الإسلام محل ريبة وقلق عند كثير من شعوب العالم، الذين يتساءلون: إن كان الإسلام رسالة رحمة وتسامح، ومنهج بناء وحياة؟! أم أنه مجرد برنامج تعبئة لتهييج الأحقاد وبث الكراهية، وإصدار أوامر القتل، ودعوات الإبادة والدمار؟! ذلك .. رغم أن الإسلام أسس دعوته على قاعدة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل/125]. وما فتئ ينادي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[البقرة/208]. وامتدح رفق النبي المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ولطف تعامله مع الناس، فقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران/159]. فكان شعار الإسلام: السلم والسلام، ونهجه: الحكمة والاحتكام، وغايته: البر، والعدل، والإحسان. غير أن تلك النظريات والنصوص رغم قدسيتها وإلزاميتها؛ لا يمكن أن تقنع الآخرين، بسلمية الإسلام وحكمة منطقه؛ وهم يشاهدون المسلم يَتَقَرَّب إلى الله بقتل أخية المسلم في مسجده او قريته أو مدينة آمن بامان الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى