كتابات خاصة

الحب المقاوم

أحمد الرافعي

حين نتحدث عن المقاومين، فإننا
نتحدث عن بشر لهم إرتباطاتهم الأسرية والعاطفية، وماض من الذكريات والأحلام والطموحات البعيدة..
 المقاوم هو شخص مثخن بالحب ومتقد بالشغف. حين نتحدث عن المقاومين، فإننا
نتحدث عن بشر لهم إرتباطاتهم الأسرية والعاطفية، وماض من الذكريات والأحلام والطموحات البعيدة..
 المقاوم هو شخص مثخن بالحب ومتقد بالشغف.
 للمقاوم قلب مترع بالهوى، تتفجر من قلبه ينابيع العاطفة والشوق والحنين. وله ماض سوي. رسمت ملامح هذا الماضي إيمانا حافلا بجمال الحياة.
علينا أن نثبت هذه الصورة في أفكارنا عن المقاوم إذ أن إلصاق صورة أن المقاوم شخص كاره للحياة أو مجاف لها، يجعل توصيفنا لإقدامه إلى ساحة النضال نوعا من الهروب أو التخلص من عبء جاثم على حياته!!
ليس الأمر هكذا.
المقاوم شخص شغو ف بالحياة ومحب لها؛ حركه الحب إبتداء؛ وخاض باسم الحب معاركه ببسالة تكشف لنا حجم هذا الهوى المسكون في ربوع القلب.
هوى يجعله يضحي بعلاقاته وإهتماماته ومساحات أخرى سورها بالحب في حياته الحافله بكل جميل، ويترك كل ذلك خلفه، ويتجه صوب الحب الأسمى: حب الأوطان والتراب التي هي فرع عن محبة الله الجليل، فالق الأوطان ومفجر حبها في القلوب.
وللقارئ في شهر الصيام استنباط هذا المعنى من صيغة التفضيل في قول الله (قل ان كان اباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ……الآية)
أحب اليكم..
(صيغة التفضيل تجسد لنا حبين يتنازعان قلب الشهيد؛ وخيار الشهادة هو إختيار عملي صادق للحب الأسمى في مقابل جواذب الحب الأدنى..
تتجلى في هذه الصوره قدسية مكانة الشهيد وعظمة التضحية.
وتكشف لك سر الإحتفاء الإلهي بهذا الإقدام القدسي. وتكشف لك أيضا لماذا احتل الشهيد هذه المكانة الرفيعة في نفوس الخلق وفي ذاكرة الأوطان والأجيال.
والفصل هنا بين طريق الله وطريق الوطن فصل تأباه أفهام الذين عرفوا طريق الله، إذ أن سبيل الله تقودك إلى كل فكرة حق وخير ترفع المعاناة عن الخلق وتجابه كل أفكار الإستعباد والإفك.
يقدم لنا القرآن ترسيخا لهذا المفهوم في آية اخرى وهو يتحدث عن (أقوام يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).
في الآية يجعل الله الجهاد برهان المحبة الخالده والشعور الأسمى.
أعود مرة أخرى للتأكيد على صورة الشهيد التي ينبغي أن نرسخها في ذاكرة هذا الجيل الباحث عن الحل وفي كل الاجيال القادمة. صورة الشهيد التي رسمت ملامح قدسيته تعابير كثيرة من الحب تختلف في ألوانها لكنها تتحد في أنها صدرت باسم الحب للأوطان.
لون ترسمه ريشة والد وارى أشواقه وراء قلبه ونظر صوب السماء وأذن لابنه سلوك هذا الطريق المليئ باحتمالات الموت المؤكد.
وآخر يرسمه قلب أم يسكن قلبها حب ولد شيعته بدعواتها ولا حقته ببصرها حتى إلتهمه الأفق.
عصرة قلب الأم وفؤادها الذي  أصبح فارغا مذ غابت عنها يده المودعة: أليست تعبيرا خالدا عن الحب وعن معنى التضحية الذي يعني التنازل عن الحب الأدنى بحثا عن الحب الخالد الأسمى!
وهل في تعابير الحب للأوطان ولرب الأوطان ما يوازي إيحاء الحب الخالد من زغرودة صدرت من أم شهيد قاومت دموعها@
ياقلب أم الشهيد علمينا كيف يكون الحب للأوطان.
ثم هل يستحق شي التخليد والإجلال مثل صورة زوجة وصلت معاناتها إلى سمع السماء في ليالي البعد والإلتياع والشوق والحنين.
زوجة كان يمكن أن تكون سورا شاهقا يقف في وجه إندفاعات زوجها المؤمنة بالواجب، كان يمكنها أن تتحدث بلغة الارض الفانية وتضع ألف جاذب يشد المقاوم من خلفه وقد عزم على الإنخراط في صفوف المقاومة.
ما الذي يجعلها تختار الأنين على الضحكات ولوعة القلب على الأنس، والغياب على الحضور؟!
كم كان يغنيها عن جواب الأسئلة الحائرة من أبنائهما تسأل: أين أبي؟
لو أنها سدت عليه طريق الذهاب!
من ماء هذا القلب الطاهر  المحب تغتسل الأوطان، ويغسل المستقبل عينيه في صباحاتنا القادمة.
كم هي المشاعر التي تركتها أسرة الشهيد وراء ظهرها حين لاح في الأفق فجر الوطن الذي تستحقه أجيال اليمن.
ومن  قصص هذه التضحيات التي يسكبها المقاومون على التراب الوطني نعرف بجلاء: طريق  الحب الخالد الذي  تخط معالمه دماء المقاوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى