تحت رحمة قناصة الحوثي.. مواطنون يخاطرون بحياتهم في العيش قرب جبهات القتال بتعز
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من مختار شداد
تحت رحمة قناصة وقذائف الحوثيين، يعيش مواطنون يمنيون يسكنون بالقرب من جبهة القتال الشمالية لمدينة تعز المحاصرة، معاناة يومية وسط ظروف معيشية قاسية يتحملون خلالها مشقة الحياة والخوف من فقدانها في ذات الوقت.
هنا في وادي عصيفرة، تقطن عشرات الأسر في بيوت مهددة كل يوم بالقصف أو استهداف القناصة، لكن الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل وتدني الدخل دفع بهذه الأسر للمخاطرة والعيش هنا بالقرب من الجبهة التي تشتعل من حين لآخر.
يقول الشاب صلاح حسان، إن العيش في تلك المناطق يجعلهم في حالة “قلق وخوف دائم”، مختصرًا بذلك حياته التي يعيشها بشكل يومي في وادي عصيفرة القريب من خطوط النار.
يسكن “حسان” مع عائلته في بيت مكشوف لمناطق تمركز قناصة الحوثي في الجهة المقابلة والمعروفة باسم “تبة الكمبتين” المطلة على وادي عصيفرة بشكل كبير حيث تسكن العشرات من الأسر.
يضيف حسان في حديثه لـ”يمن مونيتور”، “معاناتنا هنا لا تنتهي، نعيش ونحن ننتظر متى نسمع خبر وفاة أحد أقربائنا، حياتنا صعبة جدًا، ظروفنا المعيشية لا تُحتمل، نفتقد لأبسط مقومات الحياة”.
“ثمن الكرامة”
كثير من الأسر التي تسكن في وادي عصيفرة نزحت من مناطق سيطرة الحوثيين، تاركين منازلهم وأرضهم خلف ظهورهم خوفًا من بطش الجماعة بهم، ليجدوا أنفسهم بلا مأوى أو فرص عمل، الأمر الذي اضطرهم للسكن في مناطق متاخمة لخطوط النار.
يقول داؤود محمد، أحد النازحين من شارع الستين (شمال المدينة) بعد أن ترك كل أملاكه في مناطق الحوثي، “إنه وجد نفسه مشردًا لا يملك شيء، ليضطر للسكن بالقرب من جبهة عصيفرة، بينه وبين منزله مسافة خمسة كيلو متر تقريبًا.
يروي “داؤود” جانبا من حياته لـ”يمن مونيتور” قائلًا: “بسبب الأوضاع في مناطق الحوثيين، ونتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وارتفاع الأسعار وايجارات الشقق، اضطررت للسكن في هذه المنطقة الخطيرة رغم قربها من الجبهة”.
يضيف “داؤود” بعد فترة صمت طويلة: ” ليست لدي القدرة على السكن في المدينة (تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية)، والعيش هنا مخاطرة كبيرة، الماء شبه منعدم، نخاطر بحياتنا عندما نخرج لجلب الماء، نتسلل خوفًا من القناص، أطفالنا يعيشون حالات رعب وخوف بسبب القصف والقنص”.
يقول المواطنون إن أكثر حالات القنص تحصد أرواح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات إلى 10، لكن الأمر لا يقتصر على الأطفال فقط، فـ”القناص لا يفرق بين إن كان الهدف طفلًا أو كبيرًا في السن أو حتى امرأة، فهو يستهدف أي كائن حي يتحرك في نطاق مجال الرؤية لديه”.
“نوافذ مغلقة وأشجار حارسة”
تصبح الأضواء في الليل أهدافًا دقيقةً للقناص الذي يستهدفها مباشرة، لذا فقد لجأ المواطنين في وادي عصيفرة إلى بناء النوافذ لتصبح البيوت سجون لساكنيها، وحتى هذه البيوت لا تعد أماكن آمنة دائمًا، فالقذائف والأسلحة المتوسطة تشكل مصدر قلق لدى المواطنين الذين يسكنوا في بيوت تفتقر لمقومات الحياة.
يقول علي محمد، أحد الساكنين هناك في حديثه لـ”يمن مونيتور”، إن محاولة إشعال الضوء في المنزل يعني أن تحكم على نفسك بالموت”.
ويشير إلى أنه قبل سنة تقريبًا فتح أحد الأطفال نافذة لم يتم بنائها بعد ولم يغلقها وماهي إلا دقائق والبيت تشتعل فيها النار بسبب رصاصة قناص، حيث أنه كان في البيت أثاث قابل للحرق بسهولة.
وليس بناء النوافذ وحده، وسائل المواطنين لحجب الرؤية عن القناصة الحوثيين، فالأشجار المنتشرة بكثرة في الوادي تعتبر بمثابة حاجز تسمح للساكنين هناك بالتنقل بين المنازل بحرية وبعيدًا عن عين القناص، ورغم احتياجهم الشديد للحطب بسبب أزمة الغاز لكنهم لم يسمحوا لأحد باحتطابها لتصبح حارسة لحياتهم.
على هذا النحو ومنذ سنوات يعيش المواطنين من أبناء تعز اليمنية، حياة صعبة وتفاصيل يومية مليئة بالخوف، لكنهم يؤمنون أن للحياة الحرة والكريمة لها ثمن يدفعه معظم هؤلاء الذين اختاروها بدل العيش تحت سلطة الحوثيين.
ومنذ اندلاع القتال في اليمن عام 2015، تسيطر القوات الموالية للحكومة على وسط مدينة تعز، بينما يُحكِم الحوثيون سيطرتهم على ضواحيها الشرقية والشمالية والغربية، بما في ذلك المنافذ الرئيسية للمدينة التي تحيط بها المرتفعات الجبلية من الجنوب.
وفي مارس/آذار 2016، استعادت القوات الحكومية السيطرة على طريق فرعي جنوب المدينة ليصير المنفذ الوحيد إلى المدينة بعد أن طوّق الحوثيون المدينة تماما ولم يبقَ أمام حوالي 800 ألف شخص -بحسب تقديرات سكانية- إلا سلوك الجبال على الأقدام والاعتماد على المواشي في نقل الأدوية والمواد العاجلة.
وتسبب الحصار بأزمة مياه تصل إلى 75% من احتياج السكان، وتدمير 50% من شبكة الطرق التي زاد طولها وكلفتها إلى 1000%، بينما ارتفعت أسعار السلع بنسبة 35%، حسب محافظ تعز نبيل شمسان.
وتضم المناطق التي يسيطر الحوثيون عليها المصانع، ما يجعل الجماعة تنفرد بإدارة المؤسسات والقطاعات الإنتاجية والإيرادات الضريبية والجمركية والموارد التجارية، التي تدر ملايين الريالات، يتم توريدها إلى خزينة الجماعة في صنعاء.
وتمثل منطقة الحوبان الصناعية شمال شرق تعز أهم مصدر لجبايات الحوثيين، وذلك لوجود المصانع والشركات التجارية، حيث يتحصل الحوثيون منها على 10 مليارات ريال (بالعملة القديمة حيث الدولار يساوي نحو 530 ريالاً) شهرياً، يتم توريدها إلى صنعاء. وبحسب مصادر صحافية، أخيراً، فإن جبايات الحوثيين من القات في مناطق سيطرتهم في تعز تبلغ 20 مليون ريال من العملة القديمة) يومياً.