أسرار وقوع كريستيانو رونالدو في غرام العرب
يحمل السيف ويرقص على إيقاع العرضة السعودية، ويشاركهم في احتفالات اليوم الوطني وهو يرتدي الزي المحلي «الثوب والشماغ»، وأحيانا يسجد لله شاكرا على طريقة المسلمين بعد تسجيل الأهداف، كأنه شاب في بداية عقد العشرينات يلعب بشغف ورغبة حقيقية لتسجيل الكثير من الأهداف وقيادة فريقه لتحقيق الانتصارات والألقاب، وليس كريستيانو رونالدو، ملك اللعبة الذي يتربع منفردا على صدارة الهدافين التاريخيين للعبة، وحقق كل النجاحات المطلوبة على المستوى الجماعي والفردي في اللعبة، باستثناء معانقة كأس العالم في 5 محاولات طوال رحلته الدولية الممتدة حتى هذه اللحظة، والسؤال الذي يفرض نفسه ويجعل البعض منا يسأل ويتساءل قائلا: يا ترى ما سر انسجام صاروخ ماديرا في دوري روشن؟ أو كما يقولون كيف نجح في تجديد شبابه في أرض العرب؟
كلمة السر
في مقابلة موثقة أجراها الدون مع شبكة «إي إس بي إن» بعد هزيمة النصر أمام سيلتا فيغو بخماسية نظيفة في جولة الاستعداد للموسم الجديد، قال صراحة: «لن أعود مرة أخرى إلى أوروبا»، ليس لأنه أوشك على كسر حاجز الـ38 عاما، بل لأنه من وجهة نظره، لتراجع مستوى اللعبة والمنافسة عموما في القارة العجوز، باستثناء ما يعتبره الدوري الأقوى والأشرس والأكثر تنافسية في العالم حتى هذه اللحظة البريميرليغ، ومؤخرا نقلت عنه شبكة «ستيب سبورت» ما قاله عن السبب الجوهري الذي جعله يفضل العرض السعودي على باقي العروض الأوروبية والأمريكية، بعيدا عن سحر وبريق المال، بقوله: «وجدت في المملكة ما كنت أبحث عنه من حب وتقدير»، في إشارة واضحة إلى أنه لم يجد هذه المعاملة في إنكلترا وإيطاليا وإسبانيا وأيضا وطنه البرتغال، وفي واقع الأمر، لو عُدنا إلى الوراء عقد ونيف، سنتذكر العديد من الأزمات والمشاكل، التي كادت تقضي على مسيرته في بداية عقد العشرينات، ولولا شجاعته وعقليته القوية وموهبته المتفجرة، لأخذت مسيرته منحى آخر بعد انقلاب الرأي العام والشارع الإنكليزي عليه، بعد تدخله السريع لتحريض الحكم لتوجيه البطاقة الحمراء في وجه وين روني في إقصائيات كأس العالم 2006، تلك الفترة التي تصدرت فيه مقولة «أنا أكره كريستيانو رونالدو» محركات البحث في المملكة المتحدة، بعد مقالة تحريضية نُشرت في موقع « Bleacher» جاءت بعنوان «لماذا يكره العالم رونالدو؟»، كان أشبه بالملخص لأسوأ ما قيل عن اللاعب المراهق آنذاك، واقتباس أشهر سقطاته أمام المصورين والصحافيين قبل التحول العظيم في مسيرته الاحترافية.
الأب الروحي الوهمي
صحيح كريستيانو لم ولن ينسى أبدا، فضل السير أليكس فيرغسون عليه، ليس فقط لأنه صاحب قرار ضمه من سبورتنغ لشبونة وهو بعمر أقل من 20 عاما، ليعيد بريق القميص رقم 7 بعد انتقال الأيقونة ديفيد بيكهام إلى ريال مدريد في عام 2003، بل أيضا لأنه كان داعمه الأول داخل غرفة خلع الملابس، خاصة في مواقف تنمر اللاعبين عليه، لضعف لغته الإنكليزية في سنواته الأولى في المملكة المتحدة، والمرة الثانية، عندما ساعده على امتصاص الغضب الجماهيري العارم بعد ردود الأفعال على تسببه في خروج الأسود الثلاثة من المونديال الألماني، بنفس طريقة احتواء بيكهام بعد طرده أمام الأرجنتين في كأس العالم فرنسا 1998، لكنه لن ينسى أبدا، أن الأب الروحي تخلى عنه في أضعف لحظاته في وطن كرة القدم، عندما اشتكى من تهاون حكام البريميرليغ مع المنافسين الذين يتعاملون معه بخشونة زائدة على الحد في المواجهات المباشرة، وآنذاك بدلا من أن يجد الدعم من الأب الروحي في عالم كرة القدم كما يحدث دائما، تفاجأ بتصريحاته المحبطة، قائلا جملته الشهيرة «نعم هو محق في حالات قليلة، لكن أغلب الحالات صحيحة»، وبعدها هدد هدافه ومن كان أفضل لاعب في العالم عام 2008، بعقوبات قاسية إذا استمرت هفواته، والإشارة كانت إلى لحظات سقوطه وفقدانه للكرة، التي كانت تكلف الفريق استقبال الأهداف، وهو ما حدث بالفعل بإجلاسه على مقاعد البدلاء والاكتفاء بمنحه دقائق قليلة في نهاية ولايته الأولى في «مسرح الأحلام» موسم 2008-2009.
صافرات..استهجان وعداء
نتذكر جميعا إنجازات كريستيانو العظيمة مع ريال مدريد، ونجاحه في قيادته للفوز بدوري الأبطال 4 مرات خلال فترة وجوده في «سانتياغو بيرنابيو» في الفترة بين عامي 2009 و2018، بخلاف باقي الألقاب الجماعية الأخرى والجوائز الفردية المرموقة، وكان ذلك في الوقت الذي كان يختم فيه كل موسم بـ50 لـ60 هدفا على أقل تقدير، لكن بمجرد ما كان يتراجع مستواه أو تنخفض حصيلة أهدافه، كان يواجه نفس مصير المقصرين وأنصاف النجوم الذين يتعرضون لأبشع أنواع الانتقادات، بإطلاق صافرات استهجان بشكل جماعي كلما لمس الكرة في قلب «سانتياغو بيرنابيو»، وحدثت ذات مرة في دربي العاصمة أمام أتلتيكو مدريد، ليرد كريستيانو بثلاثة أهداف هاتريك في غضون ربع ساعة، ورغم أنه الهداف التاريخي لريال مدريد، لم يحصل على نهاية أو وداع يليق بأمجاده وتاريخه مع النادي، كما يفعل الرئيس فلورنتينو بيريز مع الأساطير والنجوم في لحظات الوداع، فقط تم إعلان بيعه ليوفنتوس عبر الموقع الرسمي، مثل أي صفقة يقوم بها النادي في الميركاتو الصيفي، حتى في وطنه البرتغال، نادرا ما يشعر بدعم وحماية المشجعين، لدرجة أنه منتصف الطريق في بداية العقد الماضي، كان يسمع أبناء وطنه يهتفون باسم الغريم الأزلي ليونيل ميسي في مباريات المنتخب، وعادة ما يخسر في الاستفتاءات الشعبية كلما وضع في تصويت أمام الأسطورة الراحل أوزيبيو أو أسطورة القرن الجديد لويس فيغو، رغم أن رونالدو هو من وضع بلاده على خريطة كرة القدم العالمية بشكل حقيقي وليس بالشعارات وأطلال الماضي، بدوره الكبير في تتويج المنتخب بيورو 2016 ثم النسخة الأولى لدوري أمم أوروبا، ولعلنا تابعنا الهجمة الإعلامية والجماهيرية الشعواء عليه في فترة ما قبل مونديال قطر 2022، كنوع من أنواع الضغط على مدرب المنتخب سانتوس لإبعاده من التشكيل الأساسي، وهذا في حد ذاته، يفسر أسباب رفضه فكرة العودة إلى الوطن لإنهاء مسيرته الأسطورية مع نادي الطفولة، وذلك كما أشرنا أعلاه بعيدا عن راتبه السنوي الخرافي في جنة كرة القدم الجديدة في الشرق الأوسط.
الفجوة الزمنية
ربما على الورق، بدا وكأن رونالدو عثر على ما كان يبحث عنه من حب وتقدير مع يوفنتوس، بحصوله على معاملة الملوك من المشجعين، قبل أن ينتهي شهر العسل سريعا، كواحد من ضحايا فشل الفريق على المستوى القاري، وللبعض الآخر المسؤول الأول عن فشل فك عقدة السيدة العجوز مع الكأس ذات الأذنين، كون النادي وقع معه مقابل ما يزيد على 100 مليون يورو، لاستنساخ ما كان يفعله مع الميرينغي في الفترة ما بين عامي 2014 و2018 في الكأس ذات الأذنين، لينتهي به المطاف بالعودة إلى بيته القديم في الدوري الإنكليزي الممتاز، في صفقة أثارت جدلا على نطاق واسع، كون أغلب التوقعات والمؤشرات كانت ترجح سيناريو ذهابه إلى مانشستر سيتي، بعد فشل محاولة ضم هاري كاين من توتنهام، وقيل إنه تراجع في اتفاقه مع السكاي بلوز، بعد مكالمة من شيخ المدربين ومدرب الفريق وقتها أولي غونار سولشاير، كان ملخصها إذا أردت العودة إلى مانشستر، فمكانك موجود في اليونايتد، ليدخل في فجوة زمنية على مدار 18 شهرا، انتهت بحرب كلامية، بلغت ذروتها في مقابلته الشهيرة مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، التي كشف خلالها عن معاناته في ولايته الثانية مع الشياطين الحمر، وكيف لا يتعامل بالتقدير والاحترام اللازمين من قبل المدرب إيريك تين هاغ، في ما كانت أشبه بالقشة التي قصمت ظهر البعير، حيث اضطر النادي بعد هذه المقابلة بأيام قليلة لفسخ عقد قائد المنتخب البرتغالي، تزامنا مع وصوله الأراضي القطرية لقيادة بلاده في المونديال الاستثنائي، مغلقا معها تسونامي من الأزمات والمشاكل أينما حط الرحال سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، التي ورطته قبل سنوات قليلة في قضية محرجة، يعود تاريخها إلى العام 2007، عُرفت على نطاق واسع بقضية اتهامه باغتصاب عارضة أزياء في أحد فنادق لاس فيغاس.
وهذا أيضا يأخذنا إلى سبب تمنعه على العرض الأمريكي، واستقراره على ارتداء قميص «العالمي» مطلع العام الحالي، فاتحا الطريق أمام هذا الكم الهائل من النجوم ومشاهير اللعبة الذين توافدوا على الأربعة الكبار في الدوري السعودي المحترفين في الميركاتو الصيفي الأخير، وقبل أي شيء، نلاحظ استمتاعه بوقته في السعودية، ومعاملة الملوك التي يحظى بها سواء داخل المملكة أو خارجها، كما نشاهد في المدرجات الممتلئة في كل مباريات النصر في دوري روشن، والمحبة المتبادلة بينه وبين مشجعي الخصوم قبل عشاق العالمي، كما يبدو في تفاعل الآلاف معه خارج القواعد كلما سجل هدفا وأراد الاحتفال على طريقته الخاصة «Siiiiii»، أما في الرحلات الخارجية، يكفي ما شاهدناه في إيران منتصف الأسبوع الماضي، بوقوف المئات وربما الآلاف أمام المطار، كما كنا نشاهد لقطات استقبال عادل إمام والزعماء في الدول العربية في التسعينات، في انتظار وصول كريستيانو ورفاقه في الفريق العاصمي، على هامش مباراة بيرسيبوليس ضد النصر، التي انتهت بفوز الضيوف بثنائية نظيفة في دوري أبطال آسيا، ناهيك عن شعوره بصدق مشاعر البسطاء والمشجعين في منطقة الشرق الأوسط، بداية من تفاعله مع أصدقائه المسلمين في رمضان والأعياد، مرورا بالصورة التي رسمها لنفسه مع المتابعين في البث المباشر، كشخصية تميل إلى طباع ولغة العرب، منها عشرات المقاطع وهو ينطق بعض الكلمات بلغة «الضاد» عندما كان لاعبا في ريال مدريد، نهاية بوقوعه في غرام المنطقة من المحيط إلى الخليج، بعد اتساع دائرة أصدقائه المغاربة المقربين، قبل حتى أن يدشن فندق «سي آر 7» في المغرب، والآن يدون قصة الحب الكبير مع الجماهير السعودية بوجه خاص والعربية بوجه عام، بعد سنوات من المعاناة والملاحقات في أوروبا.
المصدر: القدس العربي