ما بين رمضان مضى، وآخر آت، تظل مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، مساحة “وجع دائم”، وهي التي كانت قبل سنوات قليلة ميدانا تركض على جنباته البهجة في مثل هذا الشهر. يمن مونيتور/العرب اللندنية
ما بين رمضان مضى، وآخر آت، تظل مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، مساحة “وجع دائم”، وهي التي كانت قبل سنوات قليلة ميدانا تركض على جنباته البهجة في مثل هذا الشهر.
فمن دائرة القتل والتشريد والتدمير والحصار، التي كانت عليها عدن في رمضان الفائت، أثناء سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة منها، إلى هموم ومشاكل شتى، يعاني منها سكان المدينة، قبل ساعات من حلول شهر رمضان لهذا العام، متمثلة في “ثلاثي المبكيات”: انقطاعات الكهرباء المتكررة، ونفاد الوقود، وارتفاع أسعار السلع؛ ومع هذا الثلاثي تبددت الفرحة بالشهر الفضيل.
ويقول عبدالله محمد صالح مهيم، صحافي من سكان حي صلاح الدين بمدينة البريقة، التي تتبع محافظة عدن “ما وصلت إليه أوضاع الناس في عدن، قبل دخول الشهر المبارك، من حال بائس، جراء الانقطاعات المتكررة للكهرباء، وانعدام الديزل والبترول، لا يقلل من استعدادات الناس وفرحتهم بشهر رمضان فحسب، ولكنه أمر يسيء للحكومة اليمنية، التي ظلت طوال الأشهر الماضية عاجزة عن وضع حلول ومعالجات للمشاكل المتفاقمة، حتى وصلت الأوضاع إلى ماهي عليه الآن”.
ويضيف مهيم “الوضع الكارثي الذي تشهده عدن حاليا، وباقي المحافظات القريبة منها، شواهد على عجز الجهات المعنية عن إيجاد حلول ناجعة، حيال مشكلة الكهرباء، وانعدام المشتقات النفطية، وارتفاع الأسعار، وكلها أمور ستدخل المحافظة في مأزق خطير، ما لم تسارع الجهات ذات العلاقة لحلّ المشاكل فورا، وبالذات ما يتعلق بالكهرباء والوقود وأسعار السلع، وألا تترك الباب مفتوحا لمزيد من الفوضى في أجواء لا تنقصها المشاكل”.
في مدينة إنماء السكنية بعدن، القريبة من محطة الحسوة، التي تزود عددا من محافظات البلاد بالطاقة الكهربائية، افترش كل من حسين محمد وعبدالله الجفري ومحمد زيد ورشيد الدولة، وآخرون رصيف الشارع العام جراء انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع درجات الحرارة.
ويقول رشيد الدولة (فضل الاكتفاء بذكر اسمه الأول) “الوضع الذي نعيشه هذه الأيام مؤلم جدا وغير مسبوق”.
ويتابع “حادثة وفاة 7 أشخاص في مستشفيات المدينة الاثنين الماضي جراء انقطاع التيار الكهربائي عن قسم العناية المركزة فيها، ليست إلا دليل على حالة الاستهتار واللامبالاة من قبل المسؤولين”.
بدورها وجهت ليلي الشبيبي، الناشطة الحقوقية اليمنية انتقادات لاذعة للمسؤولين قائلة “لا علاقة بما يجري حاليا من تدهور للأوضاع في عدن بأدنى اعتبارات المسؤولية والأمانة، التي من المفترض حضورهما وبقوة في مثل هذه الأوضاع الكارثية”.
وتضيف “أن يأتي رمضان ونحن في وضع أسوأ من الذي كنا عليه أيام الحرب في عدن؛ فهذه هي الكارثة بعينها”. وتستطرد “عشنا أياما صعبة ومؤلمة إبان سيطرة المتمردين الحوثيين على عدن في شهر رمضان الماضي، لكن أحدنا لم يكن يتوقع أن يأت رمضان هذا، ونحن في وضع أصعب من ذي قبل، بعد أن صارت الحياة في عدن جراء انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الوقود جحيما لا يطاق”.
وتشير الشبيبي إلى أن رمضان في عدن له طقوس خاصة، “لا تبدأ عند شراء الحاجيات الضرورية من الأطعمة والمشروبات، وانتهاء بتبادل الزيارات واللقاءات، وهي أمور دأب على فعلها الناس هنا أيام الشهر الفضيل، ولكنها تتعدى ذلك إلى الأمور الروحانية؛ المتمثلة في الصيام والقيام وقراءة القرآن وغيرها”.
وتستدرك حديثها متسائلة باستنكار “كيف يمكن القيام بذلك والإحساس بوقع تلك الأيام والليالي الجميلة في ظل الظروف المحبطة التي نعيشها، ونتقاسم تفاصيل وجعها حاليا مع أهالينا وأقاربنا؟”.
ما تقدم من منغصات شتى، لم يثن بعض الأسر من الاستعداد والفرح بقدوم الشهر الفضيل، حيث تمتلئ الأسواق بالأطفال والنساء والباعة المتجولين الذين يقدمون مختلف الأشياء المتعلقة برمضان من أوان منزلية وبهارات وحلويات ومكسرات وغيرها؛ حيث تجد الكثير من الأسر في التسوق “متنفسا”، من حالة الكبت التي تعيشها داخل منازلها، جراء الانقطاع المتواصل للكهرباء.
في سوق عدن الدولي بمدينة الشيخ عثمان، كان الزحام على أشده، ربما لوجود الهواء البارد المنبعث من التكييف (مبرد الهواء)، وهروبا من حرارة الجو اللافحة، حيث كانت أقسام الأواني المنزلية ومراكز بيع الحلويات والمكسرات تشهد إقبالا كبيرا من النسوة والأطفال.
أشجان أحمد المطري، إحدى رواد السوق، وهي من سكان مديرية دار سعد في عدن، تقول “أخذت بعض الأغراض المتعلقة بشهر رمضان، لكن الأمر المزعج لنا هو الارتفاع الجنوني للأسعار، جراء الظروف غير الملائمة التي تشهدها عدن حاليا”.
وتستطرد “كأن معاناتنا من الكهرباء وارتفاع أجرة المواصلات، غير كافية حتى يتمّ ذبح ما بقي لدينا من أمل في الحياة، من خلال أسعار البضائع التي تحولت إلى ضعف ما كانت عليه قبل شهر من الآن، وكأنهم يريدون إفساد فرحتنا برمضان”.
لكن محافظ عدن، عيدروس الزبيدي طمأن أهالي المدينة بخصوص أزمة الكهرباء ونفاد الوقود، واعدا إياهم بحلها خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأفاد بأن معالجات كثيرة سيشهدها قطاع الكهرباء قريبا، لافتا في هذا الصدد إلى جهود يبذلها الإخوة في الإمارات من أجل وضع حلول عاجلة لمشكلة الكهرباء، من خلال استقدام مولدات كهربائية إسعافية خلال الأيام القليلة القادمة؛ بحيث تتلاشى الأزمة تدريجيا مع بداية الأيام الأولى لشهر رمضان.
وأوضح أن دولة الإمارات ستتحمل كلفة المولدات الكهربائية التي ستدخل عدن قريبا.