تبدو رغبة المجتمع الدولي واضحة في إيجاد تسوية سياسية للصراع العسكري في كل من اليمن وسوريا. وتنطلق فلسفة الحل المأمول من إعلان الهدنة لكبح “الأعمال العدائية”، ثم إطلاق مفاوضات بين الأطراف المتحاربة مع تكثيف الضغوط عليها للاستمرار بالمحادثات. وفي حين لا تزال المفاوضات السورية عالقة في الأمور الشكلية، دون أن ترتقي إلى جوهر الأزمة والمتمثل بتغيير طبيعة السلطة، تبدو المفاوضات اليمنية في الكويت، وكأنها تسير قدما على هذا الصعيد. تبدو رغبة المجتمع الدولي واضحة في إيجاد تسوية سياسية للصراع العسكري في كل من اليمن وسوريا. وتنطلق فلسفة الحل المأمول من إعلان الهدنة لكبح “الأعمال العدائية”، ثم إطلاق مفاوضات بين الأطراف المتحاربة مع تكثيف الضغوط عليها للاستمرار بالمحادثات. وفي حين لا تزال المفاوضات السورية عالقة في الأمور الشكلية، دون أن ترتقي إلى جوهر الأزمة والمتمثل بتغيير طبيعة السلطة، تبدو المفاوضات اليمنية في الكويت، وكأنها تسير قدما على هذا الصعيد.
لا تظهر الأطراف اليمنية المتحاربة أي قدر من التفاؤل. بل تهيمن لغة التشاؤم وعدم الثقة والمشاحنات على خطابهم ونظرتهم إلى مستقبل المحادثات. ولا يقتصر ذلك على الخطاب فحسب، إذ تتصاعد أيضا حدة القتال رغم الهدنة المعلنة مطلع شهر أبريل الماضي. إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يشجع على الثقة بأن عجلة المحادثات، التي لا نسمع لها ضجيجا، سوف تفضي إلى اتفاق سياسي ينهي الحرب القائمة؟
ليست الرغبة الدولية في إنهاء الحرب اليمنية هي الواضحة فقط. الأهم، هي رغبة المملكة العربية السعودية، الطرف الذي لا يمكن إبرام أي تسوية دون موافقته ودعمه. أعلنت السعودية قبل أيام قليلة عن اعتراض وتدمير صاروخ باليستي، تم إطلاقه من اليمن للمرة الثانية في غضون شهر. اللافت في الأمر أن ذلك الانتهاك الخطير للهدنة لم يدفع السعودية إلى تصعيد خطابها وردودها العسكرية بما ينسف الهدنة الهشة أو يهدد جهود التسوية. لقد جاء الرد السعودي على لسان وزير الخارجية عادل الجبير متوازنا ليؤكد تفاهمات “التهدئة” ومواصلة تعزيز الجانب الإنساني وإيصال الأدوية والمساعدات الغذائية إلى المحتاجين. واعتبر الوزير السعودي أنه وعلى الرغم من الخروقات الخطيرة، فإن “علينا أن ننظر إلى الأمام وأن نركز على الوصول إلى حل سياسي”.
الأكثر دلالة على التقدم باتجاه التسوية هو الدخول صلب المواضيع العالقة على عكس ما يجري في الأزمة السورية حيث يغرق جميع الأطراف، بما فيها الدولية والإقليمية، بالتفاصيل التي تعرقل المفاوضات. في اليمن وخلال الأيام الماضية تمحورت النقاشات حول مقترح تشكيل لجنة عسكرية وأمنية تقوم بتحمل مسؤولية إنهاء الحرب وتستبدل سيطرة ميليشيات الحوثي وصالح على مؤسسات الدولة وعلى العاصمة. في جميع النزاعات، عندما يصل الأمر إلى نقاش اللجنة العسكرية، فإن ذلك يؤشر على أن طرفي الصراع باتا ناضجين تماما للتسوية بما هي اقتسام للسلطة، وبما هي تخلي كل طرف عن أقصى طموحاته.
والحال أن الخلافات تبقى شائكة في هذه المرحلة من المفاوضات إذ تتعلق بمهام اللجنة العسكرية وبالأعضاء المشكلين لها وبكيفية تشكيلها. تحاول جماعة الحوثي أن تتجنب قدر الإمكان تقديم التنازلات التي سوف تحيل طموحاتها الكبيرة التي نسجتها منذ العام 2014، قبل التدخل العسكري السعودي في اليمن، إلى حطام.
كان العام 2014 هو العام الذي كرست فيه جماعة الحوثي سيطرتها على شمال اليمن، إذ سيطرت على محافظة صعدة في البداية، وتابعت التقدم حتى وصلت إلى صنعاء عبر سلسلة طويلة من المعارك الجزئية التي أحدثت تحولا كبيرا في ميزان القوى خلال عام واحد لصالح الحوثيين.
بدا ذلك بمثابة “فرصة تاريخية” يتوجب انتهازها. إذ خاض الحوثيون قبل اندلاع الثورة اليمنية في العام 2011 معارك عديدة من موقع ضعيف مع السلطة اليمنية التي كانت متماسكة، وهو ما أضعف من موقعهم التفاوضي وانحدر بطموحاتهم.
وانطلاقا من موقع القوة الجديد الذي تشكل لجماعة الحوثي في العام 2014، كان من الضروري تمتين العلاقات مع دولة إقليمية تتبنى مشروعها في اليمن، وتقدم لها الدعم المطلوب في معاركها. ومع اختيار إيران لتكون تلك الدولة، راحت الجماعة تبتعد عن المذهب الزيدي، وتتبنى شيئا فشيئا الشيعية الجعفرية التي تتبناها إيران. ورغم أنها باتت الابنة الشرعية للنفوذ الإيراني في اليمن، لكن التدخل العسكري السعودي جاء ليكبح تنامي نفوذها ويعرقل استفادتها القصوى من الداعم الإيراني المهووس بالتوسع في المنطقة العربية.
التدخل العسكري السعودي انحدر بطموحات الحوثيين، التي كانت قد بلغت الذروة، نحو مستوى شديد الواقعية. فقبل تدخل الرياض، لم يكن في حسابات الحوثيين سوى ربح الحرب، ولم يكونوا على استعداد للإصغاء للمبعوث الدولي للأزمة اليمنية، إسماعيل ولد الشيخ، وهو يقول قبل أيام “لقد حان الوقت لتقدم أطراف الصراع الحلول بعيدا عن معادلات الربح والخسارة”.
نقلا عن العرب اللندنية