كتابات خاصة

مهلا أيتها الأرض! إنه مغربنا

عزالدين سعيد الأصبحى

لحظات لا توصف حيث تجمد الدم في العروق ومادت الأرض تحت الأقدام، ورغم بعد المسافة بين الرباط حيث كنتُ ومركز الزلزال في إقليم الحوز ضواحي مراكش، فهناك ما يزيد عن 370 كم، إلا أن تلاحم الأرض ووجعها وصل نحونا بقوة تثير الفزع.

تبعثر الأشياء فوق المنضدة وارتعاش مفاصل المبنى، كان يقول أن هناك ما يوحد الوجع في كل المغرب.

وككل البشر الذين تأخذهم المفاجأة، كنت أرى جموع الناس يهرعون إلى الشارع، قرب منتصف ليل (الجمعة/ السبت)، والأرض تميد تحت الأقدام الراكضة نحو المجهول، والصراخ يتزايد والكل يشخص بصره للسماء!

ماذا حدث ؟ ثواني الصمت مرت، ولم تمر آثار الهزة حيث تجمد الزمن وألقت الأرض أحمالها. وكانت ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا).

توالت اخبار الفاجعة ،وظهرت أرقام الألم من مراكش، وانهارت قلوب المحبين في باحة جامع الفنا، وهي ترقب ترنح منارة جامع الكتبية قلب المدينة المكتظة بالعشق والزوار، (وتسمية المسجد مشتقة من «الكتبيين» وهو اسم سوق لبيع الكتب)، وهو بالنسبة لي وجع مضاعف حيث يمكن القول أنه مسكن عشيرة الوراقين والذاكرة المتقدة بقصص العشق، إلى القرى الوديعة في محيط مراكش نحو الحوز.

لحظات لا توصف من صمت مدوي عجيب، خيم الحزن على كل المغرب الجميل، المساءات الجميلة توقف فيها كل شيء من حركة طيور اللقلق، إلى نسمة المحيط الذي سكن فجأة تعاضداً مع حزن القرى المطمورة في الجبال البعيدة.

نعم كغيره صمت المحيط في هذا المساء المكلل بالحزن، ورأينا المغرب المشع حياة من طنجة إلى الكويرة يغادرنا نحو قلب مراكش وضواحيها، يتلمس وجع الأرض الجميلة.

كانت منارة الكتبية لا تتساقط على ساحة جامع الفنا، بل يتناثر طينها على قلوبنا، الأسوار الحمراء المصنفة من قبل عشاق الجمال قبل تصنيف اليونسكو

بالمدينة القديمة تتصدع في حنايا الروح قبل أن تكون قطعا على الأرض الحمراء.

صمت الحكائين البارعين في الساحة من هول الأرض وهي تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا.

ومثل كل موقف صعب تحول المشهد الفاجع في المغرب إلى لحظة تلاحم تثير الدهشة، هذا الوجع يوحد الناس ويشد العضد من أقصى موجة في شاطئ طنجة إلى همسة الصحراء في الكويرة تجسد في طابور التبرع بالدم، وتدافع الناس لتقديم العون، وأصوات الابتهال إلى السماء.

كنت في جموع تذهب للتبرع بالدم، وتقول رغم الدمعة التي لا تغادر محجرها والغصة الباقية في القلب، أن بلد الموحدين والمرابطين سيخرج معافى، وسيحفظ الله المغرب وقلوبكم جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى