تهدف مشاورات الكويت التي مضى على انطلاقها أكثر من شهر إلى نزع فتيل الأزمة اليمنية والتوصل إلى حلول سلمية تضع كل خيارات العنف خارج المعادلة.
تهدف مشاورات الكويت التي مضى على انطلاقها أكثر من شهر إلى نزع فتيل الأزمة اليمنية والتوصل إلى حلول سلمية تضع كل خيارات العنف خارج المعادلة.
لكن ماذا عن المشاورات وما الذي حققته حتى الآن؟
قبل يومين كانت عضو الوفد الحكومي ووزير الشؤون القانونية نهال العولقي قد قالت في تصريح لها: إن الأطراف السياسية في الكويت حققت تقدما على المستوى الإنساني، أما على المستوى السياسي فلا زال الأمر متراجعا.
ما قالته العولقي كان خلاصة لشهر من المحادثات التي أعلن فيها الطرفان أكثر من مرة تعليقهم للمحادثات.. وهذا هو الحد الأعلى مما حققته لقاءات الكويت.
وإن جاز التعبير، فإن التقدم في الملف الإنساني المتمثل في الاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين قبل رمضان.. ما هو إلا حديث في الهامش لجذور المشكلة، ليس تقليلا من حجم الإنجاز أو عدم أهمية الالتفات إلى المعاناة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون ذوو الحظوظ العاثرة في كثير من منعطفات الحياة، بل لأن إطلاق المعتقلين ليس إلا خطوة واحدة في اتجاه ردم آلام الماضي، ولا تعني السير باتجاه المستقبل الآمن.
أي مستقبل يمكن أن يكون لليمنيين حين تُعاد الأسلحة إلى مخازنها استعدادا لجولة قادمة من الحرب قد تكون أكثر شراسة وأكثر كلفة.
السير إلى السلام يقتضي الأخذ بمعايير محددة وواضحة.. عندما انتهت الحرب العالمية الأولى بتركيع ألمانيا وفُرضت عليها اتفاقيات مجحفة، قال المشير الألماني فيرديناند فوش: هذا ليس سلاما، إنها هدنة لعشرين عاما.. وكان ما قاله صحيحا غير أنه أخطأ في 65 يوما فقط.. فبعد عشرين عاما و65 يوما قرعت الحرب العالمية الثانية أجراس الطلقة الأولى.
ومشاورات الكويت لا تقول إذا تمت بهذا الشكل الحالي غير ذلك.. إن الهدنة التالية سوف تنتهي خلال أشهر، وإن مراكب الجيوش العسكرية لن ترسو طويلا في ميناء السلام.
وللتذكير فإن الحصانة الممنوحة لصالح كانت كفيلة بالعبور إلى حروب جديدة امتدت من شمال الشمال وحتى الجنوب.. وإن إنجاز مشاورات الكويت دون ركيزتين أساسيتين، هما تسليم سلاح المليشيا، وإقرار مبدأ العدالة الانتقالية هي تجريف خارج النص.
هي مدة قصيرة فقط لتغذية المقاتلين بالسلاح والكراهية وإمداد الحروب بكل ما تحتاجه من وقود.. فبالنظر إلى حجم الانتهاكات التي وقعت منذ سيطرة المليشيا على صنعاء يدرك المراقب ضرورة إقامة مبدأ العدالة الانتقالية وبرعاية المجتمع الدولي أيضاً.
جدير بالذكر أن الحديث عن حل سياسي مع جماعة فاشية لا تؤمن بالمبادئ المدنية سيكون له عواقب وخيمة.. يكفي التذكير بأن عاما ونصف من الإمساك بالسلطة انتهك فيها الحوثيون من الحقوق والحريات ما لم يحدث خلال عقود.
عن أي مستقبل يمكن أن نحدث به الشميري، الرجل الذي فقد زوجته وسبعة من أبنائه في ليلة سوداء، وقرر أن يحفر بذاته الصلبة مكانا له في الخالدين، إن لم يشعر أن دماء أبنائه ستكون ضامنا لعدم انتهاكات جديدة في المستقبل.
ستنجز غرف المشاورات خيانة لأبناء الشعب إن زفت لهم مجددا أن الجلاد والضحية سينعمان سويا بليال هادئة.. وأن كل صفحة بيضاء سيفتحها الشعب دون عدالة انتقالية سرعان ما “سيُراق على جوانبها الدم”.