د.عبد العزيز العويشق يكتب.. كيف يمكن وقف حلقة العنف والبؤس المفرغة في اليمن؟
د.عبد العزيز العويشق
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
قدمت زيارة اليمن الأسبوع الماضي تذكيرا صارخا بالتقلب الشديد للهدنة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين. في حين تم الحفاظ على الهدنة بشكل غير رسمي منذ أبريل/نيسان 2022، إلا أنها على أرض هشة، حيث فشل الجانب الحوثي حتى الآن في الوفاء بالالتزامات التي قطعها للأمم المتحدة العام الماضي. فالعنف يتصاعد دون أي تحرك ملموس نحو وقف رسمي لإطلاق النار أو حل سياسي، في حين أن الاقتصاد ينهار والأزمة الإنسانية تتفاقم.
ولم تُترجم الهدنة غير الرسمية إلى وقف رسمي لإطلاق النار، ناهيك عن اتفاق سلام، ومع عدم وجود إشارة إلى أن الحوثيين سيجلسون على طاولة المفاوضات في أي وقت قريب. أوفت الحكومة اليمنية بالوعود التي قطعتها في بداية الهدنة بفتح مطار صنعاء أمام الرحلات الدولية المباشرة وزيادة تدفق البضائع، بما في ذلك الوقود، عبر ميناء الحديدة. ومع ذلك، فشل الحوثيون في الوفاء بالتزاماتهم. كما دخل حصار الحوثيين لتعز الآن عامه التاسع دون أن تلوح له نهاية في الأفق، في حين يواصل المتمردون زيادة الضغط العسكري على المحافظات الأخرى.
لقد تبددت الآمال السابقة في أن يؤدي التقدم الدبلوماسي السعودي الإيراني إلى تحرك إيجابي في اليمن حتى الآن- وفقًا لليمنيين الذين التقيت بهم خلال هذه الزيارة- حيث صعد الحوثيون هجماتهم على عدة جبهات في الأسابيع الأخيرة. وفي الإحاطة التي قدمها في يوليو/تموز أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قال المبعوث الخاص هانس غروندبرغ إنه على الرغم من أن القتال العام قد انخفض منذ بداية الهدنة، إلا أن الخطوط الأمامية ليست صامتة. ووقعت اشتباكات مسلحة في محافظات الضالع وتعز والحديدة ومأرب وشبوة. وأعرب عن خشيته من أن “تؤدي شرارات العنف المستمرة هذه- إلى جانب التهديدات العامة بالعودة إلى القتال على نطاق واسع- إلى زيادة المخاوف والتوترات”.
منذ إحاطة غروندبرغ في يوليو/تموز، نفذ الحوثيون المزيد من الهجمات ضد عدة مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة. في الأسابيع القليلة الماضية، هاجم الحوثيون مرة أخرى محافظات مأرب ولحج والضالع وتعز، مستهدفين المدنيين والمنازل ومخيمات النازحين داخليًا، بما في ذلك ثلاث هجمات صاروخية متزامنة على مثل هذه المخيمات في مأرب في 30 أغسطس/آب. كما استأنف قناصة الحوثيين هجماتهم على طول خطوط فض الاشتباك.
يعد الحصار واسع النطاق الذي يخنق تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية، أحد أكثر المخاوف الإنسانية إلحاحًا بالنسبة للحكومة اليمنية ووكالات الإغاثة. وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مؤخراً أن 3 ملايين من السكان هناك يعانون من نقص الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، في حين أنهم في خطر دائم من التعرض للقتل أو الإصابة جراء القصف ونيران القناصة. ووصف الحصار بأنه “شكل من أشكال العقاب الجماعي ضد المدنيين والذي قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب” بموجب القانون الدولي.
وبدلاً من تنفيذ جانبهم من صفقة الهدنة، صعد الحوثيون من مطالبهم واستخدموا القوة للضغط على الحكومة لدفع رواتب الموظفين العموميين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. كما طالبوا بحصة من عائدات النفط التي تجمعها الحكومة، دون تقاسم الإيرادات التي يجمعونها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ولا يقدم الحوثيون معلومات عن الرسوم المختلفة التي يجمعونها، بما في ذلك الضرائب الشخصية وضرائب الشركات والجمارك ورسوم الموانئ والرسوم الإضافية على المرافق العامة وشركات الاتصالات. وعرضت الحكومة تجميع الإيرادات وتحويلها إلى البنك المركزي، وهو ما رفضه الحوثيون حتى الآن.
ولإجبار الحكومة على تنفيذ مطالبهم، قصف الحوثيون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة، بما في ذلك محطات تصدير النفط، مما أدى إلى إغلاق قدرات تصدير النفط. وبدون عائدات النفط، لم تتمكن الحكومة من موازنة دفاتر حساباتها. ولولا التمويل الطارئ الذي أعلنت عنه السعودية الشهر الماضي بقيمة 1.2 مليار دولار، لما تمكنت الحكومة من الوفاء بالتزاماتها الأساسية. وهذا بالطبع مؤقت ولا يمكن أن يستمر على المدى الطويل، مما يحتم استئناف صادرات النفط.
كما كان هناك نقص حاد في الوقود نتيجة قصف الحوثيين، مما دفع المملكة العربية السعودية إلى إرسال إمدادات الوقود الطارئة إلى محطات الطاقة لإبقاء المنازل مضاءة وتشغيل المستشفيات والمدارس.
وأدى انخفاض قدرة الحكومة إلى الحد من قدرتها على تزويد اليمنيين بالضروريات الأساسية. حيث يواجه ملايين اليمنيين أزمة إنسانية متزايدة، وخاصة المجتمعات الضعيفة مثل النازحين داخلياً، الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن 2 مليون في مأرب وحدها. وقد تفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب تخفيض المساعدات الدولية، بما في ذلك من قبل برنامج الغذاء العالمي.
لقد وصلت التنمية الاقتصادية إلى طريق مسدود تقريبًا. لقد تقلصت قدرة الحكومة على تمويل مشاريع التنمية بشكل كبير، كما أدى عدم إحراز تقدم نحو حل سياسي إلى تثبيط العديد من المانحين، الذين قرروا الانتظار حتى انتهاء الصراع بدلاً من مواصلة المساعدات الإنمائية في مواجهة الشكوك السياسية والأمنية. معظم المانحين التقليديين لليمن إما جمدوا مساعداتهم الإنمائية أو خفضوها بشكل كبير، وركزوا بدلا من ذلك على الإغاثة الفورية أو تحويل المساعدات إلى أجزاء أخرى من العالم، وهو أمر يشعر الكثير من اليمنيين بالمرارة بشأنه.
يبدو أن الحوثيين يستخدمون بسخرية الضغط العسكري على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والأزمة الإنسانية المتفاقمة لإجبار الحكومة والمجتمع الدولي على الرضوخ.
خلال زيارة الأسبوع الماضي، أعرب عدد قليل جدًا عن أملهم في أن يتحسن الوضع في أي وقت قريب دون ممارسة ضغوط لإجبار الحوثيين على التهدئة والوفاء بالتزاماتهم والتحرك نحو تسوية تفاوضية.
يعتمد اليمنيون على الأمم المتحدة للتحرك بشكل أسرع على المسار السياسي، لكنهم يعتمدون على الجهات المانحة، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، لمساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة. إن انخفاض المساعدات الدولية يأتي في الوقت الخطأ تماماً.
سيحتاج التحرك نحو السلام في اليمن إلى بذل جهود متضافرة على أربع جبهات على الأقل. أولاً، يتعين على الأمم المتحدة أن تتقدم بسرعة على المسار السياسي وألا تتورط في مطالب الحوثيين المتزايدة. ثانياً، يحتاج اليمن وشركاؤه إلى إيجاد طريقة لاستئناف صادرات النفط للمساعدة في سد فجوة التمويل الحكومية. ثالثاً، يتعين على المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن تكثف جهودها للمساعدة في الإصلاح وتعزيز الموارد المالية الحكومية. رابعاً، تحتاج وكالات الإغاثة إلى زيادة المساعدات المقدمة إلى اليمن لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة بسرعة من المحتاجين.
ولكن لتحقيق هذه الأهداف، يحتاج اليمن إلى الوحدة داخل الفصائل الحكومية والتنسيق الوثيق بين المانحين والأصدقاء. وبدون هذه الوحدة والتنسيق، سيستمر المتمردون الحوثيون في عرقلة أي تحرك نحو حل فعال لمعاناة اليمن.
*الدكتور عبد العزيز العويشق هو الأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والتفاوض.
*نشر المقال أولا في صحيفة “عرب نيوز“.