قد يصبح التهجير القسري على نطاق واسع في اليمن، هو النجاح الوحيد الذي يحققه الرئيس عبد ربه منصور هادي في فترة توليه رئاسة هذا البلد الذي أخذ يتشظى على نحو غير مسبوق.. قد يصبح التهجير القسري على نطاق واسع في اليمن، هو النجاح الوحيد الذي يحققه الرئيس عبد ربه منصور هادي في فترة توليه رئاسة هذا البلد الذي أخذ يتشظى على نحو غير مسبوق..
إنه النجاح الذي يستحقه هادي لقاء حزمة من الحلول السهلة التي أخذ يعالج بها القضية الجنوبية كما عالج بها قضية صعدة، بتهجير السلفليين منها في الأمس القريب.
فالرجل الذي أطال حلفاؤه الإقليميين أمد الحرب في بلده، -(دفاعا عن شرعيته كرئيس منقلب عليه )- يواصل اليوم لعبة الأخطاء القاتلة كحلول مفعمة بأوهام النجاح..
إنها الأخطاء التي لم تنعش بقدر ما أنعشت العصبيات المناطقية والشطرية التي قد تنقلب عليه في عدن، كما انقلبت عليه في صنعاء.
أخذ هادي يدير محرك أخطائه القاتلة بتمريره وتنفيذه للصفقة الأمريكية الإيرانية، _وقيل السعودية_ التي هُجر السلفيين من دماج في صعدة وفقا لها، قبل أكثر من عامين..
يومها تم تهجير السلفيين من دماج وتشريدهم دون أن يكون لهم وجهة محددة يتجهون إليها، بدا حالهم كما لو كانوا مهمشين عرقيا لا يحق لهم البقاء في صعده، بمجرد أن سادها مذهب آخر تسوده سلالة عرقية لا تقبل التعايش معهم..
اليوم يهجر الشماليين من عدن والمحافظات الجنوبية بصورة مهينة ومذلة، وهو عمل بدا مدروسا وممنهجا، تنفذه قوى الحراك الجنوبي التي إنخرطت بما يعرف بالحملات الأمنية للتهجير بعد أن كان الرئيس هادي قد استوعب القادة البارزين لهذه المجموعات، في أعلى مواقع السلطة المحلية لعدن ولحج والضالع ونوعاً ما، حضرموت.
مؤخراً، أصدر هادي توجيهات لمحافظي عدن ولحج والضالع تقضي بوقف عمليات الترحيل، بعد أن كانت قيادة عدن نفسها قد أصدرت بياناً استهلته بعبارة “تجاوبا مع توجيهات الرئيس هادي”!
على أن عمليات الترحيل القسري واصلت عملياتها وانتهاكاتها بعد ذلك البيان الذي فجرته الحملة الإعلامية المناوئة لحملات الترحيل تلك..
هادي الجنوبي
لا يملك هادي كما لا تملك حكومته مجسات يمكنه الإعتماد عليها في سبر أغوار ما يجري على الأرض، فهو على الأرجح يكتفي بالتقارير الشفاهية أو المكتوبة التي ترفع إليه من السلطات التي كان قد عينها من قبله..
فبخصوص حملات الترحيل كتب هادي منشوراً له على صفحته على (فيسبوك) بدا فيه مستسلما لتبريرات محافظ عدن عيدروس الزبيدي ومدير أمن عدن شلال شايع.
والحقيقة أن هادي الذي في الرياض صارت معظم طواقمه جنوبية، لذا فإنه في الشأن الذي يكون فيه الضحية مواطنين شماليين يصعب عليه الحصول على المعلومة التي تصدمه بالحقيقة المرة لما يجري في المناطق المحررة مثل عدن ولحج والضالع.
كان على هادي أن يعدل موقفه قليلا بفعل قوة الحملة الإعلامية المناوئة لحملات التهجير القسري، وهي حملة انخرط فيها ناشطون يمنيون وعرب وأثارت انتباه بعض وكالات الإعلام الدولية والمنظمات الحقوقية الدولية، والتي من المؤكد بأنها ستصدر تقارير تقيم من خلالها ماجرى، بعد أن توفر لها من المعلومات الأولية ما جعلها توصف حملات الترحيل ضمن جرائم الكراهية والتميز العنصري..
لقد طالت حملات الترحيل القسري عمالآ وموظفين شماليين (اغلبهم من تعز) على نحو تسرب معه مواد فلمية وصور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية تعكس سلوك وتصرفات الحملة الأمنية التي توغلت في أحياء عدن إلى أن طالت، لبنات التكوين الإجتماعي الأساسي لعدن، في أيامها الأولى.
هادي الشمالي
لا أحد يعلم علم اليقين، ما الذي كان ينتاب الرئيس هادي حين استسلم لصفقة ترحيل السلفيين من دماج؟.. فيما ظل سلفه علي عبد الله صالح، محافظاً على بقاء السلفليين في دماج، طيلة الفترة التي قضاها رئيساً للبلاد، والأخير هو الذي تحالف معه الحوثيون ضد هادي في نهاية المطاف.
لم يسبق أن شكل سلفيو دماج خطورة ما على الدولة والمجتمع، بل وعلى العكس من ذلك، كانوا قد تعايشوا بسلام مع المجتمعات المحلية في دماج وصعدة على مدى ثلاثة عقود مضت.
الأحداث اللاحقة لإخراج الآلاف منهم من دماج حاملين كتبهم وأمتعتهم خلف شيخهم الحجوري، دونما وجهة محددة لهم، كانت هي الأحداث التي تصدرها الحوثيون بتقدمهم السريع لإقتحام المناطق التي استعصت عليهم من قبل.
المريب هو قيام الرئيس عبد ربه منصور هادي ووزير دفاعه السابق بتلك الزيارة التي بدت احتفائية إلى محافظة عمران بعد أيام قليلة من سقوطها كليا بيد الحوثيين ومقتل اللواء حميد القشيبي وهزيمة قواته..
كيف يمكن تبرير هذا ما لم يكن سباقاً محموماً بينه وسلفه صالح للتحالف مع الحوثيين وإزاحة كل منهما للآخر إلى جانب المنافسين الآخرين..
نفسه السباق يجري اليوم بين الرئيس هادي والرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض لكسب تأييد الحراك الجنوبي الموالي للأخير أكثر..
علي سالم البيض كما على عبد الله صالح يتمتعان بعلاقات متميزة مع إيران، وكذلك الرئيس الجنوبي السابق على ناصر محمد، بل أن الكثير من قادة الحراك بمن فيهم أولئك المعينين من هادي في قيادة عدن ولحج سافروا إلى إيران أكثر من مرة؟.. ويمكن للتحالف ولا سيما السعودية اكتشاف ذلك دون عناء.
سيبقى في الرياض!
لقد كان على الرئيس هادي أن ينزع عن الحوثيين مسمار تعايشهم الوجوبي مع الآخر المختلف، فإلى أي مدى فعل هذا جنوبا؟
إن إعلانا دستوريا قد يخرج من عدن تتويجا لإنقلاب كامل على شرعية هادي تماما كما فعل الحوثيون بإعلانهم الدستوري الذي اطلقوه من دار الرئاسة بصنعاء.
إنه لأمر ممكن حدوثه في حين لا زالت قدرة “هادي” في السيطرة على الجنوب محدودة قياسا بقوة السيطرة التي يتمتع التي يتمتع بها الرئيس الجنوبي السابق على سالم البيض..
كان علي سالم البيض قد قدم نفسه وحدويا حد النخاع عندما قوبل بتأييد شعبي كبير في الشمال، ثم صار علي عبد الله صالح وحدويا كبيرا عندما سيطر تماما على الجنوب.
وعندما فقد الأخير قدرته للسيطرة على الجنوب كليا تحول إلى الشطري الذي تستميت قواته والمليشيات المتحالفة معها في الصمود على الحدود الشطرية للشمال.
في الشمال وخصوصا في تعز ومأرب يتمتع الرئيس هادي بتأييد حقيقي هو الذي يقاتل من أجله كرئيس شرعي لليمن الواحد، فيما قاتل الجنوبيون ويقاتلون من أجل جنوبهم الذي لم يتصالح مع هادي يوما..
وحتى الإجراءات الأمنية التي جرت مؤخرا في عدن لم يكن بطلها هادي ولا هو عريسها المنتظر، بل كانت الإمارات العربية المتحدة التي غذت آمال عريضة للإستقلال هناك.
تمسك هادي الظاهري بالوحدة يمنحه مساحة ولو هامشية في المزاج الشمالي المتوجس من التشطير والخذلان وخصوصا في تعز ، لكن عمليات الترحيل القسري التي طالت وتطال شماليين أغلبهم من تعز ، تقلص هذه المساحة.
يدرك هادي بأنه سيخسر الكثير من وزنه الوطني وحضوته الإقليمية تبعا لما ستسفر عنه مفاوضات الكويت حتى وإن قبل الحوثي وصالح بتنفيذ القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن تحت البند السابع..
وما يحبطه أكثر هو أن العالم يتعامل مع الحوثي وصالح كطرف مهزوم في الحرب، وفي الوقت عينه لا يتعامل مع شرعيته كطرف منتصر.
ثمة أغنية فولكلورية إمريكية تقول: “بسبب مسمار سقطت حدوة حصان.. وبسبب حدوة تعثر حصان.. وبسبب حصان، سقط فارس.. وبسبب فارس، خُسرت معركة.. وبسبب معركة فُقـِدت مملكة”!
في العلم، كما في الحياة، الحوادث المتسلسلة تصل إلى نقطة حرجة بحيث يتضخم بعدها أثر الأشياء الصغيرة.
والأوهام تصبح كوارث..