«أحسن فريق» في التجربة اليمنية مع الحرب: الرياضة في مواجهة الخذلان
يمن مونيتور/القدس العربي
من أبرز ما كتبته سنوات الحرب في اليمن، هي قصة «أحسن فريق» الذي التجأ للرياضة كوسيلة من وسائل الدفاع عن الجسم والعقل والنفس والحياة العامة في مواجهة ضغوط وتداعيات الحرب في مقدمتها تردي الحياة المعيشية؛ فانطلق بالفكرة قلة من الرجال كانوا يتجمعون عقب صلاة الفجر في ساحة حديقة الثورة شمال العاصمة؛ ليمارسوا تمارين سويدية وغيرها، في تحدٍ للقصف ودون خوف من سلطات الأمن، وإذا بالتجربة الجديدة على مدينة صنعاء تجذب إليها أعدادا كبيرة، وتصبح ظاهرة تتجاوز العاصمة لمحافظات أخرى.
خلال خمس سنوات، تمددت التجربة لتشمل 14 ساحة بصنعاء بذات الاسم، يخرج إليها العشرات يوميًا للالتئام في نشاط رياضي عام؛ وهو نشاط تحول إلى تظاهرة اجتماعية وثقافية يومية؛ باعتباره ملتقى للتعرف على أحوال أعضاء الفريق وتبادل الخبرات، والتوعية بأهمية الرياضة في الدفاع عن الصحة، في مرحلة تتكالب فيها الأمراض على اليمنيين، ومعظمهم عاجزون من تحمل تكاليف العلاج.
يقول أحد أعضاء الفريق (العضوية هنا لا تتطلب سوى الحضور بملابس رياضية أو غيرها للانتظام في التمارين مجانًا) إن ما قدمه «أحسن فريق» لثقافة المجتمع في علاقته بالرياضة تتجاوز ما قدمته وزارة الرياضة خلال أكثر من خمسة عقود؛ إذ كيف تنجح في الترويج للرياضة في مجتمع يعيش حربًا وانقطاع مرتبات وأوضاعًا اقتصادية صعبة للغاية؟ لكن تلك مهمة نجح فيها مؤسسو هذه التجربة، حد قوله.
نجاح التجربة جعلها تتجاوز صنعاء إلى محافظات أخرى كمحافظة حجة /شمال، والتي تشكل فيها ثلاث فرق تحمل ذات الاسم، وتعمل وفق برامجه، وهناك فرق أخرى قيد التشكل في مدينتي الحديدة ومناخة /غرب، وفق الصحافي والكاتب عبدالله الصعفاني، الذي يعد من أبرز المساهمين في تعزيز حضور التجربة من خلال تواصل النشر والتوعية بيومياتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهنا يؤكد أن تجربة الفريق قابلة للتمدد على مستوى اليمن كله.
يقول الصعفاني لـ« القدس العربي»: بدأت فكرة «أحس فريق» بعدد محدود جدا، وكان في مقدمتهم ناجي أو حاتم وعيدالله القيداني. كانت هذه البداية قبل نحو خمس سنوات، عندما بدأنا كانت الحرب في أوجها؛ ونتيجة لذلك توقفت كثير من المرافق الرياضية، وكنا بحاجة ماسة لممارسة الرياضة كأحد وسائل الدفاع عن النفس أو بمعنى أصح الإحساس بقيمة الحياة أمام ضغوط الحرب وأخبار الموت؛ وكانت البداية بعدد قليل، لكن سرعان ما كان ينظم جدد حتى صار عددنا حاليًا كبيرًا. أقصد بذلك الذين يمارسون الرياضة في حديقة الثورة شمال صنعاء».
ويضيف: «لقد تشكلت فرق أخرى من ذات الفريق على امتداد العاصمة صنعاء، التي صارت تشهد في صباحها المبكر من كل يوم أنشطة رياضة يمارسها عدد كبير جدا بدافع ذاتي، يقف خلفه رغبة في الحفاظ على الصحة، والتخفف من الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب، واستعادة الثقة بالعقل والجسم باعتبارهما وسيلتك الأولى لمواجهة تداعيات الحرب على حياتك، وبالتالي كانت الرياضة حاجة ملحة في مواجهة ما تفرضه السياسة أيضا».
المشاركون في هذه البرامج ينتمون لمراحل عمرية مختلفة؛ ففيهم كبار السن والشباب وغيرهم، بل تجد في الفريق الجد والابن والحفيد في صورة لافتة؛ إذ أن جميعهم يمارسون الرياضة، ويحرصون عليها بشكل يومي، كما ينتمون لمهن عديدة فمنهم الطبيب والمهندس والصحافي والمحاضر الجامعي وغيرهم ..»والجميل- الحديث للصعفاني- أنهم يمارسون الرياضة بدون أي صفات، ويتعاملون مع بعضهم بمحبة ، لدرجة تجدهم يزورون من انقطع لسبب مرضي ضمن أنشطة تعزز قيم التعاون والتكافل، بل اللافت أن الحضور لبرنامج الرياضة صار ضمن اهتمامات أعضاء الفريق بحثا عن المتعة والصحة والأجواء الجميلة التي تتشكل خلال لقاءاتنا؛ ولهذا لا تنقطع هذه اليوميات حتى في الأعياد؛ إذ نلتقي يوم العيد لنمارس الرياضة؛ ومن ثم نقيم صلاة وخطبتي العيد في الساحة».
لكل عضو في هذا الفريق قصته مع المشاركة والنجاح الذي حققه في حماية صحته وسلامة عقله واستقرار نفسيته، كقصة مُحمّد، الذي وجد في الانضمام لهذا الفريق وسيلة للتعافي؛ إذ استطاع من خلالها تجاوز آثار الجلطة الدماغية على أطرافه، واستطاع العودة للمشي بشكل طبيعي، بل إنه أوقف علاج ضغط الدم بعد استقرار حالته بإرشاد من الطبيب.
يقول الصعفاني: «تبدأ التمارين بعد صلاة فجر كل يوم، لا يمنع انتظام التمارين اليومي أي مانع، إذ نستمر في اللقاء وأداء التمارين يوميًا حتى في رمضان والأعياد، يعني 365 يومًا رياضة في العام».
التقت «القدس العربي» عددًا من المشاركين في برنامج «أحسن فريق» وجميعهم أبدوا رضا وسعادة بهذا الانضمام؛ كأنهم أرادوا القول إنهم وجدوا ضالتهم في هذا الفريق.
نجم الدين الرفاعي، مستشار في مؤسسة الاتصالات الحكومية، من المنظَميّن لإحدى مجموعات الفريق بصنعاء، يقول عن تجربته: «كان المحفز لي للانضمام للفريق هو جاري الذي كان مصابا بالسكر، واخضع نفسه لبرنامج غذائي لعدة أشهر مصحوبًا بالرياضة الصباحية ضمن الفريق من بعد صلاة الفجر حتى الساعة السابعة، ولاحظت التغيرات الكبيرة على صحته، وحين شاركت لأول مرة، وجدت الغالبية من ذوي الأعمار فوق الأربعين، وهناك مَن هو أصغر منهم أيضًا، لكني وجدت أن الجميع ممتلئين بالحيوية والنشاط والتفاؤل والحماس، ويقدمون صورة جميلة عن المجتمع في وقت نحن أحوج ما نكون للأمل وللمبادرات التي تكسر رتابة حياتنا».
وأضاف لـ«القدس العربي»: «وجدت التجربة جميلة؛ ولهذا استمريت فيها حفاظا على صحتي. وكنت أنشر صباح كل يوم على صفحتي في فيسبوك نشاطات يوميه لتحفيز الباقين؛ واللافت أن الأعداد تزداد في إطار كل فريق مع تزايد عدد الفرق؛ إذ صار هناك أحسن فريق في النادي الأهلي ونادي الوحدة وحي النهضة وغيرها بالإضافة إلى تشكله في محافظات أخرى».
علاوة على كونها خط الدفاع الأول عن الصحة تبقى الرياضة من أبرز وسائل اليمنيين لمواجهة أفق السياسة (المسدود) وتداعيات الحرب العبثية، وتحقيق نسبة معقولة من الاستقرار النفسي في مواجهة تداعيات الحياة المعيشية، لاسيما في ظل ما توفره الرياضة من تصالح مع الذات وتوازن داخلي تتعزز معها القوة في مواجهة قسوة الظروف تحت نير الصراع المستعر هناك منذ أكثر من ثماني سنوات، وكأن لسان حالهم يقول: لقد خذلنا الجميع، ولا نريد أن تخذلنا الصحة!