اليمن: الاتجار بالديون
كما هو اليمن بلد غارق في الديون الداخلية والخارجية؛ يبدو قطاع واسع من أبنائه غارقين، أيضاً، في الديون للبنوك، والمؤسسات المصرفية في البلاد. شباب كثر يجدون أنفسهم منذ وقت مبكر مجبرين على تحمل هموم ومهام كبيرة؛ فتظل ورقة اللجوء إلى أخذ القروض البنكية واحدة من الحلول المؤقتة، في حين تتحول إلى ورقة شر تلاحقهم في ما بعد.
يمن مونيتور/ صنعاء/ متابعات:
كما هو اليمن بلد غارق في الديون الداخلية والخارجية؛ يبدو قطاع واسع من أبنائه غارقين، أيضاً، في الديون للبنوك، والمؤسسات المصرفية في البلاد. شباب كثر يجدون أنفسهم منذ وقت مبكر مجبرين على تحمل هموم ومهام كبيرة؛ فتظل ورقة اللجوء إلى أخذ القروض البنكية واحدة من الحلول المؤقتة، في حين تتحول إلى ورقة شر تلاحقهم في ما بعد.
وقت قصير فقط يمر على أخذ الشاب القرض البنكي، حتى يتحول إلى عبء كبير؛ إذ يلجأ الشباب إلى القروض ابتداءً من فترة الجامعة، ثم الزواج، فشراء سيارة أو بيت.
عبد الكريم العباسي، وهو موظف حكومي، يقول إن راتبه لم يغطِّ نفقاته الشهرية؛ لهذا سعى إلى الاقتراض من أحد البنوك، بهدف شراء سيارة أجرة. لكن المشكلة أن السيارة التي كان يفترض أن يشتريها بمليوني ريال؛ اشتراها له البنك وباعها له بـ بمليوني و600 ألف ريال؛ حيث إن البنك يخصم من راتبه النصف.
يقول العباسي في حديث إلى “جيل العربي الجديد”: “تتحوّل الأقساط إلى عبء؛ لأن بعض البنوك يمنح قروضاً بمبالغ تتجاوز نصف الراتب الشهري، وهنا تصبح القروض كارثة على الأسرة والموظف، مع أنه من المفترض ألا يتجاوز إجمالي القسط الشهري ثلث الراتب، حتى يتمكن الموظف من الموازنة بين الالتزامات الشهرية والأقساط البنكية، وظروفه الحياتية”.
عرف اليمن المؤسسات البنكية المقرضة في وقت مبكر من عمر الثورة اليمنية عام 1962، إلا أن إصدار الأنظمة والقوانين واللوائح المنظمة لعمل تلك المؤسسات جاء متأخراً؛ وفي الوقت نفسه ليس هناك أي قوانين رسمية مفروضة ومحددة، والمؤسسات البنكية تمارس أنشطتها بموجب قوانينها الخاصة.
كثيرة هي البنوك التي تمنح الشباب القروض في اليمن؛ منها: بنك التسليف التعاوني الزراعي؛ وبنك الأمل للإقراض الأصغر؛ والبنك الصناعي اليمني، والبنك الاسلامي اليمني؛ ولكل بنك سياسته في منح القرض وفي طريقة الربح والكسب.
يقول محمد عبد الله لـملحق “جيل العربي الجديد” القطرية: “في “بنك التسليف التعاوني الزراعي” تصل فوائد قرض بقيمة 300 ألف ريال يمني إلى 75 ألف ريال، ناهيك عن 20 ألفا تدفع كـ “رشوة”؛ أي يذهب 100 ألف ريال فوائد ورشى ولا يتبقى من القرض إلا 200 ألف. فهل هذا تمويل وقرض؟ أم ابتزاز ونهب وتجفيف لمدخرات الشباب؟”.
يقول الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي في حديث إلى “جيل العربي الجديد”: “البنوك هي وحدها المستفيدة من إقراض الشباب، من خلال نسبة الأرباح الكبيرة التي تفرض عليهم. إلى جانب أن البنوك تجبر الشباب على توجيه مدخراتهم المتواضعة إلى البنوك لفتح حسابات جارية”.
وفي تعليقه على دور الدولة، يقول: “عبر التدقيق في تمويلات وقروض الشباب، نجد أن سلطات اليمن المتعاقبة تتحدث كثيراً عن هذا الجانب، ومنح تسهيلات.. وعلى ارض الواقع، تصبح كامل تلك الأحاديث مجرد زيف”.
الموظفون الحكوميون الشباب في اليمن، عادة ما يتورّطون في القروض البنكية، بحكم ضعف الراتب وعدم تغطيته للنفقات الشهرية؛ فالقروض تمتد لتشمل شراء تلفزيونات وأجهزة منزلية وألواح طاقات شمسية.
يقول الشاب أحمد علي: “أنا وكثير من زملائي كنا نأخذ أدوات منزلية عبر البنوك بالتقسيط؛ لكننا اكتشفنا أن المنتجات المباعة ليست ذات جودة عالية. إلى جانب ذلك، نلاحظ أن هناك تلاعباً في طريقة تسديد الأقساط، مع ارتفاع نسبة الأرباح”.
بدأت البنوك اليمنية، في الفترة الأخيرة، باستهداف الشركات الخاصة الكبيرة والمتوسطة؛ حيث تجذب إليها موظفي الشركات، وتفتح لهم حسابات بنكية، ومن ثم تبدأ بتقديم القروض والعروض للشباب.
يقول هاني عبد الحكيم، موظف في شركة خاصة، إن الشركات الخاصة في اليمن تشجع الموظفين لديها على نيل القروض من البنوك؛ لأن ذلك سيضمن لها بقاء الموظف لديها، بل يضمن للشركة إخضاع موظفيها لشروطها وعدم تفكيرهم بترك العمل والذهاب إلى جهة أخرى.
ياسين الحمادي، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، يقول في حديثه لـ “جيل العربي الجديد”: “يترتب على القرض أيا كان هدفه، استهلاكاً أو إنتاجاً؛ أعباء مالية على المقترض تحت مسميات مختلفة، مثل فائدة، رسوم خدمة، أرباح.. وفي ظل العلاقة غير المتكافئة بين المقرض – البنك، والمقترض – المستهلك؛ وعدم وجود حماية قانونية للمقترض، فإن شروط الاقتراض عادة ما تكون مجحفة بحق المقترض. وفي حالة عدم سداد القسط من القرض، تضيف البنوك سعر الفائدة المركب؛ أي يصبح ربح البنك مضاعفاً”.
يضيف حمادي: “القروض البنكية في اليمن يمكن تلخيصها بكلمتين: الاتجار بالديون؛ فهي أصبحت تجارة واستغلالا للمستهلك، تؤثر على الشباب من كل النواحي؛ خصوصاً في ظل غياب الدور الرقابي على البنوك من قبل البنك المركزي اليمني، إلى جانب عدم الالتزام بتطبيق القانون”.