أخبار محليةاخترنا لكماقتصادالأخبار الرئيسيةتقارير

الحوثيون وركود سوق العقارات.. تأثُّر اقتصادي أم تضييق متعمد وغسيل أموال؟ (تحقيق خاص)

يمن مونيتور/وحدة التحقيقات/ من عبد الله نصر

تواجه سوق العقارات في المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، خصوصاً العاصمة صنعاء، منذ عدة أشهر ركوداً غير مسبوق؛ حيث يبدو ملاحظاً استقرار أسعار الأراضي والعمارات والبيوت، في حين تراجعت الأسعار في بعض المناطق بنسب متفاوتة، بعد أن ظلت في ارتفاع متواصل منذ سنوات.

وشكا العديد من تجار العقارات والمالكين من الركود الكبير، والذين أكدوا تراجع أسعار الأراضي في بعض المناطق بنسبة تصل إلى 40%. لكن أسعار المنازل والبنايات يظل مرهوناً بإجمالي تكلفة بناء العقار.

وليد الحضراني، سمسار عقارات (دلَّال) في شمال العاصمة صنعاء، قال إن دخله الشهري من بيع وشراء العقارات تراجع إلى حدود النصف، ما اضطره للعودة مرة أخرى إلى العمل “دلّالاً” في مجال تأجير الشقق؛ بهدف تحسين دخله، بعد أن كان تركه منذ فترة بسبب توسع عمله في سمسرة الأراضي والمنازل.

ويرى الحضراني، في حديثه لموقع “يمن مونيتور”، أن سبب هذا الركود يعود في الأٍساس إلى الوضع الاقتصادي المتأزم، وانهيار العملة الوطنية، وارتفاع أسعار مواد البناء.

غسيل أموال

أكد خبراء اقتصاد أن سبب الركود يرجع لعدة أسباب، بينها الأزمة الاقتصادية، لكن أبرزها تشبع السوق بعد نهب الحوثيين أموال الدولة واستخدامها في عمليات غسيل أموال، وشراء عقارات خاصة.

وقال الصحفي “مصطفى نصر” رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن سبب الركود يعود لحالة التشبع في قطاع سوق العقارات، بعد الطفرة الكبيرة التي حدثت خلال سنوات الحرب نتيجة استخدام، من أسماهم “النافذين الجدد”، خزينة الدولة في عملية غسل الأموال عبر شراء العقارات.

ويرى نصر في حديثه لموقع “يمن مونيتور” أن “عمليات غسل الأموال في بداية الحرب تسببت في طفرة كبيرة أدت لرفع أسعار العقارات، لكن القيادات التي قامت بعمليات الشراء في بداية الحرب شعرت مؤخراً أنها استقرت وأصبحت غير محتاجة لغسل مزيد من الأموال، ما أدى لهذا الركود”.

ووافقه في ذلك الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي “محمد الجماعي”، بالقول إن “ما يحدث الآن في سوق العقارات يندرج ضمن عمليات غسيل أموال واسعة يديرها الحوثيون منذ الانقلاب”.

وأكد الجماعي في تصريح لـ”يمن مونيتور” أن “هذا التراجع في الأساس سببه الصعود المفاجئ في سوق العقارات الذي تسببت به طفرة الأموال التي تكدست في خزائن القيادات الحوثية قبل عام ٢٠١٦ نتيجة استيلائهم على موارد ومؤسسات الدولة ما أدى إلى فشل البنك المركزي وإفلاسه وتآكل احتياطياته، فضلا عن عائدات فوارق الأسواق السوداء للمشتقات والعملة وغيرها”.

ويشير الجماعي إلى أنه “يمكن الربط بين تزامن صعود أسواق العقارات وأزمة اختفاء السيولة النقدية التي تصاعدت منذ منتصف ٢٠١٦ وما بعدها -نتيجة عوامل مختلفة أهمها النهب- أثار تساؤلات كبيرة حينها عن سبب تصاعد عمليات الشراء العقاري والمولات ومعارض السيارات وبأثمان باهظة أحالتها تقارير محلية وخارجية إلى وجود عمليات تبييض للأموال المنهوبة، استنادا إلى كون العملة لا يمكن تهريبها إلى الخارج، ولم يعكسها الحوثيون كرواتب للموظفين أو نفقات تشغيلية لمؤسسات الدولة، فلا يمكن سوى استنتاج وجود تدوير غير شرعي للأموال المنهوبة وتبييضها عبر شراء عقارات وأراضٍ، وهي عادة درجت عليها النسخ السابقة للمشروع الإمامي”.

إجراءات حوثية جديدة

وخلال الفترة الماضية فرضت جماعة الحوثي عدة إجراءات تتعلق بعمليات بيع وشراء العقارات، كزيادة رسوم وإجراءات تعميد أوراق الملكية وتراخيص البناء، ومنع بعض الأمناء الشرعيين من البيع والشراء.

كما أنشأ القيادي في الجماعة “محمد علي الحوثي” في 2021 هيئة جديدة تحت مسمى “المنظومة العدلية”، هدفها مراقبة سوق العقارات، وتوازي هيئة السجل العقاري.

هذه القرارات أعاقت عملية تعميد وتسجيل البصائر والوثائق المتعلقة بالعقارات لدى السجل العقاري، ما تسبب بتوقف عملية البناء، وتعطل مصالح آلاف المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين.

وأكد الخبير الاقتصادي “مصطفى نصر” أن التعقيدات والجبايات التي فرضها الحوثيون على عمليات البيع والشراء في سوق العقارات، تعد كذلك أحد أسباب الركود في سوق العقارات.

وفي ذات السياق، قال أحمد الخولاني (مقاول) إن القرارات الحوثية أدت إلى توقفه عن إكمال بنايته في منطقة سعوان، شمال شرقي العاصمة صنعاء، بعد أن باع كل ما يملك لتأمين سكن لأسرته.

وأضاف الخولاني، في حديثه لـ”يمن مونيتور”: “بعد أن تمكنت من التأسيس ورفعت العمدان جاءت القرارات المجحفة التي أعاقت إكمال عملية البناء”.

ونفى مسؤول في هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني التابعة للحوثيين في صنعاء أن يكون سبب الركود عائداُ لغسيل الأموال، في الوقت الذي اعترف في حديثه لـ”يمن مونيتور” بأن الإجراءات التي اتخذتها جماعة الحوثي تعد أحد أسباب هذا الركود، كونها تؤدي إلى ما وصفه بـ”تأمين عملية الشراء”.

وقال المسؤول، الذي رفض الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، في تصريحه لـ”يمن مونيتور”، إن ما تسمى “المنظومة العدلية التابعة لمحمد علي الحوثي أنشئت للحد من تزوير أوراق العقارات عبر إيقاف الأمناء الشرعيين غير المسجلين لدى السلطات، بالإضافة إلى الدفع نحو تسجيل المواطنين عقاراتهم بشكل رسمي”، حد زعمه.

فرار المغتربين

تؤكد تقارير أن المغتربين والمناوئين لجماعة الحوثي لجأوا لاستثمار أموالهم خارج اليمن، خصوصاً في دول الخليج، ومصر وتركيا اللتان شهدتا خلال السنوات الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في استثمار اليمنيين للعقارات فيها.

وأظهر مسح أن اليمنيين حلوا في المرتبة الخامسة ضمن أكثر الدول العربية التي اشترت عقارات في تركيا بين سبتمبر 2018، وسبتمبر 2022، بشرائهم 4,409 عقارات.

كما أظهر تقرير نشرته هيئة الإحصاء التركية في 15 أغسطس الجاري أن اليمنيين اشتروا خلال يوليو الماضي 36 عقاراً، في المركز الـ15 على قائمة المشترين الأجانب.

ويرى المسؤول في هيئة الأراضي بصنعاء، أن السبب الأبرز للركود يعود إلى تراجع الصرف خلال الفترة الماضية، والذي أدى إلى توقف المغتربين عن الشراء، لافتاً إلى أن أكثر المشترين للعقارات من اليمنيين المقيمين في السعودية ودول الخليج.

وأكد المهندس إبراهيم منصر (مهندس معماري) أن الإجراءات الحوثية تسببت بإحجام المغتربين خارج اليمن عن شراء العقارات في اليمن، بسبب المخاوف من الابتزاز أو نهب العقار.

ولفت عبدالله الشرعبي (مغترب في السعودية) إلى أنه تراجع عن شراء أرض في صنعاء بسبب “التعقيدات الحوثية وتراجع سعر الصرف”.

وقال الشرعبي في حديثه لـ”يمن مونيتور” إنه تراجع عن الشراء مطلع العام الجاري بعد أن حذره أصدقاؤه من صعوبة الإجراءات الجديدة.

ولا يستبعد الصحفي محمد الجماعي أن تكون الإجراءات الحوثية التي أدت إلى هذا الركود ضمن مخطط حوثي لتسهيل ابتلاع سوق العقارات بأقل تكلفة.

وشدد الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، في ختام حديثه لـ”يمن مونيتور” على أنه “يجب أن تكون هناك معالجات حقيقية لسوق العقارات، وضبطها لتكون خاضعة لقوى العرض والطلب، وأن تكون قوى السوق هي التي تتحكم بأسعار العقارات وليس عوامل خارجة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى