عبداللطيف السيد.. “راعي النوب” الذي قاد المعارك جنوبي اليمن
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
قُتل “عبداللطيف السيد” بعملية إرهابية تبناها تنظيم القاعدة يوم الخميس 10 أغسطس/آب في محافظة أبين جنوبي اليمن المنطقة التي ارتبط اسمه بها لينهي قرابة عقد ونصف من حضور اسمه في المعارك جنوب وشرقي البلاد.
قُتل السيد بانفجار عبوة ناسفة استهدفت موكبه في مديرية مودية في “أبين” وهو يقود عملية عسكرية ضد تنظيم القاعدة الإرهابي -الذي تبنى الهجوم- منذ خمسة أيام حيث قام المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات بإعادته إلى منصبه كقائد للحزام الأمني بعد أن فشل القائد السابق وقادة ألوية المجلس في أبين في تحقيق اختراق ضد تنظيم القاعدة في “وادي عومران” أو ما يعرف ب”وادي الموت” بأبين وعدم قدرة الحزام الأمني على التفاهم مع القبائل في المحافظة-حسب ما أفادت مصادر لـ”يمن مونيتور” في المحافظة.
كان “السيد” حصيفاً قادراً على التفاهم مع القبائل والمكونات حتى تلك التي تخالفه في التوجه والآراء- كما أشار شيخ قبلي في “أبين” ارتبط عدة مرات بلقاءات مع “السيد” خاصة بين 2012 و2015 تحدث لـ”يمن مونيتور”.
وشيع جثمانه مع ثلاثة من مرافقيه في منطقة “باتيس” في أبين، عقب صلاة مغرب يوم الخميس، لم تقم له جنازة رسمية ولم تطلق الأعيرة النارية لوفاته.
فما هي قصته؟
تنظيم القاعدة الانتماء والمواجهة
في 2011 عندما سيطر تنظيم أنصار الشريعة -الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب- على محافظة أبين، برز اسم “عبداللطيف السيد” كقائد في التنظيم في منطقة “جعار” مركز مديرية “خنفر”، سرعان بدأت الخلافات بين “السيد” وقادة التنظيم الأخرين.
وقال مصدر مطلع على تحركاته: اختلف السيد مع التنظيم حول سرقة البنوك، ومحلات الصرافة، وأعمال النهب، شعر عبداللطيف أن ذلك لا يحقق انتقاماً للمظالم من الحكومة اليمنية.
في مقابلة عام 2013 قال السيد إنه أيد تنظيم القاعدة بسبب المظالم التي لحقته من الحكومة “حيث ظل ملاحق ظلماً من السلطات طوال خمس سنوات -2005/2011-” لكن بعد عدة أشهر من تأييد للقاعدة “صعقت من كمية الشر عندهم ومن وتعطشهم لسفك الدماء، واجهتهم ولم يعجبهم كلامي”.
بحلول نهاية عام 2011 كان عبداللطيف السيد خارج تنظيم القاعدة، وانضم للقبائل التي تقاتل التنظيم في “جعار”. في 2012 عينه الرئيس اليمني آنذاك عبدربه منصور هادي “قائداً للجان الشعبية في محافظة أبين لمواجهة تنظيم القاعدة”.
ساندت اللجان الشعبية التي قادها “السيد” القوات العسكرية اليمنية التي قادها القائد العسكري البارز اللواء الركن سالم قطن -قائد المنطقة العسكرية الجنوبية- وتمكن حتى منتصف 2012 من تحرير محافظة أبين من تنظيم القاعدة، ليستشهد “قطن” بتفجير انتحاري حزام ناسف استهدف سيارته صباح يوم 18 يونيو 2012م أثناء مروره في المنصورة بمدينة عدن.
ومع انسحاب تنظيم القاعدة على وقع عمليات الجيش في أبين، تدخلت اللجان الشعبية لإرساء النظام وحماية المصالح العامة في تلك المناطق، على أمل أن يكون هذا ترتيبا مؤقتا حتى تعود الحكومة لاستئناف المسؤولية. لكن ذلك لم يحدث، حيث استمرت اللجان الشعبية بالعمل كمسؤولة عن النظام، واستمر غياب الشرطة والمحاكم أو أنها لم تقم بدورها.
وتقول ندوى الدوسري الباحثة المتخصصة باليمن: فشلت حكومة هادي في دعم اللجان الشعبية وهو ما أدى إلى عودة أنصار الشريعة.
الحوثيون والقاعدة والحزام الأمني
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014، امتلك تنظيم القاعدة دعاية مناسبة للوصول إلى القبائل التي تخشى المد الطائفي. قاتل السيد الحوثيين والقاعدة، وعقب تحرير مناطق شاسعة من أبين من جماعة الحوثيين بدأ تنظيم القاعدة في العودة.
بعد فرار الرئيس اليمني إلى عدن في 2015 انتقل عبداللطيف السيد إلى عدن للمساعدة في ردع الحوثيين الذين تمددوا سريعاً، اجتاح الحوثيون المدينة بعد أن غادرت اللجان الشعبية المدينة إلى أبين، شعر “هادي” بالخذلان وفقدان الثقة. خاصة بعد اتهام اللجان الشعبية للحكومة بعدم تقديم الدعم اللازم لمواجهة الحوثيين. اُتهم السيد بتسليم شقيق هادي “القائد العسكري ناصر منصور”.
بقي السيد واللجان في جعار وزنجبار التي لم يدخلها الحوثيون. اُتهم السيد بعقد حلف مع الحوثيين لا يدخل مناطقهم مقابل أن تتجنب اللجان الشعبية الدخول في معارك مع الجماعة المسلحة. ثارت خلافات بين عبداللطيف السيد والرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي. استغلت أبوظبي حالة الجمود في علاقة الرجلين لتقوم بتعيينه قائداً لقوات الحزام الأمني في محافظة أبين. كما جندته إلى جانب قادة اللجان الشعبية الأخرى، وكسبته في إيجاد حضور في أبين مسقط رأس هادي في وقت كانت خلافات أبوظبي مع هادي في بدايتها.
على الرغم من علاقة عبداللطيف السيد مع أبوظبي إلا أنه كان حريصاً على عدم إرسال عائلته وأقاربه إلى الإمارات كما فعل معظم قادة المجلس الانتقالي الجنوبي، على الرغم من مشاركته ضمن قوات المجلس الانتقالي ضد القوات الحكومية اليمنية في شبوة وأبين عام 2019م.
في مقابلة مطلع 2023 قال عبداللطيف السيد إنه حريص على إصلاح أي انتهاك يرتكبه أفراده، حريص على عدم إثارة النزاعات في أبين. لكنه واجه اتهامات بتعذيب معتقلين سياسيين وتصفية جرحى في مستشفى الرازي عام 2019م.
توترت علاقته مع الإمارات كما توترت مع المجلس الانتقالي الجنوبي، جرى تخفيض رتبته إلى قائد للحزام الأمني في واحدة من المديريات في أبين معتمداً على الضرائب والدعم الإماراتي لتسيير قوته حتى استدعائه لقيادة قوات الحزام الأمني قبل مقتله بأسبوع.
محاولات الاغتيال
عقب اغتيال سالم قطن، بدأ تنظيم القاعدة شن هجمات ضد المؤسسات الحكومية وشيوخ القبائل وقادة اللجان الشعبية. كانت أولى محاولات الاغتيال البارزة التي تعرض لها “عبداللطيف السيد” في أغسطس/آب عندما فجر انتحاري نفسه في مخيم عزاء لعائلة “السيد” خلف التفجير قرابة 80 بين قتيل وجريح، وقُتل شقيقه وعدد من أفراد العائلة، وأصيب خلالها السيد بجروح فقد خلالها إحدى عينيه.
وتقول ندوى الدوسري: بحلول عام 2014 ، نجا السيد من 7 محاولات اغتيال وعانى من إصابات منهكة. فقد 3 من أشقائه وعدد من أقاربه في هجمات أنصار الشريعة.
وأضافت الدوسري: كان عبداللطيف السيد رجلاً يتمتع بشجاعة ملحوظة. جلبت قيادته فرصًا ظلت للأسف غير مستغلة. بالنسبة لي، كان صديقًا فقدته وسأفتقده كثيرًا. أشعر بالراحة لأن إرثه سيعيش ويلهم الآخرين لتنفيذ رؤيته.
ظهر عبداللطيف السيد مجدداً في 2017م أمام تنظيم القاعدة، في نوفمبر/تشرين الثاني تعرض السيد لمحاولة اغتيال بزراعة عبوات ناسفة استهدفت موكبه، وتكررت المحاولات بين 2019-2020، كان أخر محاولة اغتيال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قُتل في الهجوم قائد حراسته- حسب ما أفاد مصدر أمني في أبين.
النهاية
في 2012 عقب محاولة اغتيال ظهر عبداللطيف السيد متوعداً تنظيم القاعدة، وقال إنه إما ينتهي التنظيم أو يُقتل وهو يحاول ذلك.
في 2013 قال السيد في مقابلة صحافية إنه بخروج تنظيم القاعدة وتسلم الحكومة اليمنية عملها في محافظة أبين سيعود إلى قريته ليكون “راعي نوب” كما كان قبل قيادته اللجان الشعبية.
قُتل راعي النوب، وسيبقى ما ارتكبه وقام به محل جدل، بين قائد شعبوي باحث عن المال والشهرة أو قائد قاتل تنظيم القاعدة، أو الأمرين معاً.