التعليم في اليمن… انقسام بين سلطتين وجودة مفقودة!
يمن مونيتور/من إفتخار عبده
يتراجع التعليم في اليمن للوراء بعجالة مخيفة مع مرور السنوات ويفقد جودته بشكل باعث للقلق؛ نتيجة الانقسام السياسي الذي كان فرضا على التعليم أن يدفع ثمنه هو.
حكومة في عدن وسلطة في صنعاء، هذه تضيع زمنا لبدء العام الدراسي وتلك تقرر وقتا كيفما تشاء، ما أحدث تضاربا في الزمن المحدد للعام الدراسي وفارقا بين السلطتين.
مدارس تقع في المنتصف لا تدري إلى أي فئة تنضم أو أي جهة تتبع، الأمر الذي جعلها تساير الطرفين وتختبر طلابها مقرر هذه السلطة وتلك ليعيش الطلاب فيها أعواما مليئة بالتخبط والضياع.
بهذا الشأن يقول عبد الواسع الفاتكي ” تربوي ومحلل سياسي” بعد ثماني سنوات من الانقلاب نلاحظ أننا أمام مشهد تعليمي مجزأ كأننا بين نظامين تعليميين لدولتين مختلفتين ”
وأضاف الفاتكي ل” يمن مونيتور “الحرب أثرت كثيرا على جودة التعليم فمخرجات التعليم أصبحت مخرجات رديئة سواء في مناطق الحكومة الشرعية أو في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية ، مع أن الفارق نسبي ولا يمكن أن نقارن التعليم في مناطق الحكومة الشرعية وبين التعليم في مناطق سيطرة المليشيات، لكن الحرب أثرت فعلا على العملية التعليمية”.
وأردف “ما تقوم به المليشيات الحوثية في كافة القطاعات وما تمارسه في كافة المستويات يوحي بأنها تتجه إلى إنشاء دولة خاصة بها وإنشاء أنظمة تعليمية مرتبطة بها وبأجندتها الطائفية من خلال عدد من الممارسات التي بدأت بتغيير المناهج الدراسية ووصلت هذه الممارسات إلى مخالفة التنظيم المدرسي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية”.
وأردف “نلاحظ أيضا أن المليشيات الحوثية قامت بتقديم العام الدراسي مخالفة بذلك قرار وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة الشرعية وكأنها تريد أن تفصل كل ما يربط المواطنون بتلك المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية”.
ولفت إلى أنه “اليوم أصبحنا أمام نظاميين تعليميين مختلفين بأهداف وتوجهات مختلفة، يلاحظ ذلك من خلال إصرار الحوثية على إيجاد فلسفة جديدة للتعليم تتوافق مع توجهاتها الطائفية والفكرية وهي تعمل بخطى حثيثة على أن تكون مخرجات التعليم تخدم وجهتها وتغير من هويات الطلاب وهويات المجتمع اليمني بما يضمن أن تظل هذه المليشيات مسيطرة ومتحكمة بالمجتمع اليمني وبما يضمن إمدادها بمقاتلين”.
وأكد أن “التعليم في مناطق سيطرة المليشيات أكثر رداءة لأنها سعت إلى تدميره في القطاع العام والقطاع الخاص وكذلك بإنشاء تعليم مواز لها من خلال ما عرف بمدارس” شهيد القرآن “، تعمل من خلال هذه المدارس على إنشاء جيل طائفي يعتنق أفكارها ويستعد للموت في سبيلها”.
وبين “يمكن القول إن التعليم في مناطق سيطرة الحوثيين يكاد يكون منتهيا أو بأحسن الأحوال يكاد أن يكون قد وصل إلى أدنى درجات الجودة من خلال البنية التحتية وكذلك عدم صرف رواتب الموظفين الأمر الذي ينعكس على العملية التعليمية من خلال ترك الكثير من المعلمين والمعلمات التدريس والذهاب للعمل في مجال آخر”.
وواصل “تحويل الكثير من المدارس إلى سجون عسكرية، وتحويل البعض الآخر إلى مقار للدورات الطائفية، وعدم توفير الكتاب المدرسي ومن خلال إنشاء ظاهرة الغش وكذلك منح عشرات الآلاف من المقاتلين في صفوفها شهادات الثانوية العامة وشهادات التعليم الأساسي دون أن يحضروا للمدارس”.
وزاد “بالمقابل في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية هناك انتشار لظاهرة الغش، وهناك تسرب مئات الآلاف من الطلاب من المدارس والانخراط في سوق العمل ليعينوا أسرهم على اكتساب لقمة العيش إضافة إلى أنه هناك قلة في المناهج الدراسية والمعلمين لم تعد تكفيهم المرتبات”.
واختتم “هناك تدهور كبير في قطاع التعليم في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة المليشيات لكن هذا التدهور موجود بشكل أكبر في مناطق سيطرة الحوثيين “.
في السياق ذاته يقول صابر الجابري “صحافي” انقسام التعليم بين سلطة الشرعية وسلطة الحوثيين يعمق معاناة التعليم ويزيد من تدهور العملية التعليمية وبالتالي تراجع مستوى الأداء بهذا الشكل “.
وأضاف الجابري ل” يمن مونيتور “قبل الخوض في هذا الأمر، لا بد من أن ندرك ماذا يعني أن تكون هناك عملية تعليمية في بلد واحد تحت نظامين مختلفين، الأول شرعي، والآخر انقلابي يمارس دور الوصاية ويدعي الحق الإلهي في الحكم، فالسلطة هي التي تقوم بوضع رؤية معينة لعمل الوزارات المختلفة والدوائر الرسمية والقطاعات المتنوعة، وتبعا لذلك تصدر التشريعات والقوانين التي تنظم عمل هذه الجهة أوتلك ، وبما يخدم أجندات وتوجه النظام”.
وأردف “لتقريب الصورة أكثر رأينا كيف عمد الحوثيون باعتبارهم سلطة أمر واقع في صنعاء ومحافظات أخرى إلى تغيير في المقررات والمناهج الدراسية، والهدف بالطبع تكييف المنهج وجعله يخدم أيدلوجية الجماعة الدينية المبنية على الطائفية والسلالية”.
وأشار إلى أن “العبث الحوثي بالمنهج الدراسي، أثار حفيظة الشارع وانبرى كثير من التربويين والباحثين للدفاع عن الطالب والتحذير من تسميم عقول النشء وخطورة مثل هذا التحريف للمنهج على الهوية والقيم الوطنية في البلد”.
ولفت إلى أن “حال المعلم، وإجباره على العمل في الحقل التربوي دون راتب منتظم يضمن له العيش الكريم، خصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين يجعل المعلم بعيدا كل البعد عن المجال الذي يعمل فيه ويؤدي خلاله رسالته العظيمة”.
وتساءل “كيف يتصور عاقل أن يقدم معلم وهو يعايش واقع من الحرمان والبؤس والجوع، رسالة التعليم في مدرسته
ويعطي في مجال التخصص؟!”.
وأكد “الحديث عن معاناة التعليم في زمن الحرب، حديث طويل ولا يمكن اختزاله في سطور، فما بالك ونحن نتحدث عن نزوح معلمين وتشرد عشرات الآلاف من الأسر وتسرب الآلاف من الطلاب والطالبات لا سيما في الصفوف الأولى الأساسية”.
وتابع “تدمر الكثير من المنشآت التعليمية في البلاد بفعل الحرب وبات الكثير من الطلاب يتلقون تعليمهم تحت الأشجار في العراء وهذا كله يضاف إلى معاناة التعليم الذي بفصل نظامه الواحد إلى نظامين زاد الطين بلة وعمق من معاناته”.
ووضح “التباين الزمني في انطلاق العام الدراسي الجديد وإعلان نتائج اختبارات الشهادات العامة، بين صنعاء وعدن، هو ثالثة المصيب، وما يصيب العملية التعليمية بمقتل؛
فبموجب هذين الجدولين المختلفين لسير العملية التعليمية في البلاد، سيترتب على ذلك تبعات، مثل الالتحاق في الجامعات بالنسبة لخريجي الثانوية العامة، وسيحد من قدرة الأكاديميين على الانتقال بين الجامعات داخل الوطن الواحد لإلقاء المحاضرات لاسيما في التخصصات المهمة والنادرة”.
بدوره يقول زكريا المنصوب “ناشط اجتماعي” تقاس الشعوب وتتقدم وتتطور بجودة العملية التعليمية، لكن بلادنا بعيدة عن ذلك فقد كانت سابقا في أسفل الهرم في التقدم العلمي إذ كانت السلطات الحاكمة سابقا تسعى لتجهيل الشعب بشكل متعمد من خلال السياسات المتعمدة التي تقوم بها السلطات عبر وزارة التربية والتعليم “.
وأضاف المنصوب ل” يمن مونيتور “كان يقوم مدير المدرسة في امتحانات الشهادة الثانوية العامة بإخراج ورقة الأسئلة من الكنترول أو من لجنة المراقبة في المدرسة، ويقوم بحلها وتوزيعها بشكل علني على الطلاب، هذا الأمر كان يحدث في أغلب المدارس، فكان هذا حال واقع العملية التعليمية في عهد ما كان يسمى دولة”.
وتابع “أما اليوم وبعد أن تقسمت البلاد فقد ضاعت جودة التعليم، واليوم الكثير من الطلاب وأرباب الأسر يفضلون الأمية على التعليم في مدارس تعلم الطلاب الطائفية والعنف، ولسان حالهم يقول ما القيمة الفنية للزامل إذا كان يدرس في المنهج ويحل محل العلم الحقيقي”.
وأشار إلى أنه “اليوم هناك مشكلة تعصف بالتعليم وأجياله؛ فثماني سنوات من الحرب كانت كفيلة أن تربى خلالها جيل كامل على أفكار ظلامية لا تفيد المجتمع والبلاد شيئا بقدر ما تضره”.
وأردف “اليوم الشعب يعود رويدا رويدا نحو العصر الحجري والجاهلية الأولى عصر الظلام والانحطاط، انقساما بين أطراف الصراع جعل الطلاب ينقسمون فكريا وعقائديا، فهذا يدرس منهجا معاديا للآخر والعكس”.
واختتم “إن لم تنته الحرب وتتحسن العملية التعليمية، فالبلاد- بلا شك- تهرول نحو الهاوية، فإذا فسد التعليم فسد بعده كل شيء، نسأل الله السلامة”.