أحترم من ينتقد الفقه الإسلامي الذي حصر المسلمين في تصورات محددة، وضعتهم داخل برواز جامد، و جعلت الإسلام يبدو وكأنه يعادي المستقبل والسلام والحريات والتطور. أحترم من ينتقد الفقه الإسلامي الذي حصر المسلمين في تصورات محددة، وضعتهم داخل برواز جامد، و جعلت الإسلام يبدو وكأنه يعادي المستقبل والسلام والحريات والتطور.
كذلك أحترم من صدم بهذا الفقه المكبل والمعيق، حتى لو اقتنع أن الإسلام بسببه صار لايلبي وعيه الإنساني الحديث وخلص إلى أنه سيغادره مثلا.
ذلك أنه بنظري أفضل من المنافق الذي سكت عن ترشيد الخطأ وتصويب المسار خشية من وصمه بالكفر؛ وترهيبه بمقولة ما أنزلها الله في كتابه المبين “من بدل دينه فاقتلوه” بينما لايمكن للرسول الكريم أن يأتي بقول يخالف تعاليم القرآن التي جميعها تؤكد أن عظمة الإسلام تكمن في أنه دين عقل واختيار حر ليس فيه أي إكراه أو إجبار .
نعم..علينا أن لانتهرب من الإصلاحات الدينية بعد الآن. فلقد تم تكريس الخديعة عبر فقهاء السلطة الذين ربطوا كل خلاف أو شأن سياسي بمنحه صبغة دينية كي يتم القبول به..بل جعلوا الأمر وسيلة لنشر العقيدة مع أن القرآن عادل وواضح وعقلاني وهو ينزه غايات العقيدة عن وسائلها المنحرفة.
ولعل الإبداع الفقهي المطلوب يتلخص في أهمية التعامل مع تعقيدات ومشاكل مجتمعاتنا من خلال استيعابنا للتحولات والمستجدات ، وبالتأكيد لايمكن إسقاط رؤى الماضي على القرن الواحد والعشرين كما يريد سدنة الفقه الانجراري المغلق. .بل ينبغي بروز فقه جديد ناضج يستوعب الفوارق الزمنية والمكانية الكبرى، ويبدع في إنتاج حلول مناسبة لكافة المشكلات الفقهية والمجتمعية والسلطوية المتراكمة .
ومن هذا المنطلق لي أن احترم بشكل خاص مافعلته حركة النهضة التونسية التي تمثل الإخوان المسلمين، كونها لم ترد أن تكون منافقة تظهر غير ماتبطن، أو تكفر بما أقره الله للبشر في حرية اختياراتهم الدينية، إضافة إلى وجوب تفاعلهم الوطني والإنساني لإنجاز قيم الحق والخير والجمال من مواقعهم العقدية والسياسية المختلفة ..ولذلك كانت شجاعة في فصلها الديني عن السياسي، لأن السياسة والتنافس على السلطة شأن دنيوي.
مابالكم وأن الإسلام تشظى مذهبيا منذ قرون ولم يستطع لملمة الوعي لتستمر الاحتكارات والترهيبات والمفاسد باسم الدين؛ فيما كل سلطة مذهبية تريد أن يصبح المجتمع جزء منها وتتعامل مع الدولة كحق اختصه الله لأتباعها. وهكذا كان الإستبداد يترسخ إضافة إلى مآسي الحروب والانقسامات والكراهيات الفادحة طبعا .
هذا التحول عموما في وعي الاسلامويين له دلالات واسعة.
فليس من حل سوى دولة علمانية، تقطع ادعاءات الخلط العجيب بين حياة الناس وعقائدهم”.
ولذلك نزجيها تحية من القلب للتحول إياه،والذي إن صدق سيكون الخطوة الأولى في الاصلاحات الدينية الملحة التي تحتاجها المنطقة.
والشاهد أن العالم كان يتقدم ويبدع رغم كل أخطاءه لينجز تطورات علمية ومعرفية هامة وجليلة وفارقة في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية والعلمية والفكرية الخ ، بينما كنا نغرق أكثر من اللازم في أوهامنا العصبية القبلية والسلالية والمذهبية الهوجاء، وفوق ذلك نصبغها ونبررها بالدين.
ثم حين انفتحنا على العالم لم نستوعب أننا جزء منه وإنما احتقرناه لأنه ليس منا.
على أن الخلاصة المريرة ونحن على ضوء أزمات الفقه الإسلامي بشقيه السني والشيعي، أننا منذ قرون لم ننتقد اختلالنا الرهيب الذي تركنا في الماضي، بل لم نتصالح مع أنفسنا من الداخل ونقر بضرورة أن نتصالح مع العصر وننفتح على الآخرين ونطرح إضافات حقيقية للمستقبل والحداثة بدلا من اجترار أسوأ مافي القدامة.
فهل هذه هي الفضيلة؟ وهل هذا هو التقوى؟
ثم من أعطانا الحق لممارسة كل هذا العنف والإقصاء ضد من ليسوا معنا. !
وكيف قلنا إننا نعاني من قمع و اضطهاد أو فقر أو تهميش، إلا أننا بمجرد ما نتوصل للسلطة كنا نمارس تلك القيم على الآخرين بمنتهى الانفصام و الاستسهال ؟
من هنا ينبغي التنافس عبر البرامج السياسية وليس اليقينيات الواهمة.
فبسبب ذلك الوعي المكبل بالأغلال، استمرت تناقضاتنا اليومية كعرب أو كمسلمين كما استمرينا ندفن رؤوسنا في الرمل ونحملها الدين لنستريح.!
على أن أصل الاختلالات يكمن في تصورنا القاصر بأن العقيدة لاتتحقق للفرد، مالم يكن على شاكلتنا وبالتالي لايكون أي مجتمع ناجحا إلا إذا نحن حددنا له طريقه العقائدي حسب رؤيتنا التي نريد فرضها.!
والحال أن المسألة ليس كفرا وإيمانا فقط..وكذلك ليس فرض حالة الاصطفاء الديني أو المذهبي على الآخرين وإلا فاللعنة عليهم .!
بل إن أشد مايحتاجه دين عظيم كالإسلام اليوم هو تحريره من كهنوت قريش وكهنوت آل البيت.
من سلطات الإستبداد والتخلف المتوارثة المتمثلة في صكوك السنة وصكوك الشيعة . وتحديدا من طامة الفقهاء الذين احتكروا التفسير واستسهلوا الفتاوى الطغيانية و التكفيرية ؛ متجاوزين مضامين القرآن في الحرية والتسامح والعدالة وعدم استعباد البشر للبشر.
والأهم من هذا كله هو وضع حد حاسم للاستغلال السياسي للدين.فضلا عن ضرورة انعتاقنا من مآزق ادعاء ذلك الموروث الفقهي المأزوم باحتكار الحقيقة ورفض عظمة تحولات الكليات والجزئيات من حولنا، والتلذذ جراء عجزنا الرهيب في التفاعل مع العالم بالنظرة له ككفر وإيمان فقط .
وكأن هذا هو الشيء الوحيد الذي طلبه الدين منا، وبالتالي علينا الاكتفاء به كما حثنا الفقه الذي تم إنتاجه في القرون الغابرة وبحسب ظروفه التاريخية الخصوصية . .وخلاص.
ولعل التنافض الأكثر فداحة هو تناسي حرية العقيدة، و ان الإيمان أو الكفر لاعلاقة لهما بتطور أو تخلف الدول والمجتمعات.!
فحتى لو أننا جعلنا الناس يشبهوننا بالقوة،ماذا سيفيد ذلك وقد بالغنا في عاطفتنا الدينية المشوهة، لأن القرآن نفسه لايلغي حق الاختلاف.؟
وبدلا من أن نفكر كيف نصون التعايش والسلم الوطني والانساني رغم الاختلافات الدينية أو المذهبية، استمرينا في دوامة ذلك التناقض دون أدنى تبصر وتفكر، ولم ننقذ مجتمعاتنا من التطرف وتبعاته، كما لم ننجز للإنسانية مايجعلها تعتز بوعينا للذات وللآخر.
ذلك أن المسألة ليست الإنتماء للدين أو عدم الإنتماء، وإنما كيف يمكن تخليص الدين من شوائبه الفقهية التي حولته إلى أداة دموية ومتخلفة وضد سنن الله في التقدم وعظمة الإنجاز .
المسألة تنمية وبناء الإنسان كذات حرة ومكرمة، ومادونها لن يكون هناك مجتمع مبدع ودولة تستلهم الأبعاد الإسلامية الشوروية، و تنضم الصراع على السلطة بدستور متفق عليه بحسب صيغة الديمقراطية التي هي أهم تجليات التاريخ الإنساني وجوهر الشورى بمفهومها الواسع.
بمقابل أن القاسم المشترك بين الناس هي الحقوق والواجبات المتساوية وفق قوانين عادلة لدولة ضامنة لاتمنح تمييزا لفئة ضد أخرى.
تحت شعار” إصلاح التعليم ضرورة وطنية ملحة”؛ عقدت حركة النهضة التونسية مؤتمرها العام العاشر الذي انتهى بنجاح مثير.
وقال زعيمها راشد الغنوشي “حريصون على النأي بالدِّين عن المعارك السياسية٬ وندعو الى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي٬ لتكون مجمعة لا مفرقة”. وأضاف “الحلم التونسي هو الذي يجب أن نتقاسمه الآن مع كل التونسيين ونحن ننظر معا بعيون التفاؤل والعزيمة والأمل للمستقبل وليس الماضي”.
الغنوشي أكد على أن “هناك خطط لإضعاف الدولة والتطاول عليها وتعطيل الإنتاج وهذا يصب في صالح الإرهاب”.
وأوضح “نحن حركة تتطور ولا تستنكر أن تسجل على نفسها أخطاء فنحن بشر”.
..المهم أن تلك خطوة جبارة للاخوان في تونس كي لايتم إفساد الدين والسياسة معا.
وفي هذا السياق قال لي أحد المتابعين مؤخرا أن الإسلام والعلمانية خطان لايلتقيا.
لم أسأله أي إسلام يقصد:
الوهابي أم الخميني ..إسلام الجهاد من أجل الخلافة أو إسلام الجهاد من أجل الولاية!.
قلت له: يعني المسلمين في بقية العالم العلماني الديمقراطي كفرة أو أيش (تشتي) تقول.!
الدين أي دين وليس الإسلام فقط ياعزيزي يجب أن لايكون محدد نظام المجتمع والدولة،لأن الدولة ملك الجميع والمجتمع يحترم التعدد والتنوع فيه حسب القانون المدني العلماني العادل . أما مشكلتنا فهي الإستبداد بشكله الديني وبشكله العلماني على السواء.
يعني( مش) مشكلتنا الدين أو العلمانية.!
أما الإستبداد فهو عدوي وعدوك بأي لباس وقناع كان سماوي أو أرضي.
بلحية وبيادة وعمامة وكرفته ..الاستبداد آفتنا التاريخية.
وأتمنى أن تفهم.
والحال أنه (مافيش )حاجة اسمها قريش في الوقت الحالي.!
ومع ذلك تخشب الفقه السني ولم يتجرأ ويحدث تجديدات تناسب العصر ويسقط مصطلح الخلافة من قريش.
واذا تم ذلك سيكون من السخف للفقه الشيعي استمرار ذريعة( وخير قريش هم بني هاشم )وخير هؤلاء مايسمى بآل البيت الذين لهم حق احتكار الولاية حسب زعمهم .
فلقد كان محمد رسول الله ونبيه وليس صاحب سلطة أو ملك قام بتوريثه .
والحال أن الطرفين يغذيان بعضهما .
فيما مجتمع ودولة الديمقراطية والمواطنة والحقوق والواجبات المتساوية؛ وحدهما فقط من سيحميان الجميع من استبداد الجميع أفرادا ومؤسسات. كما أن هذا الوعي هو من سيصون الدين كمسألة وجدانية وروحية اختيارية تخص الفرد وليست قسرية أو اكراهية على الإطلاق .
فمتى تعقلون ؟
وبالتأكيد يكفي استغلالات سياسية باسم الدين ، جعلتنا كائنات مشوهة ذات وعي بائد وفج وتكفيري وعنفي ..كائنات معاقة وهمجية ومثيرة للشفقة و بدون أفعال حضارية لائقة ..بل وخارج العالم المعاصر وقيمه النهضوية تماما.!
باختصار شديد: شكرا لتونس.
فيما سيقول التاريخ أنها أول من ثارت ضد توريث الجمهوريات للعوائل؛ وضد الإسلام السياسي أيضا.
ومافعلته حركة النهضة هو ثورة داخل الثورة .
تجليات وعي مديني بالغ التأثير والدلالة والتجاوز.
“شكرا لتونس”.