“ألغام الحوثي”… قاتل مزمن يتربص بالنساء والأطفال في ريف تعز
يمن مونيتور/عدي الدخيني
لم تكن أمل محمد البالغ من العمر 35” عاما “وأم لـ 7 أطفال، محاربة في معركة ولم تنتمي إلى أي طرف سياسي، وإنما كانت ضحية مثل آلاف النساء اللاتي يدفعن ثمنا باهظا في حرب ليس لهن فيها ناقة ولا جمل. تتنوع قصص الضحايا الأبرياء، خصوصا النساء والأطفال، ويجمعهم ثمن واحد يدفعونه: أرواح تزهق وأطراف تبتر.
بملامح يملؤها الوجع والقهر تتحدث أمل محمد عن أصابتها بجروح متفرقة نتيجة انفجار لغم أرضي أثناء رعيها للماشية في منطقة” البركنة “بمديرية مقبنة في الريف الغربي لمحافظة تعز تقول ل ”يمن مونيتور“. أثناء رعي للماشية في منطقة” البركنة “والعودة إلى المنزل قبل الغروب، حاولت أن أبعد المواشي من تبة” البركنة “المنطقة المليئة بالألغام حتى لا تتوغل المواشي في المكان كونه مليئا بالألغام، ولكن إحدى المواشي دهست على لغم أرضي، مما سبب إلى أصابتني بجروح متفرقة خطيرة، ما أحدث لي إلى عدة كسور في ساقي اليمنى، ويدي اليمنى، ثم تم إسعافي إلى المستشفى الميداني في المنطقة وإنقاذ حياتي، لكنني واجهة صعوبات جسيمة وقلة الموارد المتاحة لي.
تنهدت أمل وأخرجت حزنها الذي أصبح يخالط ملامح وجهها، متابعا حديثها بالقول: “بعد أن أجرت لي عدة عمليات وخروجي من المستشفى، وجدت أن حياتي قد تغيرت بشكل كبير، لم أعد قادرة على الحركة والقيام بالأعمال اليومية المحدودة، أبسطها صناعة الطعام لأطفالي، أو حمل طفلي الرضيع“.
تعبر أمل عن حزنها وإحباطها تجاه تغيير حياتها وعدم قدرتها على تلبية احتياجات أطفالها.
لغم يلوث الحياة
تواجه أمل مخاطر عدة تضعها بحالة عجز شامل، حيث لا تستطيع إنقاذ حياتها أو يمكنها الاعتماد على نفسها أو خدمة أطفالها، بسبب إعاقتها التي تسببت فيها مليشيا الحوثي.
تواصل حديثها أمل ل ”يمن مونيتور“ مضيفا: عانيت كثيرا خلال أصابتني في شتى أنواع الألم والتعب الجسدي والنفسي، وما زلت أعاني حتى الآن.
حتى لم أستطع أن أقوم برضع طفلي الذي لم يتجاوز عمره 30 يوما أو حمله في حضني، غير أنني أكتفي بالنظر إليه من بعيد.
وفي السياق، يشرح محمود العشملي زوج أمل عن ألمه وحزنه في حديثه ل ”يمن مونيتور“ يقول: إن لغما فرديا انفجر بالقطيع، وتسبب بنفوق بقرته، وبعض الأغنام فرت هاربة من هول الانفجار الذي تسبب بإصابة زوجته أمل بشظايا متفرقة في جسمها، مما أدى إعاقتها وكسور في ساقها ويدها اليمنى، لم يعد الحال على ما يرام لقد تغير بناء الحال، أصبح لا صوت يسمع صداه غير إلا أننا نكابد همومنا بكاهل أثقلته سنوات انقلاب هذه المليشيات وتداعياتها، التي أكلت أخضر عمرنا ويابس سنين عطانا، أصبحنا مدفونين تحت تراب انتهاكات الحوثيين وقمعهم، بسبب تغيير نمط حياتنا الطبيعي، في ظل مصادرة المليشيات لأبسط أساسيات حقوقنا.
ويتابع بالقول: أننا نواجه معوقات وتحديات كبيرة بعد أن تعرضت زوجته أمل لإصابات خطيرة جراء انفجار لغم أرضي أثناء رعيها للمواشي، التي أجرت لها أربع عمليات جراحية للتعامل مع الشظايا والجروح التي تعرضت لها في جسمها.
وأضاف: بينما نحاول تجاوز هذه الصدمة الناجمة عن الحادث، إلى أننا نواجه تحديات مالية صعبة جدا للغاية في شراء قيمة العلاج اللازم لأمل، وتأمين حياة الأطفال، حيث إن اعتمادنا على المواشي فقط وتعتبر مصدر رزقنا الوحيد.
بالإضافة إلى الخوف والفزع الذي نعيشه في المنطقة المليئة بالألغام.
مرمى الخطر
تمثل الألغام والمتفجرات تهديدا مباشرا على حياة المدنيين، وهو ما يعيشه المجتمع اليمني يوميا جراء تزايد خطر الألغام بأشكالها المختلفة، حيث تسببت بمقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، كان لتعز نصيبا كبيرا من الضحايا وهذه المآسي.
في السياق، يقول المسؤول الحقوقي للمرصد اليمني للألغام بمديرية مقبنة، هادي الحميري ل ”يمن مونيتور“ وثقنا منذ عام 2016 في مديرية مقبنة سقوط 244 ضحية من المدنيين نتيجة الألغام (الحوثية) والقنص والأجسام الحربية من مخلفات الحرب في عدد من عزل مديرية مقبنة محافظة تعز.
وأوضح الحميري أن عدد الضحايا وصل إلى 92 قتيلا مدنيا، منهم 22 طفلا، و19 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 152 جريحا، منهم 54 طفلا، و46 امرأة، والعشرات من هؤلاء المصابين يعانون من إعاقات مستديمة.
من جهته، ذكر المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في محافظة تعز،” أن عدد ضحايا الألغام من النساء في الفترة من عام 2017 وحتى فبراير 2023، بلغ 17 وفاة، و203 إصابات، من إجمالي 1222 ضحية للألغام التي زرعها الحوثيون خلال الفترة ذاتها.”
ظروف مأساوية
لم يكن السكان المدنيون في تعز بمعزل عن آلة الموت والانتهاكات التي تحصد العشرات منهم يوميا بسبب الحرب الذي أنجته مليشيا الحوثي الإرهابية المستمر حتى اللحظة، الذي فاقم بدوره من رقعة الإعاقة والفقر والبطالة لمعدلات قصوى، وساهم في سوء التغذية وتفشي الأوبئة والأمراض، في ظل غياب شبه كلي لوسائل الرعاية الصحية.
” وأوضحت المحامية إشراق المقطري الناطقة الرسمية وقاضية تحقيق في اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان «حكومية» ل ”يمن مونيتور“ أن عملية زراعة الألغام التي رافقت الحرب في مديريات المحافظات اليمنية التي شهدت مواجهات (13 محافظة) لم يكن أحد يتصور حجم هذا التلوث العشوائي والكثيف وعواقبها، ومن هذه المحافظات تصدرت محافظة تعز قائمة ضحايا الألغام والعبوات الناسفة والأجسام المختلفة سقوط ”636“ ضحية من المدنيين بينهم ”236“ قتيلا مدنيا، منهم 56 طفلا، و19 امرأة، و160 من الذكور،
فيما بلغ عدد الجرحى ”400“جريح منهم 265 من الرجال والمسنين، و35 امرأة، و100 طفل.
وأضافت المقطري، لم تتوقع النساء في اليمن أن تتم زراعة مزارعها وآبارها ومياهها بالألغام الفردية التي تقتل وتفتك بالبشر، وأيضا الثروة الحيوانية، المرأة التي كان يفترض ويتوقع أن تكون بعيدة عن سياقات الحرب وعن مالأتها كونها لم تشارك بشكل مباشر في الحرب، ولم تحمل السلاح، ولم تتوجه إلى الجبهات، لكنها للأسف استهدفت مناطقها استهدفت بيئاتها وتمت زراعتها بالألغام.
وأردفت المقطري، لم تستطع النساء كثيرة في مديريات نائية بمحافظة تعز من التنقل والخروج والدخول لتوفير الوصول للموارد أو توفير الاحتياجات الأساسية والضروريات، لأن غالبية مناطقها مزروعة بالألغام والأجسام المختلفة، استطاعت مليشيا الحوثي أن ينالوا للأسف من حياة هؤلاء النساء من حريتهن من حركتهن، وبالتالي تحول حياتهن للكثير من الخوف والفزع والقلق اليومي، بالإضافة إلى حوادث أخرى أيضا بسبب هذا الخوف والفزع وعمليات الحصار وعمليات القنص، تمثلت في عدم قدرة النساء الوصول للمستوصفات والمستشفيات واضطرارهن بالولادة المتعسرة داخل المنازل، وحدوث كثيرة من الوفيات وحدوث كثيرة من مضاعفات الولادة والأمراض اللاحقة على المواليد وعلى الأمهات.
ووفقا لإشراق المقطري فإنهم في اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان تمكنوا من التحقيق في أكثر من 1800 حالة من النساء هن ضحايا الألغام، وتم إعداد ملفات قانونية بهذه الحالات تتضمن شهادات وصورا لكل حالة.
وأشارت المقطري إلى أن هذه الإحصائيات شملت ضحايا الألغام من المدنيين في تعز جراء انفجارها خلال الفترة (2016_2023 مطلع شهر يوليو).