آراء ومواقفغير مصنف

مهدي إيران المنتظر… يمزق النظام من الداخل

عدنان هاشم

يُعقد في إيران نهاية شهر مايو الحالي مؤتمر العقيدة المهدوية الدولي الثاني عشر، وبالرغم أن فكرة “المهدوية” – والتي مفادها أنه “يظهر في آخر الزمان رجل من ذرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم يملأ العالم عدلاً” – هي فكرة عابرة للمذاهب والفرق الإسلامية. إلا أن الاثني عشرية الشيعية حولتها إلى طقوس سياسية ومبررات عقدية لتنفيذ برامجها السياسية والخروج من المأزق الاقتصادي وتبريرات الفساد والإفساد داخل الجمهورية الإيرانية؛ إلى جانب تحوليها إلى إحدى أصول التوسع الفارسي في الوطن العربي. عدنان هاشم
يُعقد في إيران نهاية شهر مايو الحالي مؤتمر العقيدة المهدوية الدولي الثاني عشر، وبالرغم أن فكرة “المهدوية” – والتي مفادها أنه “يظهر في آخر الزمان رجل من ذرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم يملأ العالم عدلاً” – هي فكرة عابرة للمذاهب والفرق الإسلامية. إلا أن الاثني عشرية الشيعية حولتها إلى طقوس سياسية ومبررات عقدية لتنفيذ برامجها السياسية والخروج من المأزق الاقتصادي وتبريرات الفساد والإفساد داخل الجمهورية الإيرانية؛ إلى جانب تحوليها إلى إحدى أصول التوسع الفارسي في الوطن العربي.
لن نتحدث عن المؤتمر وبعيداً عن الشرح الطويل كيف ظهرت المهدوية لأنها ليست الموضوع الرئيس، فهي بكل الأحوال وفق المذهب الاثنا عشري، فبعد وفاة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري (874 م) تعتقد أن الإمام العسكري قد ترك فعلا ابناً اسمه محمد، وهذا هو المهدي الموعود الذي سيظهر في آخر الزمان من مكة المكرمة ليجدّد الدين؛ ويضل مخفياً في السرداب حتى يجد الوقت والتمهيد المناسب للخروج، ولذلك يزعم النظام الإيراني أنه يقوم بالتعجيل بخروجه.
ومنذ ولاية الرئيس الإيرانية السابق محمود أحمدي نجاد بدأت المهدوية تأخذ طابعاً جدلياً داخل إيران فقد طُرحت النزعة المهدوية كسمة أساسية لحكومته، وظهر نجاد كأنَّ مهمته الأساسية هي تحريك المهدوية، وأن أهم وظائف حكومته هو إيجاد الأرضية المناسبة لظهور الامام المهدي. يظهر “نجاد” مؤخراً متوشحاً بالمهدوية وتياره العريض الأكثر تأثراً بأفكاره؛ يتنقل بين المدن والقرى ساحباً البساط من تحت خامنئي الرجل القوى في إيران.
وتعود هذه الأرضية المهزوزة في إيران إلى مارس 2011م عقب توزيع مؤسسة “مبشران ظهور” مئات الآلاف من نسخ قرص مضغوط بعنوان: “الخروج قريب جداً”، يتنبأ فيه أن العالم على مشارف وقت خروج الإمام المهدي، ورصد الدلالات على تلك “الأحجية الخرافية” وعلامة ذلك برأي معدي القرص هي بروز القادة الممهدين لخروجه، ومن هؤلاء مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي اُعتبر القائد الخرساني، ومساعده القائد العسكري شعيب بن صالح المتجسد في محمود أحمدي نجاد، والعاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز هو آخر ملوك الحجاز الذي سيكون موته دليلاً على بداية خروج المهدي المنتظر، أما نصر الله الأمين العام لحزب الله فهو السيد اليماني، والعاهل الأردني  الملك عبد الله بن الحسين هو السفياني. أما النفس الزكية التي ورد ذكرها في روايات العقيدة المهدوية التي ستُقتل في العراق قبل الخروج فهو باقر الحكيم الذي قُتل في انفجار عام 2003.
وبما أن المهدوية هي حجر الزاوية في الدستور الإيراني فقد نصت المادة الخامسة على ما يلي “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير”. ونصت المادة (177) على أنه “لا يمكن تغيير ولاية الفقيه، وإمامة الأمة، أو مضامين المواد المتعلقة بكون النظام إسلاميًا، أو أهداف جمهورية إيران الإسلامية”. وتنص مقدمة الدستور على أن القرارات السياسية والقانونية وكل ما إليها: “من المحتم والضروري جداً الإشراف التام والدقيق عليه من قبل علماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى والالتزام (الفقهاء العدول)”.
ووَفْق ما سبق فقد أعطى مفهوم “ولاية الفقيه” المطلقة للنظام الإيراني هويةً مهدويةً عالمية، لأنه ربط بشكل مباشر بين مشروع الجمهورية وإرادة الإمام المهدي وأهدافه الشاملة؛ إذ ستتوجه في ما بعد كل جهود الدولة وبرامجها وإمكانيات البلاد وثرواتها نحو التمهيد لخروج الإمام، الذي يشمل التوسع، ومن ضمن ما قاله الخميني في هذه الناحية: “وليعلم مسؤولونا بأن ثورتنا غير محدودة بحدود إيران؛ بل إنّ ثورة الشعب الإيراني هي نقطة انطلاقة ثورة العالم الإسلامي الكبرى التي يحمل لواءها الإمام الحجة أرواحنا فداه، نسأل الله تعالى أن يمن على جميع المسلمين وشعوب العالم بأن يجعل ظهوره وفرجه في عصرنا الحاضر. ليعلم المسؤولون بأنه إذا ما أعاقتهم المسائل الاقتصادية والمادية عن أداء المهام الملقاة على عاتقهم ولو للحظة واحدة، فسيترتب على ذلك خطر عظيم وخيانة كبرى. لذا يجب على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تبذل كل ما في وسعها في تلبية احتياجات الشعب على أفضل نحو، غير أن ذلك لا يعني التغافل عن أهداف الثورة العظيمة المتمثلة في إقامة حكومة الإسلام العالمية”[1].
ولذلك منذ 2005م أسند الرئيس نجاد مرات عديدة كل إنجازات حكومته إلى الإمام المهدي، واعتبره مدير الدولة الإيرانية الحقيقي. فنجاد وبتأثير من صهره وصديقه رحيم مشائي صاحب النظرية المهدوية والداعي لتأسيس دين إسلامي – إيراني يجمع بين الإسلام والقومية الفارسية، يعتقد أن أي سلوك يقوم به سيكون مكللاً بالنجاح لأنه مبارك من الإمام الغائب. الذي قال نجاد إنه التقاه وقام “المهدي” بتقديمه للصلاة؛ وهو ما أثار فريق المحافظين الإيرانيين وأثار المرشد الذي يعتبر نفسه نائب المهدي، المسؤول الأول عن التواصل معه – حسب كثير من المعممين في إيران – والقادر فعلاً على الوصول إلى السرداب وتلقِّي الأوامر من المهدي، ومنذ 2009م توترت العلاقة بين خامنئي ونجاد بشكل غير مسبوق، بالرغم من الدعم القوي الذي لقيه الأخير من الأول.
تسبب تنازع نجاد وخامنئي على الأحقية في المهدوية بشق صف “المحافظين” إلى نصفين؛ حيث انفرد نجاد بتيار واسع من مؤيديه وهو ما يفاقم غضب خامنئي الدائم الذي هاجم “نجاد” علانية في يوليو 2011م بالقول: “الممارسات الساذجة وغير المستندة والمرتكزة على الأوهام والتي تؤدي إلى التمهيد لأدعياء المهدوية الكذابين وابتعاد الناس عن حقيقة الانتظار”. وصعَّد الحرس الثوري من مواجهته مع أحمدي نجاد وهدده بالإقالة والاعتقال، بل ووصل الأمر إلى حد التلويح باغتياله شخصياً، ووضع حد لمحاولته تقويض سلطة ولي الفقيه. يملك “نجاد” الآن تياراً واسعاً وعريضاً برفقة صهره – الأكثر عداوة للعرب – رحيم مشائي، ومن الصعب أن يُقْدم “الحرس الثوري” على حماقة  تضر بالرجل الذي قسم تيار المرشد إلى نصفين.
من خلال ما سبق نستنج أن إيران مُقْدِمة على أزمة متمايزة عن سابقتها من الأزمات في الآتي:
أولاً: انقسام في الجذور العقدية والمذهبية للاثني عشرية، وهو انتقاص مدمر للدستور، ومؤثر في المتدينين الإيرانيين الذين يُعتمد عليهم في “الحروب الخارجية” ويد البطش العليا داخلياً.
ثانياً: انقسام عميق في دائرة المحافظين المؤثر في مؤسسات النظام الكبرى التي تشمل “المرشد” “الحرس الثوري” “قوات التعبئة” الأجهزة الإعلامية والحكومية.
ثالثاً: تحاول مؤسسة المرشد الطاعن في السن معالجة الإشكاليات منفردة وهي المريضة والمشلولة بعد تخلي هاشمي رفسنجاني وعداوة “خامنئي” الشخصية له.
رابعاً: تتفاقم هذه الأزمة في ظل التوترات الداخلية المتصاعدة، وحالات الانهاك المجتمعي من سياسيات نظام الملالي، وظهور الجيل الرابع من الثورة الإيرانية والذي لا يريد الخرافات المصطنعة ويبحث عن “الحرية والعدالة والحق في حياة كريمة”.
خامساً: تأتي في ظل تصاعد التيارات القومية وخطاب لهجتها بسبب التهميش والإقصاء داخل البلاد، وهي تمثل أكثر من 55 بالمائة.
سادساً: تأتي الأزمة في ظل توتر العلاقات الخارجية بمحيط إيران، وحروبها العبثية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والتدخلات الأكثر فجاجة في دول الخليج؛ وهو ما سيبعدها عن أي سند إقليمي محتمل.
لذلك وأمام هذه الاستنتاجات فسيكون لمسألة المهدوية دور فاعل في الحَراك السياسي الإيراني القادم، وقد يشمل صراعاً سلطوياً (دموياً) ومذهبياً كارثياً داخل البلد.
 [1] صحيفة الإمام ج‏21، ص: 297.
المصدر: مجلة البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى