كل قضية عادلة, في كل مرحلة تحول سياسي أو اجتماعي, يجد بعض الديماغوجيين (النفعين) فرصتهم للتطفل, وإطلاق صيحاتهم الثورية المتطرفة.
فإذا بالقضية العادلة, تنحرف شيئا فشيئا لتأخذ منحى مناطقي طائفي, عرقي سلالي, تنفث منها روائح كريهة , وتعيد انتاج الصراع السلبي, المعيق لمسار التحول الإيجابي, والحكم الرشيد والدولة الضامنة للمواطنة والحريات .
هم أنفسهم البطانة التي استخدمها النظام الفاسد, نراهم اليوم في صفوف الثورة, يتحدثون بكل جراءة عن التغيير والحكم الرشيد والمواطنة.
ثار الناس في الجنوب اليمني, وثم الشمال, من أجل تحقيق العدالة والانصاف, حكم رشيد ومواطنة وحريات, وحياة معيشية كريمة, ودولة ضامنة لكل ذلك.
المواطن اليوم لا يبحث غير ما ثار من اجله , ويصطدم بكم هائل من المزايدات, في الشمال طائفة تريد تحكم الناس بالاصطفاء الإلهي ودولة الإمامة, والجنوب منطقة تستأثر بالوظيفة العامة ومصدر القرار , القوات الضاربة, وتستدعي صراعات الماضي وخصوماته, وتحدثنا عن دولة افلاطون .
عدن مثال واضح عن تلك الدولة, ماذا أحدث عن عدن يا أبـتي؟ مـليـحة جثم عليها العنف، وتسلط فيها نفوذ سيئ للقبيلة, وغزها ارث الريف , وعادات وأحكام السلالة , ففقدك خصوصيتها المدنية , رقيها الحضاري , وتعايشها, وتشوهت فسيفساء مجتمعها الجميل, وفقدت مجتمعها الكوز وبوليتي , وتعايش الأيدولوجيات والأعراق والثقافات والعقائد.
بل فقدت عدن روح القانون, الضامن للحقوق والوجبات, والعدالة والحريات السياسية والفكرية, ومنها حرية الراي والصحافة والانتماء الحزبي والعقائدي.
في عدن اليوم نفوذ قبلي سيئ يحكم , يعبث يبسط ينتهك ويعمل كل ما هو سيء واسوأ مما كان, متجاوزا كل القيم والمبادئ والاخلاقيات , والنظم والقوانين, ولكل متضرر من ذلك , الدولة ومؤسساتها, والمجتمع والمواطن, المستفيد الوحيد النفوذ السيئ للقبيلة, من النفعيين والمنافقين والمزايدين باسم القضية والجنوب.
هناك نفوذ خير في القبيلة , التي عرفت بمكارم الأخلاق، وإكرام الضيف، والعفو عند المقدرة، والشهامة، والمروءة, وانصاف المظلوم, أصابه الوجع مما هو سيئ ومسيئ للقبيلة قبل غيرها, من الفاسدين واللصوص, وعسكري بليد , يحمل بندقية, ينهب ويبسط وينتهك حقوق البسطاء بها, صوبها في وجه القبيلة , وقتل الطفلة البريئة حنين إبراهيم البكري , رحمة الله عليها , ووقع في شر أعماله, مع شهامة القبيلة وأعرافها النبيلة , التي لا تقبل الظلم .
واليوم هذا المجرم في قفص الاتهام تحت طائلة القانون والنظام, الذي داسه وتجاوزه أكثر من مره نهب وبسط وظلم وتعسف وعجرفة , وبندقية اعتقد انها حمايته , وهي اليوم تسلمه لحبل المشنقة .
الأمل يعود اليوم لعدن, في محاكمة قاتل الطفلة حنين حسين هرهرة , بعودة روح القانون لمدينة فقدته جزئيا منذ عام1990م وكليا منذ عام 2015م, وهي اليوم تتنفس الصعداء, وتحتشد قاعة المحكمة بالمواطنين , والمتشوقين للعدالة , والمتطلعين للدولة العادلة والمنصفة.
عدن واليمن والعالم ينظر اليوم لجلسات المحاكمة , وما ستفضي , ولن يسمح هذا الجمع الغفير من المتابعين , أن يقتل هذا الأمل المولود اليوم, لترسيخ روح القانون في مدينة النظام والقانون, وسيكون المتهم لكل ظالم ومتعجرف وبليد , على أمل ان تفتح ملفات كل القضايا المحفوظة, والانتهاكات المخفية , والسجون السرية , لتكن نهاية لمسلسل العبث الذي طال عدن وانهك أبناؤها ودمر رقيها وخصوصيتها وتنوعها وتعايشها .