بالنسبة لمئات الآلاف من المدافعين عن الديمقراطية الإسرائيليين الذين حاولوا منع الانقلاب القضائي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الاثنين، فإن تجريد المحكمة العليا الإسرائيلية من السلطات الرئيسية لكبح السلطة التنفيذية يبدو بالتأكيد بمثابة هزيمة لاذعة.
لكن لا تيأسوا تمامًا.
قد تكون المساعدة قادمة في الطريق من المحادثات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح.
عندما أجريت مقابلة مع الرئيس بايدن في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي، ركزت عمودي على حثه نتنياهو على عدم الخوض في الإصلاح القضائي دون حتى ما يشبه الإجماع الوطني لكن هذا ليس كل ما تحدثنا عنه.
يتصارع الرئيس مع ما إذا كان سيواصل السعي لإمكانية التوصل إلى اتفاق أمني مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية يتضمن تطبيع السعودية للعلاقات مع إسرائيل، شريطة أن تقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حل الدولتين.
بعد مناقشات في الأيام القليلة الماضية بين بايدن ومستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكين وبريت ماكغورك المسؤول الكبير في البيت الأبيض الذي يتعامل مع سياسة الشرق الأوسط، أرسل بايدن كل من سوليفان وماكغورك إلى السعودية، حيث وصلوا صباح الخميس، لاستكشاف إمكانية وجود نوع من التفاهم بين الولايات المتحدة والسعودية والإسرائيليين والفلسطينيين.
لم الرئيس قرارًا بشأن المضي قدمًا في الصفقة بعد، لكنه أعطى الضوء الأخضر لفريقه للتدقيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمعرفة ما إذا كان نوع من الصفقة ممكنًا وبأي ثمن.
سيكون إتمام مثل هذه الصفقة متعددة الجنسيات مضيعة للوقت وصعبًا ومعقدًا، حتى لو قرر بايدن نقلها إلى المستوى التالي من المفاوضات على الفور لكن المحادثات الاستكشافية تمضي قدمًا الآن – أسرع مما كنت أتصور – وهي مهمة لسببين.
أولاً: الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية الذي ينتج عنه تطبيع العلاقات بين المملكة والدولة اليهودية – مع تقليص العلاقات السعودية الصينية – من شأنه أن يغير وبشكل اكبر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، بالمقارنة مع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل لأن السلام بين إسرائيل والسعودية، الوصية على أقدس مدينتين في الإسلام مكة والمدينة سيفتح الطريق للسلام بين إسرائيل والعالم الإسلامي بأسره بما في ذلك الدول العملاقة مثل إندونيسيا وربما حتى باكستان وسيكون إرثًا مهمًا لسياسة بايدن الخارجية.
ثانيًا: إذا أقامت الولايات المتحدة تحالفًا أمنيًا مع المملكة – على أساس شروط تطبيع العلاقات مع إسرائيل وأن تقدم إسرائيل تنازلات ذات مغزى للفلسطينيين – فسيتعين على تحالف نتنياهو الحاكم المكون من اليهود والمتطرفين الدينيين الإجابة على هذا السؤال: يمكنك ضم الضفة الغربية أو يمكنك الحصول على سلام مع المملكة والعالم الإسلامي بأسره، لكن لا يمكنك الحصول على كليهما ، فماذا سيكون اختيارك؟
ألن يؤدي ذلك الآن إلى مناقشة ممتعة على طاولة حكومة نتنياهو؟
أود أن أرى وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش يظهر على التلفزيون الإسرائيلي ويشرح للشعب الإسرائيلي لماذا من مصلحة إسرائيل ضم الضفة الغربية وسكانها الفلسطينيين البالغ عددهم 2.9 مليون – إلى الأبد – بدلاً من تطبيع العلاقات مع المملكة وبقية العالم الإسلامي.
يمكن للسلام السعودي الإسرائيلي أن يقلل بشكل كبير من الكراهية بين المسلمين واليهود التي ولدت منذ أكثر من قرن مع بدء الصراع اليهودي الفلسطيني.
ولكن قبل أن يتم طرح مثل هذا الخيار – الضم أو التطبيع – أمام هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، يجب أن يوافق الكثير من الناس على الكثير من الأمور.
ومع ذلك، فإن جيك سوليفان ليس في الرياض اليوم للسياحة.
يسعى السعوديون إلى ثلاثة أشياء رئيسية من واشنطن: معاهدة أمنية متبادلة على مستوى الناتو من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت للهجوم (على الأرجح من قبل إيران)؛ وبرنامج نووي مدني تشرف عليه الولايات المتحدة؛ والقدرة على شراء أسلحة أمريكية أكثر تقدمًا، مثل نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية (ثاد)، والذي يساعد السعوديين بشكل خاص في مواجهة ترسانة الصواريخ الإيرانية المتوسطة والطويلة المدى.
في المقابل من بين الأشياء التي تريدها الولايات المتحدة من السعوديين إنهاء القتال في اليمن، حيث كان الصراع يتضاءل بشكل جدير بالثناء خلال العام الماضي، وحزمة مساعدات سعودية كبيرة غير مسبوقة للمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية وقيود كبيرة على العلاقات المتنامية بين السعودية والصين.
لم تكن الولايات المتحدة مستمتعة بالتقارير التي صدرت العام الماضي عن أن المملكة كانت تفكر في قبول الرنمينبي الصيني لتسعير بعض مبيعات النفط إلى الصين بدلاً من الدولار الأمريكي من بين قضايا اخرى.
بمرور الوقت، وبالنظر إلى النفوذ الاقتصادي للصين والمملكة، قد يكون لذلك تأثير سلبي للغاية على الدولار الأمريكي باعتباره العملة الأكثر أهمية في العالم لذلك يجب أن يتم الغاء مثل هذه الخطوة.
تريد الولايات المتحدة أيضًا من السعوديين تقليص تعاملاتهم مع عمالقة التكنولوجيا الصينيين مثل هاوواوي، التي تم حظر أحدث معداتها للاتصالات السلكية واللاسلكية في الولايات المتحدة.
ستكون هذه هي المرة الأولى التي توقع فيها الولايات المتحدة اتفاقية أمنية متبادلة مع حكومة غير ديمقراطية منذ أن فعل الرئيس دوايت أيزنهاور ذلك مع كوريا الجنوبية ما قبل الديمقراطية في عام 1953، وسيتطلب ذلك موافقة مجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ما سيطالبه السعوديون من إسرائيل هو بنفس القدر من الأهمية للحفاظ على احتمالية حل الدولتين – بالطريقة التي طالبت بها الإمارات نتنياهو بالتخلي عن أي ضم للضفة الغربية كثمن للاتفاقيات الابراهيمية.
القيادة السعودية ليست مهتمة بشكل خاص بالفلسطينيين أو على دراية بتعقيدات عملية السلام ولكن إذا توصل فريق بايدن إلى صفقة دون وجود عنصر فلسطيني مهم، فسيكون ذلك في الوقت نفسه بمثابة ضربة قاضية للحركة الديمقراطية الإسرائيلية – من خلال منح نتنياهو جائزة جيوسياسية ضخمة مجانًا بعد أن فعل شيئًا غير ديمقراطي للغاية – وضربة لحل الدولتين الذي يمثل حجر الزاوية لدبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لا أعتقد أن بايدن سيفعل ذلك لانه سيشعل تمردًا في القاعدة التقدمية لحزبه ويجعل التصديق على الصفقة قريبًا من المستحيل.
يقول السناتور كريس فان هولن، العضو الديمقراطي عن ولاية ماريلاند في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ واللجنة الفرعية للمخصصات للعمليات الخارجية، التي تمول وزارة الخارجية: “سيكون من الصعب على الرئيس بايدن بيع أي صفقة مثل هذه للكونغرس الأمريكي” مضيفا “لكن يمكنني أن أؤكد لكم أنه سيكون هناك نواة قوية للمعارضة الديمقراطية لأي اقتراح لا يتضمن أحكامًا هادفة ومحددة بوضوح وقابلة للتنفيذ للحفاظ على خيار حل الدولتين وتلبية مطلب الرئيس بايدن بأن يتمتع الإسرائيليون بتدابير متساوية من الحرية والكرامة لان هذه العناصر ضرورية لأي سلام مستدام في الشرق الأوسط “.
أعتقد أنه يمكن للسعوديين والأمريكيين (وينبغي عليهم) المطالبة بأربعة أشياء من نتنياهو مقابل جائزة ضخمة مثل التطبيع والتجارة مع أهم دولة عربية إسلامية:
اولا: وعد رسمي بعدم ضم الضفة – إطلاقا.
ثانيا: لا مستوطنات جديدة في الضفة الغربية أو توسع خارج المستوطنات القائمة.
ثالثا: لا تقنين للبؤر الاستيطانية اليهودية الجامحة.
رابعا: ونقل بعض الأراضي المأهولة بالفلسطينيين من المنطقة “ج” في الضفة الغربية (الخاضعة الآن للسيطرة الإسرائيلية الكاملة) إلى المنطقتين “أ” و “ب” (الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية) – على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو.
في المقابل، سيتعين على السلطة الفلسطينية أن تصادق على اتفاق السلام السعودي مع إسرائيل.
والحق يقال، السلطة الفلسطينية ليست في وضع يسمح لها بالدخول في محادثات سلام مع إسرائيل اليوم.
السلطة عبارة عن فوضى ويحتاج الفلسطينيون إلى إعادة تشكيل حكومتهم ولكن في غضون ذلك، يحاول الوزراء اليمينيون المتطرفون في حكومة إسرائيل استيعاب أكبر قدر ممكن من الضفة الغربية بأسرع ما يمكن.
الحاجة الملحة الان هي وقف ذلك على الفور – ولكن ليس بجرعة أخرى من توجيه الاتهام من وزارة الخارجية بشأن مدى “الانزعاج العميق” الذي تشعر به الولايات المتحدة بشأن المستوطنات الإسرائيلية ولكن بدلاً من ذلك فإن أفضل خطوة هي مبادرة إستراتيجية كبيرة لها شيء مهم للجميع، باستثناء المتعصبين من جميع الجوانب.
أكرر: أي صفقة ستستغرق شهورًا من المفاوضات الصعبة بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية – وسيكون النجاح بعيد المنال في أحسن الأحوال.
ولكن إذا قرر بايدن أن يحاول ذلك ويمكن للولايات المتحدة أن تطرح على الطاولة صفقة من شأنها أن تصب في مصلحة أمريكا الإستراتيجية بشكل كبير، وتخدم مصالح إسرائيل الإستراتيجية بشكل كبير، وتخدم بشكل كبير المصلحة الإستراتيجية للسعودية (قبولها في نادٍ حصري للغاية من البلدان التي لديها المظلة الأمنية الأمريكية) وإحياء الآمال الفلسطينية في حل الدولتين، ستكون هذه صفقة كبيرة جدًا جدًا.
وإذا أجبر نتنياهو أيضًا على التخلي عن المتطرفين في حكومته والدخول في تحالف مشترك مع يسار الوسط ويمين الوسط في إسرائيل ألن يكون هذا بمثابة الكرز فوق قالب الحلوى؟
*نشر في نيويورك تايمز