النوافذ العربية الشمسية من مصر والقمرية من اليمن
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
عند الحديث عن تصميم النوافذ تكثر الروايات التي تنسب كل نوع منها إلى حضارة أو بلد ما، لكن ما سنرصده في السطور التالية يرتبط بالهوية البصرية وما ساد في العمارة العربية، بغض النظر عن أصول ومرجعية كل منها، وبالعموم للنافذة ثلاثة أشكال أساسية، فإما أن تكون وظيفية وهي النافذة الاعتيادية المستطيلة، أو وظيفية وتزيينية معاً وهي الزخرفية المعقودة بأقواس مختلفة الطراز أو نافذة صماء توظف للتزيين فقط.
النوافذ الدمشقية
تقسم النوافذ في البيت الدمشقي إلى أربعة أقسام، الخارجية والداخلية ونوافذ القبو والنوافذ القمرية، ولتميز البيت الدمشقي بالانفتاح على الداخل، أي على صحن البيت، أهملت النوافذ الخارجية من ناحيه النقوش والزخارف وقل عددها وصغر حجمها وغطيت بشبكة من قضبان الخشب النحيلة المتشابكة أو المتقاطعة أو المتعامدة أفقياً، وصممت بشكلين، الأول ثابت غير قابل للحركة، والثاني متحرك مزود بمجريين في الأطراف لفتحها وغلقها بحسب الرغبة، وبأسلوب يجعلها تحجب الرؤية من الخارج إلى الداخل وتسمح بالرؤية من الداخل إلى الخارج لاعتبارات دينية.
وللنوافذ الداخلية، العالية منها والمنخفضة، أهمية، فالأولى دورها يتمثل في إدخال الإنارة والتهوية بشكل مستمر طيلة النهار وهي مزخرفة بأشكال نباتية أو هندسية، والثانية منفتحة على صحن البيت بمصراعين زجاجيين ومزودة بحاجر مشبك من الخشب أو القضبان المعدنية، وغالباً ما يكون أعلاها معقود بقوس يضم أشكالاً وزخارف متنوعة.
أما نوافذ القبو فهي بسيطة وضيقة وصغيرة وخالية من الزخارف والنقوش، وتتموضع على ارتفاع قريب من مستوى سطح الأرض ومطلة على صحن البيت وأحياناً تكون مشطوفة بزوايا لتحقق أكبر قدر من الإنارة والتهوية.
والنوافذ القمرية عبارة عن فتحات صغيرة في الجدار أعلى الباب أو أعلى النوافذ لتجلب النور والهواء إلى الداخل، ويختلف شكلها بين الدائرة الكاملة أو نصف القمرية أو الهلالية أو الإهليجية، ونراها في القاعتين الجانبيتين للإيوان الدمشقي، وأسهمت تغطيتها بالزجاج الملون المعشق في إدخال نور النهار ملوناً إلى الغرفة أو إخراج أضواء المصابيح الداخلية ملونة إلى صحن الدار.
ومن الفتحات الصغيرة ما يسمى النوافذ المرماية وتتموضع فوق الباب الرئيس للمنزل، بغرض رؤية الطارق قبل الفتح أو مناولته شيئاً من دون فتح الباب.
الشمسية
أما في مصر فاشتهرت الشمسية وهي عبارة عن قطعة مستطيلة من الحجر النافذ للضوء أو الكريستال، ينحت على شكل شرائح بسماكات رفيعة يحيط بها إطار من الخشب أو المعدن، وتصنع من الحجر أو الجص المنحوت بزخارف نباتية أو هندسية، وعندما تتراكب الشمسيات وترتب مع بعضها بشكل متقارب منظم تبدو كوحدة متكاملة يطلق عليها تسمية القندلون، والشكل الغالب هو شمسيتان متوازيتان طولياً تتوسطهما قمرية مدورة في الأعلى، ونجد أمثلة عنها في جامع السيدة نفيسة بالقاهرة وفي ضريح ابن قولون وفي بعض الكنائس التاريخية كما في الكنيسة المعلقة، وبدأ انتشارها في الخارج مع فتح الرومان لمصر وأصبحت واحدة من الصادرات المهمة للإمبراطورية آنذاك، حتى وصلت اليمن لتبدأ هناك قصة جديدة.
القمرية
في العصور القديمة في اليمن، انتشرت النوافذ الدائرية بين العرب وكانت مصنوعة من حجر الألباستر، المرمر الأبيض الشفاف، وكان وراء اختيار هذا الحجر، العقيدة السائدة تلك الأيام، المستندة على عبادة القمر، فتزينت النوافذ بالرسومات والرموز التي تحمل تفاصيل هذه الفلسفة، كما طبق هذا الحجر على قباب المعابد لاستجلاب الضوء إلى الداخل، نظراً إلى تميزه بخاصية تكثيف الإضاءة النهارية.
ومع استيراد تصميم النافذة الشمسية من مصر أضاف اليمنيون فتحة نصف دائرية إضافية أعلاها، بحيث أصبح شكل النافذة عبارة عن مستطيل تعلوه نصف دائرة يفصلها عن الجزء السفلي عمود عرضي من الخشب أو الحجر يسمى العتبة، وغيروا اسمها إلى (القمرية) لتتواءم مع عقيدتهم، وكانت تثبت النوافذ بمادة القضاض، المقابلة لمادة الإسمنت في وقتنا الحالي، وهي مادة مضادة للماء مصنوعة من الجير المعالج بالزيوت والدهون، وفي كثير من الأحيان يستعمل رماد أو زلط بركاني مطحن كعنصر كيميائي في التفاعل، ولها أحجام عدة، صغيرة تغطي الفتحات المفردة وتعلو المداخل الرئيسة والفرعية وبعض الفضاءات الداخلية في المباني، وكبيرة أكثر انتظاماً وتنوعاً بالشكل وتعلو النوافذ الكاذبة في المباني أو تلك التي تستخدم لأغراض جمالية.
ومع الوقت طور تصميمها ونوعية المواد المستخدمة لتزداد قيمتها الجمالية إلى جانب الوظيفية، ولتصبح واحدة من أهم مميزات المعمار اليمني في مملكتي سبأ وحمير، ولتستمر حتى وقتنا هذا تزين الغرف العلوية أو ما تسمى في اليمن بالمفرج، ويمكننا أن نرى القمرية اليوم في واجهات المعمار الإسلامي القديم في معظم الدول العربية.
نوافذ الزجاج الملون
أما في العراق فتطور فن الزجاج المعشق، وهو طريقة تقليدية تقوم على تغطية نوافذ البيت بألواح من الجص المفرغ بتزيينات هندسية أو نباتية، ثم تلصق عليها قطع من الزجاج بألوان مختلفة عدة، واستخدم هذا الفن في تشكيل النوافذ باستخدام الجبس كإطار، وازدادت المنتجات التي بدأت تصدر إلى الممالك لتنتشر مع الوقت في المملكة الرومانية والجزء الغربي من العالم، ثم وصلت إلى البيزنطيين ثم إلى المغرب العربي واليمن الذي أدخل إلى تصميمه الزجاج الملون المستورد من دمشق (الأبيض والأخضر والأحمر والأصفر والأزرق) عوضاً عن المرمر نظراً إلى ندرة توافره في ذلك الوقت ولتغير الفلسفة السائدة آنذاك، إلا أنها لم تحل محله بشكل كامل، لكن اعتبرت واحدة من أهم العناصر المشكلة للمعمار اليمني، وبعد استبدال القضاض بالجص والرخام بالزجاج الملون أصبحت العملية أكثر سهولة في الحفر والتفريغ والتشكيل.