“الهاش” لعب فوق جبال اليمن
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
في صبيحة كل خميس يحمل الفريق على ظهورهم متاع الرحلة من خيام وطعام، ويشقون الجبال الغربية للعاصمة صنعاء وعدد من المناطق السياحية والتاريخية والزراعية التي تحيطها، وأهمها شبام كوكبان والطويلة والمحويت والحيمة ومناخة وبني مطر وحراز وغيرها من المناطق والقرى والوديان.
ومن بين أشجار اللوزيات ومزارع الخوخ والرمان والعنب في الوديان الخصبة تنطلق مواكبهم للوصول إلى سدود القرى ومنابع تدفق المياه والبرك، التي أنشأها الأجداد في أعالي الجبال والأودية.
تسلق الصعاب
وعلى رغم المخاطر والمساءلات الأمنية للجماعة “الحوثية” التي تسيطر على صنعاء واصل الفريق نشاطه المعتاد، حتى باتت هذه الرياضة الترفيهية جزءاً من شغفهم نهاية كل أسبوع، فضلاً عن حملهم مهمة اكتشاف مزيد من المواقع التاريخية والأثرية والسدود القديمة التي يعيدون اكتشافها وتوثيقها، مما يعتبرونه مهمة يتولونها لإعادة الاعتبار لجمال البلاد وثرائها الطبيعي والإنساني.
صورة مغيبة
وبحسب قائد الفريق سعيد عبدالله السروري تأسس هذا النادي عام 1981 على يد مجموعة من البريطانيين والأجانب والعرب المقيمين في صنعاء ومجموعة من اليمنيين، وكان اللقاء يتم أسبوعياً كل يوم إثنين للقيام برحلة جبلية في ضواحي المدينة، وعلاوة على الأثر الإيجابي ونشر الوعي الرياضي والتعرف على مناطق جديدة وتوسيع نطاق الرياضة السياحية والعلاجية التي من الممكن القيام بها في بيئات صحراوية وجبلية مختلفة، فالنادي الذي أسس من الجاليات الأجنبية وموظفي السفارات والمنظمات بصنعاء، وأسهم في إقامة كيان رياضي وسياحي ما زال يمارس هوايته حتى اليوم وهو مستمر مع توالي قدوم أجيال وإقامة علاقات وصداقات واسعة مع أشخاص من جنسيات مختلفة.
شيء عن التسمية
وتعود تسمية “الهاش” وفق السروري إلى التجمع الذي بدأته مجموعة من الرعيان في كوالالمبور بماليزيا لإقامة رحلات سياحية وكسر الرتابة اليومية، “فانقسم الرعاة إلى مجموعتين، أولاهما تقوم بالرعي والأخرى تقوم بقلي شرائح البطاطا، وسمي هذا النشاط هاش بحسب التسمية الصينية المتداولة بين الرعيان التي توصف الجمع بين هواية الرياضة والبطاطا المقلية”، وأشار السروري إلى تطور التجربة وبالتحديد عام 1938 عندما نقلها عدد من الإنجليز العائدين من ماليزيا إلى بلدانهم، وضموا إليها آخرين من فئات عمرية وجنسيات مختلفة نجحوا تالياً في تأسيس فريق لهذه الرياضة.
معرفة دائمة
ويعتبر كابتن فريق اليمن أن هذا النوع من الرياضات الترفيهية فريد وممتع لاحتوائه على شخصيات تشكل طيف المجتمع كما لا يحتاج أعضاؤه إلى إمكانات أو تدريبات رياضية مسبقة، ويعد نشاطاً اجتماعياً شيقاً يتعرف فيه أفراده على بعضهم بعضاً، وهو نواة فعلية للرياضة السياحية التي تشمل عديداً من المناطق غير المرتادة من قبل، وبالتالي نشر الوعي الاجتماعي حول هذا النشاط الذي يجمع فوائد عدة، منها الترفيهي والرياضي والاجتماعي والسياحة العلاجية وغيرها.
متعة بدائية
ويكشف عن أن بعض رحلاتهم خارج العاصمة صنعاء تمتد أسبوعاً أو أكثر، إذ “يجري الإعداد المسبق لمعرفة الاحتياجات وكميات الطعام والماء وما نحتاج إليه من الخيام والملابس، ثم اختيار معسكر التخييم لتبدأ قصة التشويق اليومي بكل تفاصيلها من أعالي الجبال أو وسط مياه الوديان التي تتفجر من صخور الجبال وعيون الأمطار مع ترحيب السكان المحليين”، وخلال تلك الساعات الريفية والبدائية الشيقة، وعقب الإفطار في ساعات الصباح الأولى ينقسم الفريق بحسب السروري إلى قسمين، “الأول لاستكشاف المناطق المجاورة من جبال وكهوف وموقع أثرية ومنابع مياه وأنهار وأشجار عطرية وفواكه، والثاني يستمتع بالسباحة في البرك المائية الطبيعية التي شقتها الطبيعة، قبل العودة لإعداد الطعام وجلب الحطب وتجفيف الملابس والتجهيز للفترة المسائية التي تشمل جولات أخرى مماثلة قبل حلول الظلام والتجهز للسمر الجماعي على ضوء القمر وقضاء ساعات الليل الأولى في المرح والنكات وسرد القصص والذكريات، أو الاستماع لغناء بعض أعضاء الفريق وأشعارهم”.
غرابة وحمامات علاجية
ويتعمد الفريق زيارة العيون الساخنة التي تنبع من الجبال وتشكل بركاً تحيطها الأشجار والنباتات النادرة يطلق عليها المجتمع المحلي بالحمامات العلاجية، ويوضح السروري أن الأعضاء يحرصون على السباحة في برك تلك المياه الساخنة المتفجرة من صخور الجبال لما لها من فوائد صحية، ويتحدث عن نوادر عاشوها مع مياه “عيون سردد” في قرية “بيت قطينة” بمحافظة المحويت (شمال غربي صنعاء)، “إذ تنبع المياه من جوف الأرض الجبلية إلى شقين، ويشكل جزءها الغربي مياهاً حارة، والشرقي مياهاً باردة، وتقدر المسافة بينهما نحو ثلاثة كيلومترات وتبعد حوالى 30 كيلومتراً جنوب منطقة الطويلة التاريخية، وتعد الحد الفاصل إدارياً بين محافظتي المحويت وصنعاء”.
الشتاء للسباحة
ويشير قائد الفريق سعيد عبدالله السروري أيضاً إلى أن أفضل الأوقات لرحلات التخييم هذه “خلال فضل الشتاء، إذ يصادف جو السائلة (مصبات السيول) معتدلاً والمياه الحارة أكثر دفئاً ومتعة”.
ويتوخى “الهاش” اليمني موسم الأمطار التي تتوافق مع فصل الصيف لأن السيول تتدفق غزيرة.
الفطرة ما تزال في مكانها
مع هذا التنقل الهائل بين المناطق والقرى والأرياف، لا بد من احتفاظ الفريق بانطباعات عن الأهالي هناك، ويؤكد السروري ما يلقونه من ترحيب حار من السكان الأصليين بهم وإصرارهم على ضيافتهم وتقديم الخبز واللبن الرائب وعلى تناول طعام الغداء في مناسبات اجتماعية عدة، أما عن نفقات الرحلات فيقول إن الفريق يتشارك تكاليف كل رحلة مع تحمل المقتدرين بعض التكاليف الإضافية.
الملح القاهر
ويحتفظ أعضاء الفريق بعديد من القصص والمغامرات التي يستذكرونها بشيء من المرح، ولعل منها ما يحكيه قائدهم عندما وصلوا إلى منطقة تخييم في قمة جبلية بعيدة، وعندما حان وقت تحضير طعام الغداء اكتشفوا أنهم نسوا ملح الطعام، ومن الصعوبة أن يتناولوا الأكل من دونه، وبعد حيرة وحسرة ضاعفها التعب والجوع الشديد، “كلفنا أحد الأعضاء للذهاب إلى القرية المجاورة التي تبعد كيلومترات عدة لطلب الملح، لكن الفريق لم يحتمل ساعات الانتظار فاضطررنا إلى تناول الطعام من دون ملح ووصل ووجد بقايا طعام مما أثار غضبه وضحكه أيضاً”.