كيف أدى جشع قادة الحوثيين لتآكل الجماعة من الداخل؟ دراسة حديثة تجيب
يمن مونيتور/ صنعاء/ خاص:
قالت دراسة حديثة لمركز ابعاد للدراسات والبحوث، إن جماعة الحوثي المسلحة تواجه تحديات كبيرة تقلل فرص نجاة الجماعة في حالة السلام، بسبب جشع قادتها الذي أدى إلى تآكلها من الداخل.
وأضافت الدراسة المنشورة يوم الجمعة بعنوان: “لماذا تقاوم جماعة الحوثي السلام وتهرب إلى الحرب؟” أن فشل الجماعة في الحوكمة وإدارة الاقتصاد ما أفقدها وجود حلفاء محليين متوقعين لمرحلة الاستقرار.
وأشارت الدراسة إلى مجموعة من التحديات التي تواجهها في حالة السلام، أول هذه التحديات بقاء وحدة الجماعة، حيث تغيّر تكوين الجماعة خلال الحرب، إذ ابتلع الجشع معظم القادة ما أدى إلى انقسامها إلى طرفين رئيسيين. الطرف الأول: جماعة أحمد حامد (أبو محفوظ)، ويضم عدد من قيادات الحوثيين خاصة الموجودين في إدارة مؤسسات الدولة، وقريبة من عائلات الهاشميين من خارج صعدة من صنعاء وذمار وحجة والذين كانوا في نظام علي عبدالله صالح. الطرف الثاني: جماعة محمد علي الحوثي (أبو أحمد) الذي كان رئيساً للجنة الثورية العليا، يضم طرفه قادة كبار في الجماعة بما فيها الاستخبارات العسكرية وأشقاء وأقارب زعيم الحوثيين “عبدالملك الحوثي”.
وفصلت الدراسة الخلافات بين الطرفين حيث تشير إلى أن أحمد حامد يسيطر على معظم المؤسسات الإيرادية تصل إلى 2 مليار سنوياً، وعزل المقربين من (أبو أحمد) من تلك المؤسسات. وأسس مراكز مالية جديدة، ومكن حلفائه من أن يصبحوا من كبار المستثمرين. كما يزيح (أبو محفوظ) المقربين من (أبو أحمد) من مؤسسات الدولة ويوظف المقربين منه فيها بما في ذلك المشرفين في المحافظات. وقام كل طرف بإثراء قادة الجماعة من الصف الأول والثاني الموجودين في صنعاء والبعيدين عن جبهات القتال فامتلكوا شركات، وعقارات، وسيارات ومشاريع كبيرة بعد أن كانوا معدمين قبل الحرب. إضافة إلى التنافس بين القادة من أكثر ثراء، يغضب ذلك القادة الموجودين في جبهات القتال خاصة من زعماء القبائل.
التحدي الثاني الذي يواجه الجماعة هو فشلهم في الحوكمة والاقتصاد حيث تحولت مؤسسات الدولة إلى أداة لتأييد الحق الإلهي، ومغانم للأنصار والموالين. وأشارت الدراسة إلى مراحل سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة والقوانين التي قاموا بإيجادها للسيطرة عليها والتي تحولت في نهاية المطاف إلى صراع بينهما. وأفردت الدراسة تفصيلاً حول القوانين التي أعلنها الحوثيون للسيطرة على البلاد والاقتصاد ومؤسسات الدولة والتي أدى إلى شللها بما في ذلك رفضهم دفع رواتب الموظفين ونظام المشرفين الذي فرضته الجماعة.
وتشير الدراسة إلى التحدي الثالث وهو ثراء القادة، حيث أثرى قادة الحوثيين انفسهم وقاموا ببناء أسواق موازية ومراكز مالية جديدة، وقدموا ما وصفتها الدراسة بأسوأ تجربة في إدارة الاقتصاد، فأنشأوا الأسواق الموازية السوداء للنفط والغاز. أنشأوا المراكز المالية الجديدة وفرضوا جبايات لا حصر لها. واستهدفوا رجال الأعمال واغلقوا مؤسساتهم ما أدى لهجرة رؤوس الأموال الوطنية. سنوا قوانين وأوقفوا العمل بمعظم القوانين السابقة، مثل قانون “الخمس” الذي يتسلمون 20% من كل المعادن والثمرات. وقانون المعاملات الربوية الذي يشل القطاع المالي، وينهي أي فرص للاستثمار مستقبلاً.
ولفتت الدراسة إلى أن ذلك أنشأ صراعاً بين قادة الحوثيين من الصف الأول والثاني ليحصل كل منهم على مكاسب من هذه الأسواق والقوانين. والذي سيؤدي إلى مشكلات متعددة.
أما التحدي الرابع الذي أشارت إليه الدراسة فهو فقدان الحلفاء: فقد الحوثيون معظم حلفائهم المحليين، لقد نكثوا معاهدتهم مع القبائل وأنشأوا كيانات موازية للقبائل، وغدروا بشريكهم السياسي في المؤتمر الشعبي العام، ففقدت جميع المكونات الثقة بهم. فخلال ثمان سنوات ونيف من الحرب استخدم الحوثيون مجموعة واسعة من القوى والكيانات الاقتصادية والسياسية والقبلية والعسكرية-مع شعارات كبيرة للغاية من العيش المشترك والدفاع ضد ومظلوميات القضايا المحلية- لأسباب مختلفة في توسيع قاعدتهم وتحقيق أهداف مشتركة ضد أعداء مشتركين، لكن في نهاية المطاف جرى إزاحتهم، أو طردهم إلى المنفى أو القضاء عليهم نهائياً.
التحدي الخامس وهو الانتقام من المظالم، وتشير الدراسة إلى أن انتهاء الحرب يعجل بخروج المظالم التي ارتكبها الحوثيون من المواطنين والقبائل ورجال الأعمال وحتى مؤيدي وأنصار الجماعة. لقد فقدوا وجود الحاضنة الشعبية المتخيلة، والانتقام سيأخذ عدة مناحي رئيسية: الثأر للقتلى ليس فقط من خصومهم ولكن من عائلات مؤيديهم إذا قام الحوثيون بعمليات تجنيد تشمل حتى الأطفال دون موافقة أهاليهم. وقادة القبائل الذين فضلوا الصمت بدلاً من تأييد أي من الحوثيين أو خصومهم واستهدفتهم الجماعة باعتبارهم “طابور خامس” سيبدؤون باستعادة السلطة التي فقدوها مع تأييد أكبر من أبناء قبائلهم. الموظفون الحكوميون والمجتمع المدني والقوى السياسية والبيوت التجارية ورجال الأعمال سيتجنبون العمل/الشراكة مع أي سلطة لدى الحوثيين، وفي حال الوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية بعد الحرب والدخول في انتخابات سيخسر الحوثيون معظم ما أخذوه في الحرب.
واختتمت الدراسة بالقول: بناءً على الرؤى المطروحة لإنهاء الحرب والسلام في مرحلة انتقالية تشاركية، فعلى الرغم من أنها تمكن الحوثيين أكثر وتضعهم القوة الأكثر تأثيراً إلا أن الجماعة تنظر إليها بعين الريبة، فلا الجماعة قادرة على إدارة مؤسسات الدولة بالحوكمة والاقتصاد ولا هي قادرة على ردع قادتها الذين يتصارعون على الثروة والسلطة، لذلك سيماطل الحوثيون في الوصول إلى اتفاق حتى ترتيب وضعها الداخلي لإنقاذ نفسها من انقسامات متعددة لاحقاً على الرغم من أن ذلك سيجعلها أكثر ضعفاً وهشاشة من الوقت الحالي، وستحاول أن تبقي شكل المحاصصة مدة أطول بكثير من المتوقع ربما عقود حتى تضمن عدم وجود “عدالة انتقالية” وحتى تبقى متمسكة بالقوة المسلحة وحتى تضمن وجود الثلث المعطل في قرارات البلاد السيادية، لذلك ليس متوقعاً أن يقبل الحوثيون بعودة الانتخابات من جديد.
كما أن الرؤى الدولية للسلام لا تتجاهل فقط ما ارتكبه الحوثيون بحق اليمنيين، بل تحاول صناعة من الوهم بإمكانية تحقيق سلام دون مشاركة الضحايا وبدون حماية العدالة الانتقالية لهم ولعائلاتهم؛ ضمان وجود عدالة انتقالية وبدون ضمانات لتحقيق كامل للمرحلة الانتقالية والانتقال لوضع الاستقرار.