لماذا يجازف المغتربون اليمنيون عبور صحراء الموت ويعزفون المرور عن مناطق سيطرة “الانتقالي”؟!
يمن مونيتور – وحدة التقارير – خاص
باتت صحراء الربع الخالي قبلة لآلاف المغتربين والمسافرين اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، من أجل العودة إلى قراهم ومحافظاتهم، في سبيل تجنب السفر عبر المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي وهروبًا من التهم الكيدية والابتزاز التي تطالهم بتهم مناطقية.
استمرار الانتهاكات المتصاعدة في مناطق سيطرة قوات المجلس الانتقالي، الذي طال الكثير من المدنيين المنحدرين من أصول شمالية، ساهم بشكل مباشر في الدفع بالمغتربين اليمنيين إلى المجازفة بحياتهم وحياة أسرهم في عبور الصحراء، خوفاً من المرور من الطرق الخاضعة لسيطرة هذه القوات وانتهاكاتها.
وبالرغم من استمرار الحوادث المروعة التي يتعرض لها المسافرون اليمنيون خلال العبور من الطريق الصحراوي، إلا أنهم يُصرون على خوض هذا الطريق المميت، وكأن لسان حالهم يقول: “الموت في الصحراء أفضل من المكوث في سجون المجلس الانتقالي والتعرض للنهب والسلب”، حتى وإن كانت الطرق إلى قراهم قريبة ومعبدة التي يمر بها المسافرين إلا أن تجاربهم مع هذه النقاط لا يريدون تكرارها أو خوضها مرة أخرى.
ولعل جريمة اعتقال وإخفاء وتعذيب وقتل المواطن الأصمّ الطاعن في السن، محمد حسن عبده مهدي، في جعار في محافظة أبين، تروي فصلًا من فصول ضحايا قوات الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) وهي جريمة تتجاوز في بشاعتها مع كانت عليه جريمة تعذيب وقتل الشاب، عبدالملك السنباني، من قبل الميليشيات نفسها، والتي أثارت عام 2021 الرأي العام اليمنيّ أسابيع.
وفي حين تواصل جماعة الحوثي المسلحة، إغلاق الطرق الرئيسية، الرابطة بين المحافظات التي لا تخضع لسيطرتها، يواصل المجلس الانتقالي استمرار مسلسل انتهاكاته بحق المدنيين اليمنيين العابرين من مناطقه إلى مناطقهم في شمال الوطن.
“المسافر اليمني بين نارين”
في هذا السياق، يقول المغترب ناجي الوادعي، إن استمرار الحرب على الطرقات، يمس السكان في جميع المحافظات اليمنية، خاصة ممن ينتمون للمحافظات الشمالية والوسطى حيث أصبحوا بين نارين قبضة جماعة الحوثي، والآن قبضة المجلس الانتقالي.
وأضاف في حديث لـ”يمن مونيتور”: “نعاني الآن عند حاجتنا للسفر إلى منفذ الوديعة من تجنب المرور بنقاط المجلس الانتقالي التي أصبحت عبارة عن نقاط للتقطع للمسافرين وقطاع لطريق أمامهم”.
وأكد: “لهذا السبب قرر الالف المواطنين المنتمين من المحافظات الشماليين المشي وسط صحراء الجوف والمخاطرة بأنفسهم خوفا من تهم قوات الانتقالي واحتجازه لهم بتهم كاذبة وملفقة.
وأوضح بأن المواطن محمد قائد كان في طريقه أيضًا إلى أسرته التي يأمل أن يقضي معها عيد الأضحى بسلام، حين اخطفته قوات المجلس الانتقالي في محافظة أبين، وغيبته في سجونها، وأذاقته صنوف العذاب، وبعد بحث مضن، عثرت أسرة محمد على معيلها وأخرجته من السجن، لكنه فارق الحياة بعد يوم واحد متأثراً بالتعذيب المروع.
واختتم قائلًا: “لا يوجد سبب لتعذيبه بهذا الوحشية لقد أصبحنا في وطن ننهش بعضنا البعض”.
وتوفي، الأحد، المُسن الأصم، محمد حسن عبده مهدي، بعد يوم واحد من الإفراج عنه من سجون المجلس الانتقالي بمحافظة أبين، إثر تداعيات ما تعرّض له من تعذيبٍ وحشي ظهر في هيئة جروح غائرة وحروق منتفخة في معظم أنحاء جسده المُنهك، وفق ما تم تداوله من صور في منصات التواصل الاجتماعي، الإثنين.
“وعرة بدون خدمات”
يوافق المغترب أحمد جمعان، ما ذهب إليه الوادعي، أنه اضطر إلى السفر من بلاده مراد جنوب مأرب، إلى منفذ الوديعة، 35 ساعة بلا نوم، مرورًا بمنطقة رداع البيضاء، وذمار، وصنعاء، ثم نزولًا إلى الجوف وصحراء الرويك، والتي تستغرق هي الأخرى خمس ساعات، إلى أن وصل إلى الخط الدولي الرابط بين اليمن والسعودية.
يضيف عبدالله في حديثه لـ”يمن مونيتور”: “من قبل كنت أسافر عبر طريق “مأرب الفلج مسار البيضاء –مأرب”، وبوقت لا يزيد عن 5 ساعات لأصلَ إلى منفذ الوديعة”.
وأضاف “اليوم يضطر المسافرون في اليمن المتجهون إلى منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، إلى سلوك طرق بديلة، وعرة، غير آمنة، وبدون خدمات”.
وأشار إلى أن الرحلة عبر الطريق الرسمي لمنفذ الوديعة بطول 507 كلم، من صنعاء، ومتوسط زمني لا يزيد عن سبع ساعات ونصف، في الظروف الطبيعية، ليس متاحًا. كما أن منفذ حرض –ا لطوال الحدودي مع السعودية، وبطول 282 كلم من صنعاء إلى منفذ الطوال البري السعودي، ومتوسط زمني لا يزيد عن خمس ساعات، في الظروف الطبيعية، كذلك غير متاح منذ بدء الصراع”.
وفيما تتزايد التحديات والصعاب أمام المسافرين في اليمن الذين يستهدفون الوصول إلى منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، فإنهم يُجبرون على اتخاذ طرق بديلة تعتبر خطرة وخالية من الخدمات الضرورية. ويعكس هذا الواقع الصعوبات الكبيرة التي يواجهها اليمنيون في السفر والتنقل عبر البلاد، وفقاً لجمعان.
ويشهد أحمد جمعان، أحد المسافرين، على هذه المعاناة، حيث كان مضطرًا للسفر من بلاده وقطع مسافة تبلغ 40 ساعة من السفر دون أن يحصل على أدنى فترة راحة، اضطر جمعان للسفر عبر مناطق عديدة تشمل رداع البيضاء وذمار وصنعاء، قبل أن يتجه إلى الجوف وصحراء الرويك، وهي رحلة إضافية تستغرق حوالي خمس ساعات، قبل أن يصل أخيرًا إلى الخط الدولي العبر ويتمكن من الوصول إلى منفذ الوديعة.
“طرق بديلة محفوفه بالمخاطر”
من جانبه، يؤكد عبدالله، آخر المسافرين أنه في السابق كان يستخدم الطريق الأصلي الذي يمتد من مأرب إلى الفلج، ولا يتجاوز زمن الرحلة خمس ساعات للوصول إلى منفذ الوديعة، ولكن الآن، يجد المسافرون أنفسهم مضطرين لاستخدام طرق بديلة طويلة ومليئة بالتحديات، بدلاً من الطريق السابق الذي كان يعتبر الأسرع والأكثر أمانًا.
ويشير إلى أن “المسافرين الذين يتوجهون إلى منفذ الوديعة الحدودي يجدون أنفسهم مضطرين للمرور عبر طرق وعرة وغير آمنة، وتفتقر إلى الخدمات الأساسية”.
“طرق غير آمنة”
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، قد وصف في آخر إحاطة له في مجلس الأمن الدولي، أن حرية الحركة تمثل تحديًا كبيرًا، فإغلاق الطرق نتيجة النزاع يجبر آلاف اليمنيين في كل يوم على اتخاذ طرق غير آمنة، كما يرفع أيضًا من تكلفة نقل السلع.
ودعا الأطراف اليمنية بالوقف الفوري للاستفزازات العسكرية والاتفاق على وقف شامل ومستدام لإطلاق النَّار على صعيد البلاد والاستعداد له.
وتواجه الحكومة اليمنية تحديًا كبيرًا في توفير طرق سالكة وآمنة للمواطنين الذين يسعون للوصول إلى المنافذ الحدودية الرئيسية، مما يزيد من المشقة والصعوبات التي يواجهها الشعب اليمني الذي يعاني من تداعيات الصراع المستمر في البلاد.
في ظل هذه الظروف القاسية واستمرار جماعة الحوثي للعام الثامن على التواصل في اغلاق الطرق الرئيسية، يظل المسافرون اليمنيون يأملون في أن تتحسن الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد، وأن يتم توفير طرق سالكة وآمنة تخفف من عبء السفر وتوفر الخدمات الأساسية للمسافرين الذين يسعون للعبور إلى الدول المجاورة.