المستشفيات العامة في تعز.. خدمة طبية تتحول إلى تجارة مُربحة (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
تفاجأ مرضى قصدوا المستشفى الجمهوري العام بمدينة تعز، بغرض العلاج، بارتفاع أسعار الخدمات الطبية فيه بشكلٍ كبير، إذ بلغت نسبة الزيادة في بعض الخدمات إلى أكثر من 300%، وهو أمر أثار استغرابهم، وقوبِل برفض الكثير من المراجعين وعاملين بالقطاع الصحي.
وخلال الحرب ارتفعت أسعار الخدمات الطبية المختلفة بشكل لافت في المستشفيات الخاصة، ولم يتبق للمواطنين سوى الجهات الصحية الحكومية لتلقي العلاج كونها الأقل تكلفة، لكنها تحولت إلى تجارة غير مشروعة تتجاهر بمعاناة المرضى المواطنين الفارين من جحيم المستشفيات الخاصة، بحثا عن دواء أقل تكلفه في مستشفيات حكومية يفترض تقديم خدماتها مجانا للمواطنين.
في هذا التقرير، نستعرض معكم، أوجه متعددة للفساد المستشري في المستشفيات العامة لمدينة تعز الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا، وكيف تحولت بفعل استمرار الحرب وغياب الرقابة والمسؤولية، إلى قطاع مشابه للقطاع الخاص، تجاره مربحة لكثير من الناس في الدولة، على حساب المرضى وآلامهم، نظير غياب أطر وقوانين الدولة التي باتت خارج حسابات هذه المرافق العامة.
“الملاذ الوحيد تصدم المرضى”
ومع توجه المستشفى الجمهوري بتعز إلى فرض أسعار العمليات الجراحية تقترب أو تزيد عن ما يجري في القطاع الصحي الخاص، وجد المرضى ومنهم محمد قاسم أنفسهم في حالة يأس، وتخوف من أن يمتد ذلك التوجه إلى باقي المستشفيات الحكومية بالمدينة التي يفرض الحوثيون عليها حصارا مطبق منذ نحو ثلاثة آلاف يوم.
يقول قاسم لـ”يمن مونيتور”: “مع الغلاء المعيشي الذي نعاني منه، لم يعد لدينا ملاذ للعلاج غير المستشفيات الحكومية، وإن ارتفعت أسعار الخدمات فيها، فإننا سنجد أنفسنا عاجزين عن تلقي الرعاية الصحية اللازمة عند مرضنا”.
وتابع: “هذا يعني أن أغلب المواطنين سيتدهور وضعهم بشكل كبير، لمجرد إصابتهم بمرض بسيط، كونهم لن يكونوا قادرين على العلاج، فهم أساساً لا يستطيعون توفير المتطلبات الأساسية لهم كالغذاء”.
والمستشفى الجمهوري التعليمي هو أحد المستشفيات الحكومية في المدينة وتبلغ طاقته الاستيعابية في الظروف الطبيعية قبل اندلاع الحرب حوالي 500 سرير وبكادر يقدر ب 600 موظف.
“خرق القانون”
وعن تسعيرة قسم الخدمات في المستشفى الجمهوري ووضعها القانوني، أكد الناشط الحقوقي والمحامي عبدالحليم المجعشي، أن التسعيرة التي كان الجمهوري قد بدأ العمل بها، هي خارج القانون المالي وموازنة الدولة، ومخالفة للدستور اليمني النافذ.
وأضاف في حديث لـ”يمن مونيتور”، أن المادة (13/ب) من القانون نصت أن “إنشاء الرسوم وجبايتها وأوجه صرفها وتعديلها والإعفاء منها، لا يكون إلا بقانون”، مشيرا كذلك إلى المادة ( 15) والتي ورد فيها أنه “يحدد القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجـراءات صرفهـا)؛ أي أنه لا يحق لا للمحافظ ولا للمدراء التنفيذين إنشاء رسوم على الخدمات.
“الطب التجاري”
ولفت المحامي المجعشي، إلى بروز خلال السنتين الأخيرة خصخصة المنشآت الصحية العامة أو المستشفيات العامة دونما إعلان، وباشرت ما أسماه “الطب التجاري”، فتحولت إلى مشافي خاصة من حيث المضمون والعمل الإداري والمالي، وكل ذلك خارج القوانين واللوائح النافذة.
وأوضح أن تلك المستشفيات تمارس عملها بتسعير خدماتها بأسعار كالمستشفيات الخاصة وأعلى في بعض الحالات؛ إذ يبلغ سعر عملية القلب المفتوح في مركز قسم القلب التابع للمستشفى الجمهوري العام 6000 دولار، والقسطرة القلبية 3000 دولار.
وأضاف أن التسعيرات الجديدة للخدمات، وبخاصة في قسم العظام بالجمهوري، بلغت قيمة نصف عملية مفصل صناعي مليون وثلاثمائة ريال، وتجبيس وتثبيت عظم اليد أو الرجل برسوم 80000 ألف ريال، وهو الذي عادة ما يقوم به طبيب الإسعاف والممرضين المختصين بالتجبير مجانا، منذ تأسيس المستشفى الجمهوري العام في خمسينات القرن الماضي.
وذكر المجعشي أن محافظ تعز لا يعترض على أي تسعيرة، لأنه عمل لنفسه منصب مستحدث، فهو رئيس مجلس إدارة مركز القلب والأوعية الدموية، برغم أن قانون السلطة المحلية لم ينص على أن يشغل المحافظ رئيس مجلس إدارات المؤسسات أو المشافي والمراكز الصحية.
واستطرد القول: “نظام مجالس إدارة المرافق الصحية ليس فيه مجالس إدارة، ولائحة وزارة الصحة العامة والسكان لم تنص على مثل هكذا منصب”. مستغربا من خرق القوانين النافذة من قِبل العديد من مدراء المستشفيات والمراكز الصحية منذ بداية الحرب.
“أوجه أخرى للفساد”
وحسب إفادة الناشط والمحامي المجعشي، فقد لوحظ فتح العديد من مدراء المستشفيات والمراكز الصحية، حسابات شخصية في مصارف وبنوك أهلية، بعيدا عن البنك المركزي اليمني الذي ينص عليه القانون، بزعم أن المنظمات المانحة تشترط عليهم ذلك.
وكشف عن قيام مدراء المستشفيات الحكومية، بفتح حسابات لتوريد الأموال من إيرادات المرافق إلى حساباتهم الخاصة، ولتوريد الرسوم غير المقررة وفقا للنظام المالي المعمول به في المستشفيات منذ زمن.
ونوه المجعشي إلى أن أي قرار إداري يصدره محافظ المحافظة رئيس المجلس المحلي، لا بد أن يتلاءم مفهومه مع مفهوم الدولة القانونية، فالقانون رقم (4) لسنة 2000م بشأن السلطة المحلية ولائحته التنفيذية حددا الولاية الإدارية، ومهام، واختصاصات المحافظ بدقة في المادة (41/8) التي نصت على أنه (يتولى المحافظ الإشراف على تنفيذ القوانين والسياسة العامة للدولة، في إدارته لشئون المحافظة في كافة المجالات، وتوجيه أجهزتها التنفيذية، وتنمية مواردها والمحافظة على النظام العام فيها، وله في سبيل ذلك ممارسة المهام والاختصاصات، ومنها “تعميم القوانين والقرارات والتعليمات الصادرة من السلطات المركزية على الأجهزة التنفيذية للوحدات الإدارية وكافة المعنيين بها ومتابعة تنفيذها”.
وبناء على ما سبق، يلاحظ الناشط المجعشي أن المحافظ ترك التسعيرة والجباية للموظفين الأدنى درجة، وهو اتخذ قرارات إدارية سلبية تجاه كل المخالفات بالصمت والسكوت عن تلك الممارسات التي يعاني منها المواطن.
“إلغاء القرار”
وكانت مصادر خاصة في ديوان محافظة تعز، كشفت لـ”يمن مونيتور”، عن قيام وكيل المحافظة بعقد اجتماع بهذا الخصوص، أفضى إلى تأكيد مستشفى الجمهوري تراجعهم عن قرار زيادة أسعار العمليات.
وبيَّنت المصادر أن أسعار بعض الخدمات الطبية مرتفعة كالعمليات في هيئة مستشفى الثورة العام التعليمي بتعز (حكومي)، وذلك لأنها تتبع رئاسة الجمهورية ولها صلاحيات في التعديل عليها، وهو ما لا يحق للمستشفيات التابعة لوزارة الصحة كالجمهوري، كون تسعيرة خدماتهم محددة.
وتعاني المستشفيات الحكومية والمرافق الصحية عموما في مدينة تعز، من تدهور الخدمات فيها بخاصة منذ اندلاع الحرب واستمرار الحصار الجائر من الحوثيين ضد المدينة وسكانها الأكثر كثافة على مستوى اليمن، فقد تدمرت العديد منها وتضررت أخرى، واعتمدت العديد منها على دعم المنظمات