نيويورك تايمز: تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية خطأ أخلاقي وسيزيد معاناة المدنيين لأجيال قادمة
يمن مونيتور/وكالات
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” افتتاحية عارضت فيها قرار الرئيس بايدن وإدارته تزويد أوكرانيا بأسلحة ممنوعة لمواجهة الغزو الروسي.
وتحت عنوان “المنطق الخاطئ في إرسال القنابل العنقودية إلى أوكرانيا”، قالت: “في المنطق القاسي للحرب، يبدو أن هناك منطقا قويا للهجوم الأوكراني المضاد الذي يتحرك ببطء ضد القوات الروسية المتحصنة بشكل جيد” وهي قنابل تطلقها المدافع من عيار 155 ميلميترا ومعبأة بـ 72 قنبلة خارقة للدروع وتقتل الجنود وتطلق من مدى 20 ميلا وتنشرها على مساحات أوسع.
وفي يوم الجمعة أعلنت إدارة بايدن أنها ستبدأ بنقل هذه الأسلحة إلى أوكرانيا، رغم رفض الكثيرين ومنها منظمات حقوق إنسان وحلفاء رئيسيون. وقال بايدن إن الولايات المتحدة ستواصل مد أوكرانيا بالقنابل من مخزونها الضخم لحين تغطية الإمدادات نقص القنابل المدفعية التقليدية لدى الأوكرانيين، وهي أسلحة رئيسية في حرب جامدة في جنوب وشرق أوكرانيا. ونظرا لنقص القذائف المدفعية بمعدلات عالية (مع أن الولايات المتحدة أرسلت منها مليوني قذيفة) فإن القنابل العنقودية قد تجبر القوات الروسية على الخروج من مخابئها وترك تحصيناتها على طول الجبهة الممتدة على 620 ميلا.
إلى جانب هذا، فروسيا تستخدم القنابل العنقودية منذ بداية الحرب وكذا أوكرانيا التي تستخدم قنابلها وتطلب المزيد من الولايات المتحدة. ويظل هذا منطقا خاطئا ومثيرا للقلق، ففي وجه الشجب العالمي للقنابل العنقودية والخطر الذي تمثله على المدنيين حتى بعد نهاية الحرب، فهذا ليس سلاحا تقوم دولة بتأثير وقوة مثل الولايات المتحدة بالترويج له. ومهما كان الحديث عن استخدام الأسلحة، أي سلاح لحماية بلد ما، مقنعا إلا أن النظام الدولي القائم على القواعد رسم خطا أحمر ما بين أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التي تترك أثرا خطيرا ودائما على غير المقاتلين. والقنابل العنقودية تقع تحت الفئة الثانية.
والسبب هو أن القنابل لا تنفجر كلها كما يجب، وهناك آلاف من الذخائر غير المنفجرة تظل لسنوات بل ولعقود، قبل أن يعثر عليها، أو يلاحظها طفل ويؤدي لانفجارها. والقنابل التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا تترك نسبة 40% منها غير منفجرة ومبعثرة في كل مكان، وستظل في مكانها خطرا على حياة الأوكرانيين، مهما كانت نتيجة النزاع. وكان هذا الخطر وراء تبني معاهدة القنابل العنقودية عام 2008، وقال الأمين العام في حينه بان كي مون إنها “لا تعبر فقط عن اشمئزاز العالم جميعا من هذه الأسلحة المقيتة، بل وعن قوة التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني والأمم المتحدة لتغيير المواقف والسياسات من التهديدات التي تواجه الإنسانية”، وحتى هذا اليوم، وافقت 123 دولة منها حليفة لأمريكا على عدم استخدامها أبدا. لكن ليس روسيا أو أوكرانيا أو الولايات المتحدة التي استخدمت القنابل العنقودية في العراق وأفغانستان.
وفي الحقيقة عارضت الولايات المتحدة المعاهدة وبشكل مكثف، وناقشت الصحيفة بافتتاحيتها في ذلك الحين “بصفتها الجهة الرافضة الرئيسية، فإن الولايات المتحدة تقدم الغطاء لدول مثل روسيا والصين التي رفضت الحظر. والمعاهدة ضعيفة لهذا السبب لأن هذه الدول الثلاث تملك مليار قنبلة عنقودية في ترسانتها وأكبر من الأسلحة التي يتوقع تدميرها”.
وفي دفاع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن القرار قال إن أوكرانيا لن تستخدم القنابل في أرض أجنبية بل وعلى أراضيها و”هؤلاء هم مواطنوها الذين تحميهم وهم مدفوعون باستخدام أي نظام أسلحة بطريقة تقلل الخطر على هؤلاء المواطنين”.
وفي الحقيقة فهذه مخاطر حقيقية، ففي تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش، أصدرته يوم الخميس، جاء: قادت القنابل العنقودية التي استخدمها الروس والأوكرانيون إلى وفيات عدة وإصابات أكبر. وأشارت المنظمة إلى قنابل عنقودية أوكرانية أطلقت باتجاه أزويم التي تسيطر عليها روسيا وأدت لقتلى بين المدنيين الأوكرانيين، مع أن كييف نفت أن تكون القنابل العنقودية السبب. وفي الوقت الذي يعود فيه القرار لأوكرانيا واختيار أي سلاح لاستخدامه، فلأمريكا القرار بشأن السلاح الذي تزودها به.
ومنذ بداية الحرب قاومت واشنطن إرسال أسلحة متقدمة خشية توسع مجال الحرب وعمليات انتقامية روسية، لكن مع طول أمد الحرب وثبات أوكرانيا، تخلت أمريكا وحلفاؤها عن الخطوط الحمر واحدا بعد الآخر، فقد وافقت واشنطن وحلفاؤها على توفير نظام باتريوت ونظام هيمارس الصاروخي طويل المدى ومصفحات أبرامز وقريبا مقاتلات أف-16. وهناك نقاش مشروع حول هذا الحجم من الدعم وإن كان علامة عن عملية زاحفة مثلما حدث في فيتنام وأفغانستان.
وإرسال القنابل العنقودية لأوكرانيا هو تصعيد للنزاع الذي ظل وحشيا وقاسيا. والقلق الأكبر هنا هو المشاركة في أسلحة شجبتها غالبية دول العالم بما فيها أقرب حلفاء أمريكا وأنها كريهة من ناحية أخلاقية ولا تميز في القتل الذي تتسبب به بعد انتهاء القتال. ويعتبر الدفاع المركزي لنقل هذه الأسلحة هو أن القنابل الصغيرة التي تفشل في الانفجار بعد إطلاق القنابل العنقودية أقل من ناحية النسبة، 2.35% مقارنة مع نسبة 40% بالنسبة للقنابل العنقودية الروسية.
وفي عام 2008 وضعت البنتاغون حدا بنسبة 1% للقنابل العنقودية التي لا تنفجر، ومنع الكونغرس منذ ذلك الوقت إنتاجها أو نقلها بسبب تلك النسبة. وحتى معدل 2.35 بالمئة يظل مضللا كما يقول جون إسمي في تقرير له بنيويورك تايمز، فالذخائر العنقودية ربما احتوت على نوع قديم بنسبة فشل 14% أو أكثر، بشكل يترك الأرض مليئة بالقنابل الصغيرة غير المنفجرة.
وتجاهل البيت الأبيض الكونغرس من خلال استحضار قانون الدعم الخارجي، الذي يعطي الرئيس فرصة لتجاهل القيود على تصدير السلاح لو اعتبر أن هذا مصلحة قومية. وشجب عدد من أعضاء الكونغرس تصدير هذه الأسلحة وسيضيفون تعديلات إلى ميزانية الدفاع السنوية بحيث تحظر تصدير كل القنابل العنقودية.
وتستدرك الصحيفة قائلة إن مجلس تحريرها طالما دعم تزويد أوكرانيا بالسلاح، فهي تقاتل غزاة يستخدمون كل أنواع السلاح بما فيه القصف غير المميز للأهداف المدنية، ولهذا فهي بحاجة وتستحق المساعدة. لكن تقديم أسلحة أجمع معظم العالم على شجبها هو خطأ، فقد بدأت الولايات المتحدة تتحرك وبحكمة بعيدا عن استخدام القنابل العنقودية.
وتزويد أوكرانيا بأسلحة كهذه سيقوض واحدا من الأسباب الرئيسية لدعم أوكرانيا وهو دعم الأعراف التي تدعم الاستقرار والسلام في أوروبا، وهي أعراف خرقتها روسيا بشكل صارخ. وتشجيع استخدام هذه الأسلحة قد يقوض دعم الحلفاء الذين مشوا حتى هذه اللحظة خلف القيادة الأمريكية. وربما أعطت القنابل العنقودية أوكرانيا منفعة قصيرة الأمد إلا أن هذه لن تكون حاسمة وستكون أقل من المعاناة للمدنيين في أوكرانيا ومن المتوقع أن تستمر لأجيال قادمة.
ترجمة: القدس العربي