المشاريع الصغيرة في اليمن: أزمات تعصف بالقطاع أهمها الإهمال الرسمي
يمن مونيتور/العربي الجديد
يبدي الثلاثيني زاهر توفيق امتعاضه من الطريقة التي يجرى التعامل بها مع المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة من قبل السلطات المعنية في اليمن، في ظل أوضاع صعبة وحرجة تتطلب دعم ومساندة أي أعمال وأنشطة اقتصادية في سبيل توحيد كل الجهود الهادفة للتخفيف من الفقر والبطالة والأزمة الغذائية.
يقول توفيق، وهو مالك مشغل متخصص بالخياطة والحياكة والتطريز، إن مشغله يستوعب أكثر من 30 عاملاً كان أغلبهم على رصيف البطالة وجرى الأخذ بيدهم، وفق تعبيره، وتأهيلهم وإتاحة الفرصة لهم للعمل وإنقاذ ما أمكن من الوضعية المتدهورة لأسرهم، لكن السلطات المعنية، كما يتحدث توفيق لـ”العربي الجديد”، لا تنظر غلى هذا الجانب المهم، بل تثقل على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالجبايات والإتاوات والمضايقات والاشتراطات التي لا حدود لها.
في حين يوضح صلاح الأبي، الذي يدير مشروعاً خاصاً بالتسويق والإنتاج الزراعي، لـ”العربي الجديد”، أن الكثير من المشاريع والأنشطة المجتمعية والاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، خاصة العاملة في القطاع الزراعي وإنتاج الغذاء، لم تعد قادرة على الاستمرار في ظل الأوضاع والظروف التي يمر بها اليمن، وتقلص الحافز لدى رواد الأعمال، وتتسبب كذلك في انخفاض إنتاجية الأيدي العاملة.
وفيما تبين تقديرات صندوق النقد الدولي انخفاضاً هائلاً في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنحو 50 في المائة خلال الفترة 2014-2022، ترصد “العربي الجديد” تهاوي الإنتاجية والنشاط الاقتصادي في اليمن، خصوصاً إنتاجية العمل والمشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة والأسرية، بفعل الأزمات الاقتصادية وانحدار العملة المحلية.
ويضاف إلى المشكلات تفكك السياسة المالية والنقدية والمصرفية، إضافة إلى محدودية الابتكار وعدم فاعلية تخصيص الموارد وتبعاتها في انخفاض مستويات الإنتاجية الإجمالية، التي كانت ضعيفة قبل الحرب في البلاد العام 2014، بالرغم من كونها المحرك الرئيس للثروة وخلق فرص العمل.
وفقاً لمؤشر رأس المال البشري للبنك الدولي، من المتوقع أن يصل الطفل المولود في اليمن في عام 2020 إلى 37 في المائة فقط من إمكاناته الإنتاجية طوال حياته لو حصل على تعليم كامل وصحة جيدة.
يعتقد الباحث الاقتصادي جمال راوح، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن المشكلة الأبرز في هذه القضية تتمثل في تدمير رأس المال الثابت، وتركز الصراع في الجانب الاقتصادي متسبباً بتدهور إنتاجية العمل والأنشطة، التي أصبحت نتيجة لذلك تواجه عدة أزمات مركبة، بحسب كل منطقة توجد فيها، كشحة الموارد والتضييق من قبل السلطات وإغلاق الطرقات وتكاليف الوقود وتقلص الخدمات العامة، إضافة إلى عوامل أخرى كان لها تأثير بالغ في تراجع النشاط الاقتصادي وتدهور القطاع الزراعي، أهم القطاعات المشغلة للأيدي العاملة في اليمن، وانخفاض إنتاجيته.
تفرض كل هذه التحديات والمتغيرات وتدهور الإنتاجية على أهم القطاعات الاقتصادية في اليمن تصميم منهجية جديدة للتعامل مع قضية الأمن الغذائي في البلاد، وتحويل التركيز القائم على القمح إلى الأمن الغذائي الشامل، إضافة إلى تعزيز قدرات الصمود في وجه الصدمات من خلال تنويع الواردات الغذائية والإنتاج الزراعي والحيواني المحلي، وفقاً لراوح.
ويلفت راوح إلى أهمية استعادة شبكة النقل البري في اليمن وفتح الطرق السريعة الرئيسية المقطوعة، باعتبار ذلك أمراً بالغ الأهمية لدعم التعافي الاقتصادي وتعويض الخسائر المتراكمة التي تكبدها القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة والمتوسطة أثناء الحرب، وتعزيز الإنتاج المحلي والتجارة والاستهلاك الخاص والاستثمار.
الباحث في الاقتصاد الاجتماعي بشار الأصبحي يقول، لـ”العربي الجديد”، إن اليمنيين رواد مهن منذ القدم، وهناك إرث حضر جزء مهم منه في الأوقات الحرجة مع تعاظم وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، التي كشفت عن المشكلة الرئيسية في اليمن في العقدين أو الثلاثة الماضية نتيجة تحول راتب الوظيفة العامة كمصدر شبه وحيد للدخل للكثير من الأسر اليمنية، لافتاً إلى التحول الموازي الإجباري الذي حدث خلال السنوات الأربع الماضية مع اتجاه العديد من الأسر إلى العمل لحسابها الخاص في المشاريع الأسرية كاستراتيجية للتكيف.
ويدعو الأصبحي جميع السلطات المعنية في اليمن إلى دعم ومساندة مثل هذه الأنشطة والمشاريع التي تتأثر بتبعات الصراع واهتزاز واضطراب وتدهور الاقتصاد الوطني، محذراً من مشكلة فقدان الحافز لدى رواد هذه الأنشطة والعمال بسبب البيئة الصعبة التي يعملون فيها والصراع وممارسات السلطات والتضخم والأزمات الغذائية، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وانعدام فرص التطوير والاستمرارية لهذه المشاريع.
وتتضمن متطلبات تحسين النمو والإنتاجية في اليمن؛ وفقاً للأصبحي، تسهيل الاستثمار الخاص، وإعادة بناء البنية التحتية ورأس المال البشري، وتعزيز قدرة الحوكمة، وإضفاء الطابع الرسمي للشركات الصغيرة نظراً إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه في تحسين تحصيل الضرائب وتعزيز بيئة أعمال أكثر تنافسية.