صنعاء مدينة مفتوحة؛ نعم، لكنها مفتوحة على كل التوجس والقلق.. ستعيش عمرك كاملا فيها، وربما لن تسمع فيها حتى ما يشي بكونك لست من أهلها.. لكنك على الدوام مأخوذ بإحساس: “لا تغادر، كل ما حولك غادر”!!
صنعاء مدينة مفتوحة؛ نعم، لكنها مفتوحة على كل التوجس والقلق.. ستعيش عمرك كاملا فيها، وربما لن تسمع فيها حتى ما يشي بكونك لست من أهلها.. لكنك على الدوام مأخوذ بإحساس: “لا تغادر، كل ما حولك غادر”!!
فهذه المدينة التشكيلة لطالما نبهك خليطها أنك عابر، ولعل في حضورها الخاص ما يجعلك تتماهى مع محمود ياسين في “التوغل في أرض الأعداء”.
مفتوحة هي للخوف؛ ذلك الخوف المستمر والخفيف، وهو نوع يؤلف ويتعايش.. ولأنها المركز تصبح بحكم لقمة العيش محبوبة وبديلا عن محافظة المولد وذكريات البدء..
لكن خوفا ما لابد أن يكون معك “مرافقا في السفر”! ولها لسان لبق يذكرك دوما بـ”ترميم بيتك في البلاد”، ويجعل جزءا من أمانك مرهون بهكذا ترميم!! هل اكتنزت صنعاء خوفا تاريخيا يجعلها تهديه ببذخ لكل العابرين؟! ربما.
“مفتوحة” هذه التي استهلكت مؤخرا بفعل مناطقية طفحت في محافظات كثيرة مرت منها آلة الموت، لم تلتفت لمنبع كل ذلك الخراب غير المسبوق الذي حل عليها، والذي جعلها تتوجس من واحدة من الجهات الأربع أو الاثنتين!
لا شيء يبرر أن يغدو الضحية مجرما كعدوه، ولا مناطقيا ملتحفا ببؤس الهويات الزائفة والصغيرة والمستعجلة المنسوجة نفسيا من لحظات الضعف والخوف ومرارة “ظلم ذوي القربى”، لكن المدن المتباهية بكونها مفتوحة لو ذاقت العكس، لغدا حرف الجيم غير المعطش وسيلة فرز، لا تنفع معه حتى البطاقة، وقد كان هذا ذات بؤس.
في لحظات الأمان بإمكان كثيرين ادعاء أدوار البطولة، بيد أن من علقت النار بأطراف ثوبه ينسى لفترة كل الإنسان الذي كان عليه، وينقذ ذاته بالغريزة الأولى وبكل ما يصاحبها عادة!!
أما عن الخوف الكبير فلقد مرت على ساكن صنعاء من غير الطائفة الحاكمة ليالي لو وزع خوفها على ما تبقى من العمر لكفى!
يتعاظم إحساسك بالغربة فيها في وقت قصير جدا، تبدو فجأة وكأنك شذوذا برز فجأة في المكان والزمان الخطأ! تخرج العملة المعدنية من جيبك لتتأكد من أنك في ذات الزمن، ولست محتاجا لتتساءل: كم لبثنا؟!
ليس للمقتول ترف الوقت كي يبحث أكثر في أخلاقية اختياراته- ولست أبرر أيضا- كما أن ملامح القاتل تبدو مشوشة لديه.. أما القاتل نفسه، فلديه كل الوقت كي يتباهى وينافح عن الأخلاق والرجولة، ويمسح خنجره الملوث في ذات الوقت. علقنا نحن، الذين غدونا قتلة عند البعض، وغرباء عند الآخرين!!! هل وصل الأمر بنا إلى أن نستخدم مفردة الآخرين!
لا أظن.