معاناة اليمني في وطنه ورحلته بين غربتين
يمن مونيتور/الشرق الأوسط
صدرت مؤخراً للروائي والشاعر السعودي سعد الغريبي رواية «قبل أن يوصد الباب» عن النادي الأدبي في الباحة، طباعة مؤسسة الانتشار العربي في الشارقة.
تتناول الرواية الأحداث السياسية التي مرّ بها اليمن منذ ستينات القرن الماضي، خلال اندلاع ثورة 26 سبتمبر (أيلول) عام 1962 ضد النظام الملكي في شمال اليمن، والحرب التي استمرت ثماني سنوات، بعد انقلاب المشير عبد الله السلال، ثم دخول البلاد في مرحلة الفوضى، بعد سلسلة انقلابات وصراعات داخلية واغتيالات حتى وصول علي عبد الله صالح للسلطة في يوليو (تموز) 1978.
أجواء الاضطراب السياسي تهيمن على الرواية دون أن تحوّلها رواية سياسية. فهي تتخذ من بطل الرواية (حسن قايد) محوراً للحديث عن معاناة اليمني في بلاده، ثم غربته عبر مسارات الأحداث العاصفة التي مرّ اليمن.
تطرح «قبل أن يوصد الباب» قضايا الهوية والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تلقي بظلها الثقيل فترسم مسارات الأحداث داخلها. وهي مقسّمة غربتين: «غربة أولى» تبدأ من صنعاء القديمة، حيث السياسة وأخبار الانقلابات وتدّخل عبد الناصر لدعم الجمهوريين؛ حديث المجالس، الذي يكشف عن ضغط السياسة على حياة الناس ومعيشتهم. يقول أحدهم أثناء حصار صنعاء: «كنا من قبل منقسمين بين مؤيد للإمامية ومؤيد للجمهورية، والآن صرنا نؤيد من يفّك عنا الحصار، وليحكمنا من يستطيع الإفراج عنّا».
ومعه انتهاء الحصار بعد سبعين يوماً (حصار السبعين) بعد هزيمة الملكيين، يستأنف البطل مساعيه للارتحال نحو الجار الثري (السعودية) التي يتطلع للوصول أبناء جيله للبحث عن فرص أفضل للحياة. لكنّ «حسين قايد» يصل إلى السعودية بوثيقة مزورة، وستظل هذه الهوية عائقاً أمامه كلما تقدّم في مسالك الحياة.
وبسلاسة تستعرض الرواية قصة اليمني الذي يندمج في المجتمع السعودي ويعمل صحافياً ويرتبط بعلاقة حبّ مع إحدى الفتيات من المجتمع المحلي (جواهر) لكن بطل الرواية (حسن قايد) يصطدم برفض أسرة الفتاة تزويجها من يمني بسبب ما يعدّونه «عدم كفاءة النسب»: «هل نسيتَ من أنتَ؟، أو تظن أنك صرت ابن الشيخ حمزة بمجرد أنك عملت عنده صبياً منذ طفولتك؟»… «أنا لا أتحدث عن الجنسية. لا يذهب بك التفكير إلى أنني عنصري. وأني أردّك لأنك يمني». (ص 102).
المرارة التي يحملها حسين أنه رُفض لانتمائه لأسرة أقلّ مستوى، بحسب الوثيقة المزوّرة التي يحملها، إلا أنه في الحقيقة: حسين حمود منصور، رفيع النسب في بلاده، ووالده من كبار الشخصيات في صنعاء، أما الاسم الذي يحمله «حسين أحمد قايد»، ضعيف النسب فهو مجرد اسم لازمه في وثيقة السفر.
باب الرواية يظل مشرعاً لتفسير عنوانها… فماذا أراد الكاتب من هذا العنوان: «قبل أن يوصد الباب»؟
تنتهي الغربة الأولى بعودة اليمنيين إلى بلادهم بعد انحياز علي عبد الله صالح إلى الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد الكويت.
في «الغربة الثانية» يعود اليمني مرة أخرى إلى السعودية، يفتش عن الأمل، لكن بوعي مختلف وخبرة متراكمة، وبشخصيته الحقيقية، حيث يندمج سريعاً في البلاد التي أحبها. حتى تلاحقه أعباء السياسة من جديد، لتأتي الأحداث التي شهدتها البلاد في 2011 وما تلاها من عزل صالح وسيطرة الحوثيين على البلاد، لتضغط على كاهل المغترب اليمني، ليستشهد بعدها بمقولة الشاعر اليمني ياسين البكالي: «من غصة التاريخ حتى نهدتي / وطنٌ عجزنا أن نراهُ جميلاً». (ص 228).
تقول الرواية على لسان بطلها: «هل من الضروري أن يموت الإنسان في بلده؟، أليست الأرض كلها لله؟، وهل يستحقُ وطنٌ كوطني التضحية بالجنة التي أعيش فيها؟ وهل الوطن ترابٌ وحجر؟ ألا يمكن أن يكون الوطن من لحم ودم، وجسمٍ وروحٍ». (ص 229).
تنتهي الرواية بإصابة البطل بفيروس كورونا، وهو يوصي رئيس تحرير الصحيفة التي عمل فيها أن يتولى طباعة روايته هذه، أما حقوقه المالية، فإنه يعجز عن تحديد مستحقين من عائلته سوى أبناء شقيقاته في منافٍ أخرى.
لكن باب الرواية يظل مشرعاً لتفسير عنوانها، فماذا أراد الكاتب من هذا العنوان: «قبل أن يوصد الباب»، ربما قصد منه خشيته أن يوصد باب الدخول إلى المملكة الجارة، حيث هي محط آمال اليمنيين وحاضنة أحلامهم. ففي غربته الأولى كما في الثانية كانت السعودية حاضنة تطلعاته لبناء مستقبل أفضل وللهروب من شقاء الصراعات.
المصدر: الشرق الأوسط