الغرب ليس ليبراليا في اليمن ولا في سورية، إنه مجرد قاتل محترف وصليبي متعصب، ويجتر تاريخا من الصراع العقائدي والحضاري، ولم يخف أبدا نيته في استدعاء النسخة المعاصرة من إسماعيل الصفوي متجسدا في عمائم إيران وتوابعها من المليشيات والأحزاب الطائفية. الغرب ليس ليبراليا في اليمن ولا في سورية، إنه مجرد قاتل محترف وصليبي متعصب، ويجتر تاريخا من الصراع العقائدي والحضاري، ولم يخف أبدا نيته في استدعاء النسخة المعاصرة من إسماعيل الصفوي متجسدا في عمائم إيران وتوابعها من المليشيات والأحزاب الطائفية.
كان اليمن على وشك إنجاز نموذجه الأهم في المنطقة للانتقال السياسي، وكاد أن يعطي انطباعا بأن الثورة من أجل التغيير ليست جائحة، بل ظاهرة إنسانية حضارية، وتستدعيها الضرورة، عندما يستنفد الناس كل حيلهم لإصلاح النظام السياسي، والحصول على منظومة حكم رشيدة عبر الحوار مع الأنظمة الحاكمة.
لكن اليمنيين شعروا بالخذلان من جانب الغرب الذي لا طالما استعرض مهاراته خلال السنوات السابقة للربيع العربي في تسويق نموذجه للديمقراطية الليبرالية، الذي أراده وصفة سحرية لتجاوز عثرات الأنظمة ومشاكل المنطقة وتحدياتها الاقتصادية والأمنية، مستغلا استشراء ظاهرة الإرهاب التي حشد لها كل الإمكانيات.
لقد تآمر الغرب على ثورة التغيير في اليمن، وضحى بالإنجاز الأهم الذي كاد أن يتحقق، وهو التحول الديمقراطي عبر الوفاق والحوار، الذي ارتضاه اليمنيون حلا هجينا بين الثورة والإرادة السياسية.
اليوم يعاود هذا الغرب تنفيذ خطته في الالتفاف على المكاسب التي تحققت للسلطة الشرعية وللطيف الواسع من الشعب اليمني الذي يريد استعادة دولته واستئناف عملية الانتقال السياسي وصولا إلى مرحلة الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم.
يريد تحقيق ذلك عبر تبني مقترح ممثلي المليشيا الانقلابية، القاضي بتشكيل حكومة شراكة قبل أي خطوة أخرى بما فيها خطوات بناء الثقة، لا يريدون حل الأزمة اليمنية على قاعدة استعادة الدولة وتحقيق الشراكة والعدالة والإنصاف والانتقال الحقيقي والآمن نحو مرحلة الدولة الاتحادية، بل يريدون إبقاء اليمن رهينة الصراعات المستقبلية.
يجب ألّا نسمح للانتهازية الأوروبية والأمريكية المفضوحة في أن تستمر في تسويق حلولها الخاصة على أزمة لا يكتوي بنارها سوى اليمنين وجيرانهم.. فهذه الحلول هي التي أفسدت عملية الانتقال السياسي، وأشعلت الحرائق في كل مدن اليمن وقراها وشردت الملايين ووضعتهم في دائرة الفقر والعوز وفي دائرة الاتهام أيضا.
دعونا نكون واضحين بإزاء هذه الانتهازية، ونقول لها، إن مواجهة الإرهاب بحسب التوصيف الأمريكي والغربي، ليست هي المعركة الأولى للشعب اليمني، ولا يجب أن تسبق معركة استعادة الدولة، ولا يمكن أن نحارب الإرهاب ثم نقوم بعد ذلك بتصميم الدولة التي نريد.
إن الغرب يحاول أن يبقي اليمنيين وقود معركته الخاصة بغض النظر عن الخسائر الهائلة التي يدفعها هذا الشعب من حياته ومقدراته، إنها معركة تفتقد إلى العدالة وإلى الأخلاق في المقام الأول.
نريد الحروب الجانبية ضد الإرهاب والفوضى أن تتم بإشراف الدولة، وبشراكة مجتمعية كاملة، وليس عبر الاستعراضات التي تتم هذه الأيام، ثم بعد ذلك يدفع الأبرياء الثمن، ولا نريدها كذلك، عبر تفويض المليشيا التي ليس لديها من مشروع سوى فرض دولتها الكهنوتية التي سيتحول اليمنيون معها إلى مجرد رعايا مقهورين في ظل سلطة لا تكترث بالقيمة العظيمة للمواطنة وللحرية والمساواة.
ما نراه من موقف للحكومة حتى الآن، يبدو قويا، وأعتقد أن هذا الموقف القوي، لن يسمح بتمرير مخطط إسقاط الشرعية بالأدوات السياسية كما تخطط لذلك إيران بتنسيق واضح من القوى الغربية.
ولهذا لا أعتقد بأن مشاورات الكويت سوف تنجح، وقد يأتي شهر رمضان المبارك وهي تراوح مكانها، والأرجح أنها ستنفض دون تحقيق أي نجاح، ودون أن يعلن عن أي فشل أيضا، أي ربما قد يتم التوافق على الإبقاء عليها مفتوحة، أو على الأقل إبقاء استعداد الأطراف على خوض جولة أخرى قد تكون في الكويت نفسها وقد تكون في عاصمة عربية أخرى.
وقد كشف عضو في الوفد الحكومي في المشاورات، عن إمكانية استئناف المشاورات في العاصمة السعودية الرياض، وهذا يؤشر في حقيقة الأمر إلى وجود طبخة موازية لا تتوفر معلومات بشأنها حتى الآن، لكنها لن تتجاوز الثوابت التي يتمسك بها التحالف والحكومة.
لكن إن حدث ورضخ التحالف للضغوطات الغربية بشأن ضرورة إبقاء الباب مفتوحا لدور ما للحوثيين في اليمن، فإن صفقة كهذه من شأنها أن تجعل الأزمة اليمنية رهينة مرة أخرى لأنصاف حلول خطيرة، ستجعل منها ملفا مفتوحا على أزمات أكثر تعقيدا وعلى جولة عنف أكثر دموية وتداعيات أكثر خطورة على الأمن الإقليمي والدولي.
لا أحد بمقدوره أن يدعي فهم ما يدور في الكويت، رغم وضوح التصريحات الصادرة عن الجانب الحكومي حول أسباب تعثر المفاوضات وحول جدول الأعمال الذي يريد الانقلابيون فرضه على المشاورات، وإلى أن يتحقق شيء ملموس ذي قيمة، ستبقى هذه المشاورات ومآلاتها في إطار التصورات والتوقعات الذهنية المجردة.
ينبغي أن ينصرف ذهن المراقب إلى التطورات الميدانية، فالمواجهات العسكرية ازدادت اشتعالا وتصاعدت حدتها، وأصبحت الهدنة مجرد اسم فقط لا أثر لها في معظم جبهات القتال.
هناك تحشيد تقوم به المليشيا في مختلف الجبهات، تقابله استعدادات من جانب الجيش الوطني، وهناك مواجهات واشتباكات تترتب عليها تغييرات في الوقائع الميداني، وهناك تدفق للتعزيزات العسكرية من المملكة إلى اليمن، وهذا التحول الخطير في الميدان العسكري، يحمل على الاعتقاد بأن الحرب إن لم تكن هي السبيل الوحيد للحسم فإنها ستؤثر حتما في قناعات طرفي المشاورات.
لا أحد يستطيع التكهن بما يخبئه التحالف العربي بشأن تقرير مصير الأزمة في اليمن، وإلى أي مدى يمكن للحل العسكري أن يُعيد فرض نفسه كخيار ضروري من أجل التغلب على المظاهر الخطيرة للأزمة اليمنية. إلا أن منطق العقل وما يصدر عن بعض المصادر الموثوقة يؤكدان بأن السعودية لن تسمح بوجود تهديد على حدودها اسمه مليشيا الحوثي، تقوم بدورا يشبه دور حزب الله اللبناني.
يمكن البناء على هذه القناعات، في الإبقاء على بصيص أمل في إمكانية حل الأزمة اليمنية دون خسائر مستقبلية قد يتعرض لها اليمنيون، وإلا فإن ترحيل الأزمة بالإبقاء على أسبابها، لن يُبقي الكارثة محصورة في الجغرافيا اليمنية بل سيجعل أثرها عابرا للحدود وهذا ما تعيه السعودية جيدا.
لا يمكن إذا فهم الدور المشبوه لبعض الدبلوماسيين الغربيين المتواجدين في الكويت، إلا أنه يأتي في سياق الحرص على إبقاء دور المليشيا، مدججا بالسلاح وبالحالة العصبوية والمذهبية ذاتها، في بلد لا يحتمل كل هذا العناء.
نقلا عن عربي 21