صانعات البخور في عدن… رائحة الشرق العتيق القادمة من اليمن
يمن مونيتور/رصيف 22
هل اختبرتم رائحة البخور العدني من قبل؟ إذا لم تفعلوا بعد فقد فاتكم شكل من أشكال سحر الشرق… أنواعه كثيرة وأسعاره بالطبع، وتتفاوت بحسب الجودة ما بين 3.5 إلى 100دولار للقرص الواحد.
كذلك تتفاوت مدة طبخ الأصناف من نوع إلى آخر، فبعضها يستغرق طبخه قرابة الساعتين، في حين يوجد أصناف تحتاج بقاء العود منغمساً في العطور لمدة شهرين قبل طبخها، في وقت يحتاج الأخضر الملكي من ستة أشهر إلى عام حتى يتم تعتيقه.
يوجد زهاء أربعين نوعاً من أنواع البخور العدني، من أبرزها البخور الملكي، والعود الملبس، وبخور زمان، وبخور جنات، وبخور الشرق، وبخور عرائسي، وبخور عطر البخور، وبخور مذهلة، وبخور العروس.
يصدر عالمياً
دفع الشغف وعشق البخور هبة ناظم لإطلاق أول مشروع تجاري استثماري لمنتج البخور العدني، وذلك من خلال تأسيس مركز “هبابة للبخور والعطور” الكائن في منطقة المنصورة وسط مدينة عدن جنوب البلاد، في تجربة نسائية فريدة في هذا المجال.
يوجد حوالي 40 نوعاً من البخور العدني، أبرزها البخور الملكي، والعود الملبس، وبخور زمان، وبخور جنات، وبخور الشرق، وبخور، وبخور مذهلة، وبخور العروس
يقتصر التوزيع واستثمار منتج البخور العدني وفق هبة على الأسواق المحلية حالياً، مع توزيع محدود في النطاقين الدولي والأقليمي عبر البريد، وشركات النقل الوسيطة، بيد أن عدم استقرار أسعار الصرف، وضعف القوة الشرائية للريال اليمني، وهجرة الفئة المستهدفة للخارج، كل هذه المعطيات كان لها أثر كبير على منحنى المبيعات.
اتخذت هبة قراراً بتسعير منتجها من خلال نظامي صرف؛ بالعملة الأجنبية والعملة المحلية، لوجود سعري لصرف العملة تبعاً لسيطرة الأطراف في اليمن، فساهم قرار التسعير بالعملة الأجنبية والمحلية في التخفيف من بعض المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار الصرف . ويُظهر آخر إحصاء للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والذي تم في اليمن قبل اندلاع شرارة الحرب أن نسبة العاملات اليمنيات في سن العمل بلغن 5% في حين كان معدل المشاركة للمرأة في القوى العاملة ككل 6%.
وفق مركز صنعاء ذاته كانت الشركات المملوكة للنساء أكثر تضرراً من الشركات المملوكة للذكور في العام 2015.
في العام 2019 أظهرت دراسات المركز أن تراجع مستويات محو الأمية بين النساء إلى تقييد فرص عمل اليمنيات، حيث بلغت نسبة اليمنيات 55% مقارنة 85% من الرجال.
استئناف العمل بصناعة البخور
أوقفت أم معين وهي إحدى الرائدت في إنتاج البخور والعطر العدني عملها خلال موجة كورونا، والتي حدّت من قدرات التسويق للمُنتج، لتعاود مؤخراً استئناف عملها، بيد أنها اصطدمت بتدهور العملة المحلية ووجود فارق سعر الصرف بين مدينتي صنعاء وعدن حيث يزداد حجم المتعاملين معها في مناطق شمالي اليمن. لكن سهّلت عليها وسائل التواصل الاجتماعي عملية التسويق، نظراً لأن فتح المراكز فيه كلفة مادية مرتفعة، ومعظم النساء يبعن منتجاتهن بأقل كلفة.
تقول لرصيف22 إن النساء في عدن قهرن الوضع سواء بصناعة البخور أو بغيره من الأعمال الممكنة، فلا توجد أسرة في عدن إلا وتشتغل فيها النساء أكثر من الرجال.
وفق مركز صنعاء كانت الشركات المملوكة للنساء هي الأكثر تضرراً من الشركات المملوكة للذكور ، بالرغم من أن عدد الشركات المتضررة أقل بكثير حيث كانت تمثل 4% من جميع الشركات في قطاع التجارة والخدمات والصناعة، وقد ارتفع هذا المعدل الى42% من الشركات المملوكة للنساء .
تقول كلثوم ناصر سيدة الأعمال وعضو الغرفة التجارية في عدن إن عدد مالكات المشاريع الصغيرة تجاوز الألف، في حين كان العدد لا يتجاوز 150 عضوة، موضحة أن تزايد رائدت الأعمال في عدن دفعهن لتأسيس اتحاد مالكات المشاريع الصغيرة في العام 2016 لمساعدتهن في إدارة مشاريعهن التجارية من خلال تحويل المهارات التقليدية لمشاريع تجارية.
منافسة من البخور الخليجي
امتهنت مريم محمد صناعة البخور العدني قبل عشر سنوات عن طريق إحدى قريباتها الذي يواجه منافسه شرسه أمام البخور الخليجي و الكمبودي بيد أن التجديد والتطوير ساهم في بقاء البخور العدني منافسا أمام المنتجات الأخرى.
بدأت مريم صناعة العود في منزلها وتوزيعه لقريباتها، ثم افتتحت خط تسويقي عبر ابنتها التي تعيش في بريطانيا حيث يلاقي البخور هناك رواجا بين نساء الجاليات العربية
بدأت مريم بصناعة العود في منزلها وتوزيعه لقريباتها، ثم افتتحت خط تسويقي عبر ابنتها التي تعيش في بريطانيا حيث يلاقي البخور هناك رواجاً بين نساء الجاليات العربية بشكل عام، على الرغم من تراجع الترويج عن سابق عهده بسبب رواج أنواع أخرى من البخور.
تقول أم معين صاحبة “التيماء للعطور والبخور العدني” إنها من قامت بتجديد البخور العدني من خلال صناعته بعدة روائح قبل ثمان سنوات، وأنه لقي إقبالاً كبيراً بين المستهلكين، لا سيما البخور برائحة الفل، وبالخور بالروائح الفرنسية، بالإضافة إلى البخور الرجالي الذي يعد الأكثر مبيعاً حتى اللحظة.
وتسترسل في الحديث عن البخور الملون الذي أطلقته منذ تسع سنوات اليمن، حيث يتم بيعه في جميع محافظات اليمن وبعض الدول في علب زجاجية كبيرة الحجم، لكن تدهور العملة وارتفاع السعر وضعف قدرات الناس الشرائية ، أدى إلى تقليص حجمها حيث تباع في عدن بسعر 3 دولارات، وفي صنعاء بسعر 1.5 دولار.
ظل السكر عامل الربط لتماسك المكونات الأخرى في صناعة البخور بحسب هبه ناظم حيث تقول عن طريقة صناعته أنه عندما يصل السكر لمستوى الغليان تتم إضافة العود ودقة العود المعطر إليه، وهو خشب ذو قيمة عالية لرائحته المنعشة، ثم تتم إضافة الزيوت الأساسية لتعزيز الرائحة ثم يتم وضع المسك لإضافة العمق والتعقيد للرائحة، وبعدها يضاف إليها العنبر الطبيعي وهو من أهم العناصر التي تضيف رائحة دافئة وترابية إلى البخور، ثم تمزج هذه المكونات بعناية لإنشاء بخور عطري فريد من نوعه يمكن استخدامه للتأمل والاسترخاء.
طبخ البخور
تقول هبة: “المنافسة مع المنتجات الخليجية كانت ولا زالت تحدياً كبيراً يواجه البخور العدني في قدرته على البقاء والتنافس في السوق، وهو الأمر الذي دعانا للتركيز على بناء علاقات قوية مع موردينا وعملائنا، والاستثمار في التدريب المستمر والتطوير وابتكار منتجات تمكننا من البقاء في صدارة المنافسة”.
اتخذ مركز هبابة من البحث طريقة لتحديد نقاط القوة والضعف في المنتجات، ما ساهم في تطوير المنتجات والابتكار والتصميم والتغليف وتحسين جودة المنتجات باستخدام مكونات عالية الجودة وتقنيات إنتاج إبداعية، وبناء الوعي من خلال الانشطة الإعلانية والترويجية من خلال الوسائط الاجتماعية.
تمضي ناظم في حديثها لرصيف22 بالقول: “كان من الصعب لدينا استيراد المواد الخام ومواد التعبئة والتغليف من الخارج، خاصة في ظل الظروف الراهنة في البلد، حيث رفعت شركات التأمين رسومها وأدى تقلب الأسعار باستمرار ، فالصراع زاد من صعوبة نقل المنتجات إلى مناطق مختلفة، وأدى عدم الاستقرار السياسي وتقلب أسعار الصرف إلى إغلاق خدمات البريد الدولية”.
بينما ترى د. أشجان الفضلي أستاذة علم الاجتماع المساعد في جامعة عدن أن هذه المهنة أسهمت بشكل كبير في تحسين المستوى المعيشي لكثير من الأسر في جنوب اليمن وأعطت الشعور بالأمان لتوفر الأمن الغذائي للأسرة.
وأشارت في سياق حديثها لرصيف22 أن الأسر التي تقوم بصناعة البخور يشارك جميع أفرادها في الإعداد والتحضير والبيع، وهذا يسهم في بناء الذات وإعطاء فرصة للظهور الاجتماعي ويقوي العلاقات مع المحيط مما يزيد الشعور بالانتماء والأمان.