كتابات خاصة

متى نتجاوز الفرز المذهبي المعيق؟

فتحي أبو النصر

المسلمون منذ 1400 سنة وهم في حيص بيص، صراعات الذين فرقوا بين آل محمد وأهل البيت والذين جعلوا الآل والأهل شيء واحد ويدلان على معنى واحد، وهو القرابة والذرية والنسب. لم يورد القرآن مصطلح آل محمد أو مصطلح آل البيت، بل ورد في القرآن مصطلح أهل البيت فقط..
لكن الشيعة ابتكروا توليفة خاصة متمثلة في مصطلح آل البيت!
وأما بشأن اللهم صلي على محمد وآل محمد فقد رأى السنة أن الآل هم اتباع ملته، بينما الشيعة اعتبروهم نسل الحسن والحسين لا غيرهم. وكما هو معروف أيضا فثمة من فسرها في السياق انهم بني هاشم.
المهم أن المسلمين منذ 1400 سنة وهم في حيص بيص، صراعات الذين فرقوا بين آل محمد وأهل البيت والذين جعلوا الآل والأهل شيء واحد ويدلان على معنى واحد، وهو القرابة والذرية والنسب.
وبغض النظر عن الذرائع والاستنادات المنسوبة للرسول كمرويات شفهية يحاجج بها كل طرف.
إلا أن القرآن قالها بصريح العبارة “صلوا عليه” أي هو فقط وليس عليه وعلى آله أو أهله معه.
لكن في الحالتين وبتأكيد القرآن أيضا، يبقى مصطلح الآل أشمل وأعم وأوسع من مصطلح الأهل.
ولئن اعتبرنا أن من حق كل فريق أن يرى ما يراه. إلا أن المشكلة تكمن في تحول الأمر إلى مسألة عقدية سالت بسببها دماء غزيرة منذ قرون. وبالذات على ضوء الخلاف السياسي على السلطة الذي بلغ ذروته بين علي بن ابي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان. وعلى الضفتين كان فقهاء السلطة -وتداعيات النزعات العربية والفارسية- يؤججون الصراع لتستمر الأمة الاسلامية منقسمة لكنها متوحدة في مستنقعات التناحر والعصبية وتجريف الشورى وتوريث الحكم كملك عضوض مرورا بالتكفير والتكفير المضاد ووصولا إلى تطبيع الحالة الطائفية الفادحة وكأنها قدر لا فكاك منه.
المهم أن كارثية جوهر هذا الصراع البدائي تكمن في تحويله إلى مؤسسة تريد امتيازاتها الموهومة والمتخيلة بما ينافي سوية الدين وعدالته ولاعنصريته.
فبسبب هؤلاء للأسف، تحولت ولاية النبي من “فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر” إلى حالة استغلال سياسي له، واعتبار نبوته حالة سلطوية يمكن انتقالها بالإرث إلى سين وصاد قبليا أو سلاليا، وبالتالي إظهار الأمر كله كمشجب لتعليق نزعات سلطوية وتبريرها.
ذلك أن حكاية الأئمة من قريش التي ظهرت بعد وفاة النبي والتي ما أنزل بها القرآن ابداً، وكانت مجرد اجتهاد لا فرض، هي السبب الأساس الذي أفضى إلى نتيجة الهاشمية السياسية وتداعياتها وتكثفها في البطنين.. إلخ. 
على أنه من الأنسب اعتبار الحسن والحسين من أهل البيت وتحديدا من ذرية فاطمة أو حتى من ذرية محمد التي لم نؤمر بتمجيدها إطلاقا. رغم أن ذلك لا يعني أنهما من آل محمد، بل من آل علي “ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ”.
هذه هي الحقيقة.
والحال أن الاستبداد الديني شوه جوهر الدين.. فيما صلاة الله وملائكته ينالها كل مؤمن حسب الخطاب القراني.. كل مؤمن بلا استثناء “هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ”.
وذلك إلى جانب النبي كما هو معلوم. على أن تلك الصلاة في بعدها الدلالي العقلاني تعتبر هدى ورحمة؛ لكن المضحك هو منطق من يعتبرون الآل سلالة أو عشيرة. مع أن القرآن يؤكد “مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا “. هنا تحددت مهمة النبي تماما.
وأما السؤال الجوهري: متى سنتخلص من عقدة تصنيم الأشخاص وتعصيمهم رغم أنهم بشر ولديهم أخطاء ولا يعقل تقديسهم كانوا صحابة أم أئمة؟
لكن للأسف: يحدث هذا بينما العصمة لم تثبت للأنبياء أنفسهم. أو لم يتعرض أنبياء لعتب إلهي بحسب القرآن.. ألم يقل الله لإبراهيم “أولم تؤمن” ولنوح “إني أعظك أن تكون من الجاهلين” ولموسى “لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم” ولعيسى “أأنت قلت للناس اعبدوني وأمي من دون الله” ولمحمد صلى الله عليه وسلم: “يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله”.!
الأهم أن “ﺗِﻠْﻚَ ﺃُﻣَّﺔٌ ﻗَﺪْ ﺧَﻠَﺖْ ﻟَﻬَﺎ ﻣَﺎ ﻛَﺴَﺒَﺖْ ﻭَﻟَﻜُﻢْ ﻣَﺎ ﻛَﺴَﺒْﺘُﻢْ”.. فمتى نتجاوز الفرز المذهبي السيء الذي يثخننا بمحمولاته وتشوهاته ويعيقنا عن انجاز التسامح والتجاوز وتنزيه الدين عن خلافات البشر على قاعدة الاصلاحات التنويرية الضرورية في الوعي الإسلامي منعا للاستغلال السياسي للدين.. ذلك الاستغلال الذي يفسد الدين والسياسة معا، ويثبتنا بين كل الأمم في حالة مزرية من عدم المواطنة المتساوية والدولة العادلة والتنوير واحلال السلام والتطور واللاعنف؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى