الخوف هو تلك التعويذة الملعونة التي تدمر أي تفكير بشري وتحوله إلى سلسلة من الكوارث والأخطاء.
عدد لا يحصى من الأشياء والأشخاص والظواهر التي تحيط بنا، ذلك خبر جيد لأنه يمنحنا ثراء وخيارات لا حصر لها؛ لكن لا شيء في الكون يحوي وجوداً (محض)، بمعنى أن كل شيء له جانبين أحدهما نافع والآخر ضار، جيد وسيء، ممتع ومؤلم.
وذلك الجانب السلبي هو دوماً ما يثير خوفنا تجاه الشيء برمته، وعليه فنحن محاصرون بعدد لا يحصى من المخاوف.
ومن هنا نفهم لماذا يعتبر الخوف كشعور وكموقف نفسي هو صاحب الصدارة في قاموس البشرية، إنه متداول أكثر من أي حالة أخرى.. أكثر من الحب، أو الحزن، أو الشجاعة.. الخ
لعل من أهم أسباب تصدره للمشهد هو طبيعة دماغنا اللا واعي الذي يتفانى في حمايتنا حتى سمي بجدارة (الحارس الأمين).
ونلاحظ أن دماغنا دائم التحذير لنا وهو في حالة توجس تجاه كل خطر ممكن في كل شيء وكل حدث وحتى كل شخص.
إنه بذلك يرسم خط دفاع حولنا لكنه غالباً يبالغ في التوجس مما يحول الأمر إلى سجن يطبق علينا بل ويسلبنا الحياة.
فلو كل هاجس خوف استجبنا له وتراجعنا فكيف سنكمل عيشنا؟!
فلا شيء يخلو من خطر وألم.. لكن هل هذا مبرر حتى نهرب منه وننسحب؟؟!!
للأسف الغالبية العظمى من البشر تقبع في ذلك السجن ومع الوقت صاروا أموات، لهم من الحياة كما للأشباح فيها، الخوف ألقى عليهم ألف قيد وألف حاجز وألف قفل حتى لم تعد لهم أي مساحة للتحرك ورغم ضيقهم فهم عاجزون عن الإفلات.
وصدقت الملكة اليزبيث حين قالت:
(لا شيء يخيف أكثر من الخوف نفسه).
وقبلها قالت العرب: (الجبان يموت في اليوم ألف موتة).
وأبلغ منهم وأصدق دعاء المصطفى _صل الله عليه وسلم_ كل صباح ومساء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال).
الخوف هو تلك التعويذة الملعونة التي تدمر أي تفكير بشري وتحوله إلى سلسلة من الكوارث والأخطاء.
تخاف الشعوب من سيطرة جيرانها فتبادر إلى حماية نفسها بالمؤامرات من مجرد هواجس وهكذا تشتعل الحروب والنزاعات الدامية.
يخاف شريك الحياة من ابتعاد شريكه عنه يظن، أن شخصاً آخر يسحبه بعيداً فيصعد من العتاب والغيرة والمراقبة مما يسبب نفور شريكه بالفعل وتتسع الفجوة وينتهي الزواج.
يخاف الوالدان من كون أبناءهم يتفلتوا من وصايتهم، يشددوا عليهم يعنفونهم بل ويحاصرونهم مما يدفع الأبناء لإخفاء الكثير الكثير ويغرقوا بعيداً.
يخاف المدير فيهدد ويتوعد، مما يوتر الأجواء ويزيد الشقاق ويقلل الإنتاج.
يخاف الشاب والشابة من الزواج يصدقون خزعبلات القفص والنكد التي تقال، يهربون إلى العزوبية المفتوحة فتستنزف قواهم في مغامرات عاطفية جوفاء، وعثرات جنسية مدمرة، وعقد نفسية مؤلمة دواؤها الوحيد السكن والحب في الزواج.
تخاف الحكومات فتبني المعتقلات وتكمم الأفواه وتسحق الحريات حتى ينفجر البركان بالجميع.
صور لا منتهية لما ينتجه الخوف من أعمال حمقاء وعدوانية ومتطرفة تجعل الأمور تتدهور.
عقلك ينبهك بشدة للمخيف فيما أمامك لذا عليك أن تفهم ذلك منه؛ وقم بالتالي:
1. ارصد كل المخاوف والتحذيرات التي يظهرها لك واجهها، ولا تهملها.
2. قم بتقييم كل تحذير على حده بشكل منطقي ومتجرد، وانظر هل له أساس من الواقع أم هو مجرد وساوس وافتراضات.. ركز على الأدلة الدامغة لكل تحذير يقدمه.
3. أخبر عقلك بكل ثقة وحزم أن التحذير كذا وكذا وكذا لا أساس لهم وليس عليه أن ينشغل بهم وقم بشطبها داخله بالتفنيد والنقاش المنطقي.
4. امسك تلك التحذيرات الحقيقة، وحدد حجمها الأصلي بعيداً عن كل تلك الظلال التي يضيفها خيالك وتوترك.
5. قرر إن كنت تريد التمسك بهذا الشيء، واربطه بغايات حياتك والمنافع التي فيها، ثم قم بذلك لتقطع على نفسك الرغبة في الهرب.
6. اصنع صمامات أمان لكل تحذير وخوف (الصمامات اجراءات لو التزمت بها فسوف تحميك من الخطر الموجود وستبقيك بأمان).
7. نفذ هذه الصمامات وراجع فعاليتها من وقت لآخر، وقم بالتعديلات دون توقف..
والآن:
دعونا نطبق النقاط على مثال وليكن مثلاً على الأبناء..
لا داعي لتصديق أنهم صاروا منحرفين، مالم يكن هناك دليل، ليس كل فعل مستهجن يعني أنهم قد انحرفوا فهم مازالوا يجربون الحياة، امتناعهم عن طاعة الوالدين ليست حركة تمرد متعمدة، أنها فقط نزوة الفتوة للاستقلال ولا شأن لها بالاحترام.
كل ما علينا هو أن نقرر عدم الهرب من مسؤولية احتواءهم والصبر عليهم فهم أحباءنا ومحتاجون لنا، لنقم بزيادة المساحة المشتركة معهم، ولنهتم بما يعجبهم، نصادقهم، نكثر المرح والاهتمام باحتياجاتهم المعنوية والمادية بكل حنان، هكذا سنصنع صمام أمان من قربهم إلينا وشفافية علاقتهم بنا، وحتماً لن يبتعدوا عن جهودنا التربوية.
ارجو أن تطبقوها بأنفسكم على كل مخاوفكم ما لم ستكون ردود أفعالكم عشوائية وكارثية مهووسة فقط بالخوف..