واقع الأغنية العربية بين التوزيع والتلحين
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
في بداية التسعينيات برز عدد كبير من الموزعين الموسيقيين اللبنانيين والمصريين ممن أسهموا في نجاح الأغنية العربية.
ومع مرور الزمن أصبح الملحن، بحسب اعتراف كثيرين، يكتفي بتلحين المذهب و”الكوبليه” ثم يوكل مهمة استكمال اللحن إلى الموزع الذي بات يقع على عاتقه نجاح الأغنية أو فشلها، فما هو دور الموزع الموسيقي ومهماته في إخراج الشكل النهائي للأغنية؟
بين الموزع والملحن
المؤلف الموسيقي أسامة الرحباني الذي تصب معظم أعماله في الإطار الكلاسيكي مع بعض الاستثناءات، سواء مع كارول سماحة سابقاً أو هبة الطوجي حالياً، يقول لـ “اندبندنت عربية”، “شربت من ينبوع الأخوين رحباني ووالدي منصور كان يؤمن بأن كل إنسان لديه أفكار ويجب أن يكون نفسه أولاً”.
يضيف، “بدايتي في التوزيع الموسيقي كانت بمسرحية الوصية”، ويشرح دور التوزيع بقوله إنه “في أبسط صوره هو عملية توظيف الآلات الموسيقية المتنوعة في الجمل اللحنية المختلفة وتدوين اللحن واختيار السرعة والإيقاع والجو الموسيقي العام للأغنية، ويختار الموزع العازفين ويشرف على خطوات التنفيذ من البداية حتى النهاية”.
وتابع، “الأخوان عاصي ومنصور الرحباني هما من أدخلا التوزيع الموسيقي إلى الأغنية اللبنانية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بعد أن كان التخت الشرقي مسيطراً في لبنان والعالم العربي”.
“وفي مصر كان الملحنون يعتمدون على الموزع اليوناني أندريا رايدر والمصري علي إسماعيل، ومن هذا المنطلق على الموزع الموسيقي أن يكون مؤلفاً موسيقياً وأكاديمياً، وموسيقاه تحمل طابعا أوركسترالياً”.
أما خطوات الموزع الموسيقي، بحسب الرحباني، فتبدأ باستماعه إلى الأغنية ثم تكوين تصور للجو العام لها، ثم إجراء تجربة وتسجيلها لضبط السرعة وطبقة صوت الفنان وتفاصيل عديدة أخرى.
ويوضح أيضاً، “يختار الموزع العازفين المطلوبين لتنفيذ الأغنية ويعطيهم اللحن ويتابع البروفات وتسجيل الآلات بشكل منفصل، فمثلاً يسجل الوتريات على حدة والغيتارات والبيانو والخلفيات الموسيقية على حدة، والصولوهات وحدها، وفي الغالب ترتكز هذه المرحلة على مهندس الصوت إذ يقوم بعمل ميكساج مبدئي للأغنية مثل دمج المسارات الموسيقية وموازنة أصوات الآلات مع الإيقاعات والكورال، وفيها يتم تركيب أصوات الكورال”.
ويتابع، “أما المرحلة ما قبل الأخيرة فهي تركيب صوت المطرب على اللحن، إذ تؤخذ على عدة تريكات، أي ليس مرة واحدة، فربما يغني كل مقطع في وقت مختلف بحسب حاله النفسية والمزاجية، أما الخطوة الأخيرة فهي عمل الديجيتال ماستر، وهذه مهمة مهندس الصوت، إذ ينفذ دمجاً وموازنة نهائية للمسارات الصوتية بعد اكتمال الأغنية، ويرتب الأغنيات وينسخها على سي دي كي ترسل إلى شركة الإنتاج أو المطرب نفسه”.
وعن الفرق بين الملحن والموزع الموسيقي يقول إن “الاثنين يكملان بعضهما بعضاً، إذ لا يمكن الاستغناء عن أي منهما، فاللحن هو تنغيم الكلمة، ويمكن أن يكون صاحبها موهوباً بالفطرة وليس أكاديمياً، بينما التوزيع يتطلب معرفة ودراسة لجميع الآلات الموسيقية، كما أنه الإطار الذي ينظم اللحن وكلمات الأغنية معاً، فقد نجد أغنية جيدة من حيث الكلمات واللحن لكن توزيعها سيئ فلا تنجح”.
الكلاسيكيات أيضاً عرفت التوزيع الموسيقي
في السياق، يرى الموزع المصري عادل عايش الذي درس التأليف الموسيقي الأوركسترالي واتجه إلى التوزيع الموسيقي في سن الـ 18 ووزع أول أغنية لشيرين عبدالوهاب قبل شهرتها، وحملت عنوان “دا كان نفسنا”، فيوضح أن الأغنيات في العصر الذهبي الذي ضم أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وغيرهم تحوي التوزيع الموسيقي على عكس ما هو شائع، لكن كان ذلك يحدث بطريقة عفوية من خلال الآلات الموسيقية والإيقاعات الغربية، ثم تطور الحال وأصبح التوزيع الموسيقي علماً ثابتاً حتى جاء عصر استخدام الكمبيوتر الذي سهل استخدام الآلات الموسيقية المتعددة، ويشرح عايش مهمة الموزع بقوله إن “عمله يشبه إدارة مخرج الأفلام والمسلسلات، لأن عليه التحكم بكل مفاصل العمل الغنائي مع عدم إعفاء أهمية الملحن، لكن التوزيع الموسيقي يسهم في نجاح الأغنية حتى لو كان اللحن أو الكلمة ضعيفين”.
يضيف، “كما يمكن أن يوزع الملحن المثقف موسيقياً أعماله بنفسه، ومثال ذلك الراحل الكبير المبدع بليغ حمدي، فهو كان يشرف على كل صغيرة وكبيرة في عمله، وفي إطار آخر هناك الملحن الموهوب بالفطرة الذي يستعين بالموزع الموسيقي لكي يصنع له روح الأغنية حتى تؤثر في وجدان الناس”.
من وجهة نظر علمية يشير عايش إلى أن “دراسة التأليف الموسيقي تنقسم إلى التوزيع الأروكسترالي وعلم الهارموني، وهذا الأمر ساعدني في أن أوزع نحو 650 أغنية مميزة بدأت من أخاصمك آه لنانسي عجرم مروراً بأعمال لنجوى كرم وجورج وسوف ووائل جسار وراغب علامة وغيرهم”.