أهداف وخبايا.. لماذا يجتهد المجلس الانتقالي لإعلان فشل الحكومة اليمنية؟ (تحليل خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
فتح المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات النار على الحكومة اليمنية، واتهمها بالفشل والفساد وبدأ المحافظون الموالون له وقف توريد الإيرادات للبنك المركزي اليمني، ودعا القوات الموالية له إلى البقاء على أهبة الاستعداد.
أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي يوم الثلاثاء، بياناً لهيئة رئاسته هاجم فيه الحكومة التي يقودها معين عبدالملك ووصفها بـ”حكومة ومنظومة الفساد ورئيسها”، واتهمها “بإفراغ خزينة الدولة المالية وإيصال الوضع إلى حافة الإفلاس لمزيد من الإفقار والإجهاز على حياة الناس بالتزامن مع التداعيات العسكرية والحشود على حدود الجنوب من قبل مليشيات الحوثي الإرهابية والتعاون الواضح مع منظومة الإرهاب بمسمياتها المختلفة القاعدة وداعش والهجوم المستمر على القوات الجنوبية، والتي كان آخرها الهجوم الإرهابي على قوات دفاع شبوة”.
وقبل يوم من إصدار البيان كان محافظ عدن أحمد لملمس قد أعلن وقف تسليم الإيرادات من جمارك وضرائب إلى البنك المركزي اليمني. لحقه محافظ شبوة عوض العولقي الذي أصدر قراراً بوقف نقل النفط الخام إلى خارج المحافظة، ومنذ يومين أوقف الناقلات عن نقل النفط من “النشيمة” نحو مدينة عدن.
وتعاني الحكومة اليمنية بالفعل من وضع مالي سيء للغاية مع وقف تصدير النفط، وتراجع الإيرادات. وقال محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعقبي: إن الخزانة فقدت العام الماضي مليار دولار من تصدير النفط، كما فقدت 700 مليار ريال، أي ما يعادل 50 مليار ريال شهرياً.
ومنذ أيام تشن وسائل الإعلام التابعة للمجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات حملة ضد رئيس الوزراء معين عبدالملك، وتتهمه بالفساد.
وانخرط عضو مجلس القيادة الرئاسي عبدالرحمن المحرمي (أبو زرعه) والذي عُين مؤخراً نائباً لرئيس المجلس الانتقالي في الحملة ونقلت عنه وسائل الإعلام يوم الأحد قوله إن رئيس الحكومة “يعمل بلا حس وطني وهو كثير الكلام قليل الإنتاج”.
وأضاف “لو كان جاداً (معين عبدالملك) في تنفيذ ما يطلب منه لكان الوضع أفضل بكثير”.
على الرغم من أن الحكومة اليمنية -من وجهة نظر معظم المواطنين في مناطق سيطرتها- فشلت فشلاً ذريعاً في القيام بمهامها من حفظ الأمن إلى الحفاظ على الأسعار الرخيصة ووقف الانهيار المالي والاقتصادي وتقديم الخدمات الحكومية، إلا أن المجلس الانتقالي -وهو جزء من الحكومة- لا يستخدم إعلان فشل حكومة معين عبدالملك إلا في جوانبه السياسية التي تحقق نفوذاً أكبر للمجلس الانتقالي وأعضاءه للسيطرة على قرار الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.
يجيب هذا التقرير على تساؤل: ما الذي يدفع المجلس الانتقالي الجنوبي لإفشال الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي على الرغم من أن ثلاثة من أصل ثمانية من أعضاء المجلس هم زعماء المجلس الانتقالي؟!
أولاً: التلويح بالإدارة الذاتية
أشار البيان الصادر يوم الثلاثاء من هيئة رئاسة المجلس الانتقالي إلى أن المجلس “يضع اللمسات الأخيرة لآليات عمل القيادة التنفيذية الجنوبية التي تشكلت بقرار رئاسي”. مضيفاً: أن إدارة الجنوب من قِبل أبنائه بالشراكة انتقل من القول إلى الفعل!
يقول أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي إن هذه القيادات التنفيذية هي هيئة بديلة للإدارة الذاتية.
اهم فقره في البيان الصادر منذ ساعات من هيئة الرئاسة في المجلس الانتقالي الجنوبي و نرجو ان تكون هذه الهيئة البديل عن التراجع عن قرار الادارة الذاتية #عدن #المجلس_الانتقالي_الجنوبي https://t.co/BigIfyJlZ1
— محمد الميسري (@hanybla) June 13, 2023
وقال عبدالسلام السييلي وهو صحافي وعضو المجلس الانتقالي: “كثرت المطالبات الشعبية وتعالت أصوات إعادة تبنيه (المجلس الانتقالي) لقرار الإدارة الذاتية حيث يراها الجميع أنسب الحلول في ضل الوضع المتردي الراهن”.
وكان المجلس الانتقالي قد أعلن عن الإدارة الذاتية في ابريل/نيسان 2021 لكنه تراجع لاحقاً تحت ضغط من المملكة العربية السعودية.
وسخر مسؤول في الحكومة اليمنية من تلويح المجلس الانتقالي بالإدارة الذاتية، وقال إن هذه طريقة غريبة لإسكات غضب أنصار المجلس من فشل القيادات في إدارة وتنفيذ وعودهم.
وقال مسؤول في الحكومة اليمنية لـ”يمن مونيتور”، مشترطاً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، إن المجلس الانتقالي الجنوبي يدير المحافظات الجنوبية منذ 2019م، ولا تستطيع الحكومة اتخاذ أي قرار أو إجراء دون موافقة مباشرة من مسؤولي المجلس.
ويشبه المسؤول الحكومي وضع مؤسسات الدولة في عدن بالفترة التي سيطرت فيها اللجنة الثورية العليا على مؤسسات الدولة في صنعاء ووضعت مشرفين في كل المؤسسات لا تستطيع أي مؤسسة القيام بأي جهود لخدمة الناس دون موافقة من هؤلاء المشرفين، مع استبدال الحوثيين بالمجلس الانتقالي الجنوبي.
ثانياً: الحصول على مكاسب
من الواضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى لإدارة الحكومة وفق ما يريده ويكون رئيس الوزراء كدمية تابعة للمجلس. يشير حديث “أبو زرعه المحرمي” إلى أن رئيس الحكومة “لا ينفذ ما يطلب منه” إلى هذا النوع من رئاسة الحكومة الذي يرده المجلس الانتقالي ونوابه في مجلس القيادة الرئاسي.
ويدعو المجتمع الدولي والدبلوماسيين والأطراف المحلية والإقليمية إلى وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ووقف الخلافات الداخلية من أجل الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب مع الحوثيين لكن المجلس الانتقالي الجنوبي يُصر على إبقاء أهدافه قياداته الخاصة قبل كل شيء.
وعلى الرغم من أن عيدروس الزُبيدي أشاد بالشراكة عندما أُعلن عن صفته نائباً في مجلس القيادة الرئاسي لمواجهة الحوثيين في ابريل/نيسان 2022، إلا أن الـ14 شهراً الماضية أكدت أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يريد أن يكون شريكاً بل يريد أن يكون هو الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي. وينظر للشراكة كغطاء للسيطرة على مؤسسات الدولة وتحويلها إلى ملكية خاصة.
يدفع المجلس الانتقالي الجنوبي لتغيير رئيس الحكومة أو الحصول على منصب نائب لرئيس الوزراء لإدارة المحافظات الجنوبية! وهو خيار فعلاً تحدث عنه الزُبيدي والمحرمي حسب ما تحدث لـ”يمن مونيتور” مسؤول في رئاسة الوزراء شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام.
ويضيف: كما أن المجلس الانتقالي يضغط من أجل الحصول على تمثيل كامل للمحافظات الجنوبية في وفد الحكومة المفاوض مع الحوثيين، على الرغم من أن هذا المجلس هو واحد من الأطراف والكيانات السياسية والاجتماعية في المحافظات الجنوبية.
وقال علي الجبواني – عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي: آن الأوان لعزل الحكومة ومنح أبناء المحافظات إدارة شؤونهم، حتى نكون مسؤولين أمام شعبنا. متهماً الحكومة اليمنية بتركيع “أبناء المحافظات الجنوبية بملف الخدمات”!
جاء ذلك في مقابلة مع تلفزيون المجلس الانتقالي الرسمي (عدن المستقلة) مساء الثلاثاء وتابعها “يمن مونيتور”.
وحول إمكانية إنهاء الأزمة الحالية قال الجبواني إنه: لابد من خطوات كبيرة، وندعو بصراحة إلى تغيير الحكومة وأن يتم تعيين رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي من المجلس الانتقالي، أو ستأخذ الأمور منحى آخر.
كان المجلس الانتقالي الجنوبي قد وعد الآلاف من أنصاره بالحصول على وظائف عامة في الدولة خلال2023، مع منع الحكومة من تصدير النفط والغاز وقيام البنك المركزي بوقف تمويل ميزانية الحكومة من مصادر تضخمية، لا تستطيع الحكومة توظيف أنصار المجلس الانتقالي أو دفع مرتباتهم. سبق أن جهز وزير الخدمة المدنية في الحكومة “عبدالناصر الوالي”، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، قوائم بالفعل في 2022م.
في جانب متصل، قال مصدر في البنك المركزي اليمني لـ”يمن مونيتو” إن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي أوقف عدة مرات المسؤولين في الحكومة التابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي من صرف أموال بطرق غير قانونية وفي مصارف غير حقيقية.
ويعاني المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تضخمت أعداد أفراد هيئاته وقياداته السياسية إلى جانب القوات التابعة له خلال محاولاته احتواء كل الأطراف الجنوبية لتمثيلها وهو ما فشل فيه. والسيطرة على قرار الصرف من البنك المركزي اليمني، والتحكم باحتياطاته المالية والنقدية سيمكنه من دفع رواتب المجندين التابعين له بانتظام.
ثانياً: التهرب من تحمل المسؤولية
تتقاسم الحكومة المعترف بها دولياً اللوم مع المجلس الانتقالي في تردي الأوضاع في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهما خاصة المحافظات الساحلية؛ حيث يعانون من تدهور في الحياة المعيشية مع انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، والصيف الحارق حيث تصل درجة الحرارة إلى 35 درجة مئوية في مدينة عدن عاصمة البلاد المؤقتة ومقر الحكومة في ظل تردي خدمة الكهرباء- يتواجد التيار الكهربائي ساعتين مقابل ست ساعات انطفاء-.
وقال مصدر طبي لـ”يمن مونيتور” في محافظة لحج المجاورة إنه سجلت حالة وفاة في منطقة “الحوطة” مركز المحافظة لرجل مسن توفي بسبب ارتفاع الضغط وهو مريض بالقلب بسبب ارتفاع درجة الحرارة.
ويلجأ سكان مدينة عدن إلى السواحل مع أبنائهم من أجل الابتعاد عن منازلهم التي تزداد درجة الحرارة مع انطفاء الكهرباء.
وقال مسؤول في كهرباء عدن: إن المحافظة تعاني بالفعل من نقص مستمر في الوقود للاستمرار في العمل، وتتحصل على كميات بسيطة للغاية من أجل تسيير عملها.
وكان أحمد لملس محافظ عدن قد وعد بحلّ مشكلة الكهرباء في صيف 2022 وشراء محطة توليد جديدة للكهرباء لكن ذلك لم يحدث. كما قال عيدروس الزُبيدي في يونيو/حزيران 2022 إن الإمارات ستدعم كهرباء عدن بالوقود لمدة ثلاثة أشهر ولم تحضر السفن. ووعد رئيس الحكومة معين عبدالملك بحل مشكلة الكهرباء في مطلع 2022، ولم تنفذ أي وعود.
كما أن وزيري الكهرباء (مانع بن يمين) والنفط (سعيد الشماسي) ومحافظ عدن وثلاثة أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي هم أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي. وبإلقاء المسؤولية على الحكومة أو ما يصفهم المجلس الانتقالي ب”الشماليين المحتلين” هو محاولة للهروب من مسؤولية قياداته وأعضاءه.
رابعاً: بين النهب والتناقض
وعدا تقاسمه المسؤولية عن سوء الأوضاع مع الحكومة المعترف بها دولياً فإن المجلس الانتقالي الجنوبي يُتهم بالسيطرة على الإيرادات الحكومية ونهب الوقود الخاص بالكهرباء الحكومية، كما أنه يوافق على قرارات داخل الحكومة وفي اليوم التالي يقوم بتأجيج الشارع ضدها.
وكان محافظ البنك المركزي المعقبي قال إن “الكهرباء ثقب أسود يلتهم جميع موارد الدولة”، مشيراً إلى فساد كبير للغاية حيث يتم تحويل الديزل الخاص بالمحاطات الكهرباء إلى السوق السوداء لبيعه.
والتي تبدو تهمة تنحصر في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يملك السيطرة الأمنية والتنفيذية في معظم المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرته. من بين هذه الحوادث ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قامت قوة من الشرطة بقيادة مدير شرطة مدينة الشعب ومن المحطة البخارية بكشف عملية نهب لوقود الكهرباء من أنبوب تغذية يربط مصافي عدن والمحطة البخارية، حيث قام المجرمون بعمل حوش كبير وحفر بئر للوصول إلى الأنبوب ونهب الوقود من داخله.
في اليوم ذاته تحركت قوة من الحزام الأمني إلى مقر الشرطة وقامت بالإفراج عن المتهمين وسجن مدير الشرطة مدينة الشعب بعد معركة بين قوات الأمن ومدرعات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي!
هذه التصرفات غير المسؤولة تؤدي إلى امتناع المسؤولين الأمنيين والمحليين عن التحرك لوقف هذه الأسواق السوداء والانتهاكات أو حتى الإبلاغ عنها لأن المخاطرة كبيرة للغاية.
في جانب آخر تسببت إثارة المجلس الانتقالي الجنوبي للخلافات داخل الحكومة والمجلس الرئاسي إلى اضطراب العملة الوطنية والتأثير على حياة المواطنين، على الرغم أن
وكان محافظ البنك المركزي قال إن الخلافات السياسية الموجودة داخل الحكومة وداخل مجلس القيادة الرئاسي وبين المكونات كلها سبب رئيسي لاضطراب سوق النقد في مناطق سيطرة الحكومة وتؤثر على معيشة وحياة الناس.
وأضاف: أن الخلاف السياسي غير المنضبط يؤثر على قيمة العملة وعلى عمل البنك المركزي بشكل كبير، ثم يأتي بعدها العوامل الاقتصادية، وعوامل الحرب الاقتصادية.
واتهم المعقبي طرف في الحكومة والمجلس الرئاسي-لم يحدده- بمحاولة إفشال إجراءات البنك المركزي، مشيراً إلى قرار تحرير سعر الصرف الجمركي والذي جرى إقراره في المجلس الاقتصادي لإقراره عام 2022: للأسف هذا الطرف أقره في المجلس الاقتصادي وفي اجتماع الحكومة ثم خرج يعارضه في السوق ليكسب شعبية، والجهات المسؤولة عن الإيرادات هي من تتولى حملة الإجراءات التصحيحية.