ظن سكان بلدة الوازعية باليمن، أن مغادرتهم إلى مدينة عدن جنوبي البلاد ستجعلهم في منأى عن ملاحقة الحوثيين، لكنهم وجدوا أنفسهم في مرمى التشرد مجددا. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من أحمد الصهيبي
ظن سكان بلدة الوازعية الواقعة جنوب غربي محافظة تعز، وسط اليمن، أن مغادرتهم إلى مدينة عدن جنوبي اليمن سيجعلهم في منأى عن الملاحقة، بعد هروبهم من بلدتهم جراء اجتياح الحوثيين لها وتعرض العشرات منهم للاعتقال، لكنهم وجدوا أنفسهم في مرمى التشرد مجددا.
لم يمض سكان البلد الساحلية القريبة من مضيق باب المندب الاستراتيجي، غربي البلاد، سوى أسابيع من السكينة في “عدن”، بعيدا عن آلة القمع الحوثية، حتى وجدوا أنفسهم أمام موجة ترحيل جديدة، يقف خلفها هذه المرة، السلطات الأمنية التابعة للحكومة الشرعية.
اتخذت تلك السلطات قرارا مفاجئا، قضى بترحيل كافة المواطنين الذين ينحدرون من محافظات شمالية، تحت مبرر عدم امتلاكهم أوراق ثبوتية أو هويات شخصية، في حملة قوبلت بسخط شعبي ورسمي واسع.
وكان معظم من استهدفتهم الحملة، أشخاص يعملون بالأجور اليومية في البنايات ومخابز الرغيف ومستودعات بيع المواد الغذائية الصغيرة، إضافة إلى حرفيين في ورش فنية لتصنيع أبواب ونوافذ المنازل.
وفيما تواصل سلطات عدن، اتهام المرحلّين بعدم حيازة الوثائق الشخصية والأوراق الثبوتية، تؤكد عدد من المبادرات الشبابية التي تقوم باستقبال المواطنين العائدين في مدينة “التربة”، جنوب تعز، أنها سجلت شهادات لعشرات المرحلين وهم يحملون وثائقهم الشخصية، متهمة سلطات عدن بشن حملة غير مشروعة ضد مواطني محافظات الشمال.
ومن ضمن، عشرات المرحلّين الواصلين، إلى مدينة” التربة”، كان هناك عشرات المنحدرين من” الوازعية”، أقرب بلدات الشمال اليمني من مناطق التماس الشطرية مع الجنوب والتي كان معمولا بها قبيل الوحدة عام 1990، الذين حكوا لـ”يمن مونيتور”، بعض من معاناتهم.
يروي “الحاج منصور”، وهو العقد الرابع من العمر، أنه غادر بلدته أواخر إبريل الماضي بسبب ملاحقتهم من قبل الحوثيين، بعد أن قتل وتم اعتقال عدد من أصدقائه، بعد اجتياح البلدة والسيطرة على قراها ومزارعها.
وقال منصور إنه قرر بعدها السفر إلى مدينة عدن القريبة، بعد أن باع 4 مواشي كان يمتلكها من أجل توفير مصاريف السفر، والبحث عن عمل مناسب هناك.
وأضاف” لكننا تفاجئنا بهذه الحملة التي شنتها قوات الأمن في عدن، دخلوا ليلاً إلى مقر إقامتنا، وأخرجونا جميعاً، قاموا بإيداعنا أحد السجون، ومن ثم قامت ترحيلنا في صباح اليوم التالي من المدينة، رغم امتلاكنا لوثائقنا الشخصية”.
يحكي منصور تفاصيل الترحيل القاسية بمرارة: “أنزلتنا الشاحنة في منطقة تتوسط عدن وتعز، كانت المنطقة أشبه بصحراء، كنا نلتفت يمينا ويسارا فلا نرى أي علامات للحياة، فقط كنا نرى الصحراء تحيط بنا من جميع الاتجاهات”.
ويضيف” ظللنا لعدة ساعات ننتظر أي وسيلة نقل متجهة إلى تعز، حتى نتمكن من العبور معها، وبعد 10 ساعات وصلنا إلى الأطراف الجنوبية لتعز، حيث استقبلنا هناك بعض الشباب وأعطونا بعض النقود حتى نتمكن من العودة إلى منازلنا”.
تسكن أسرة منصور في إحدى العشش المبنية من سعف النخيل تحت شجرة كبيرة. يقول منصور، “ينتظرون عودتي لهم ببعض المال والمواد الغذائية التي حاولت أن أجد عملاً في عدن مقابل الحصول عليه، إلا أنني عدت لهم الأن خالي اليدين ومنكسر، لم يتركوا لنا حتى فرصة لنعود إلى مقر إقامتنا لنتمكن من أخذ ملابسنا وبعض مستلزماتنا”.
*دحباشي
وجد “محمد صالح”، وهو أبناء بلدة الوازعية نفس مصير زملائه العمال الذي هربوا من رمضاء الحوثيين في مناطقهم، إلى” نار” الحراك الجنوبي، الذي بات الأن هو الصوت الأعلى في العاصمة المؤقتة ويتخذ ما يحلو له من قرارات.
يقول” صالح” في حديث لـ”يمن مونيتور”: “تم أخذي من الشارع عندما كنت متوجها لتناول وجبة الغداء في أحد مطاعم مديرية المنصورة، أوقفتني إحدى دوريات الأمن، وطلبت وثيقتي الشخصية.
ويضيف” عرضت لهم الوثيقة، ولكنهم رفضوا مناقشتي، وقالوا لي أنت “دحباشي” – لفظ يطلقه مناصرو الحراك الجنوبي على أبناء محافظات الشمال -، وعلى الفور تم اقتيادي إلى الدورية بالقوة، وأودعوني معسكر الدفاع الجوي، لمدة نصف يوم، كان السجن مليئاً بالمئات من المواطنين الشماليين وأغلبهم من محافظة تعز”.
يشكو “صالح” من مرض السكر المزمن ويتناول من أجل ذلك عقاقير وأدوية بشكل يومي، يقول ” أخبرت قائد الدورية بالسماح لي بالعودة إلى مقر إقامتي لأخذ الدواء، فرفض ذلك، وقام بإتلاف الدواء الذي كان متبقيا بحوزتي، الألفاظ العنصرية التي كنا نوصف بها كانت صادمة، لقد تعاملوا معنا بطريقة مهينة للغاية”.
*مبادرات شبابية
في مواجهة عمليات الترحيل المفاجئة، برزت عدة مبادرات شبابية لتقديم العون لاولئك المرحلّين، ومساعدتهم على تجاوز محنة الترحيل القاسية.
يقول الناشط الشبابي، أكرم سعيد، إنهم صادفوا عشرات المواطنين المرحلين الذين قاموا بتوثيق حالاتهم، وتسليمهم تكاليف أجور نقل توصلهم إلى قراهم.
ويعمل “أكرم”، عضوا في المبادرة الشبابية لكسر الحصار، والتي تقوم بالعمل على تسجيل الحالات التي يتم ترحيلها من عدن إلى تعز من قبل سلطات الأمن التابعة للشرعية.
وقال أكرم لـ”يمن مونيتور”: “غالبية من قمنا بتسجيل حالاتهم، أبرزوا لنا وثائقهم الشخصية، وأكدوا أن السبب الذي تم ترحيلهم لأجله هو عدم امتلاكهم لتلك الوثائق، الأمر الذي يتنافى مع مبررات قوات الأمن في عدن”.
ويصف ناشطون عملية الترحيل التي حصلت بـ”الجريمة” التي تمارس ضد اليمنيين، ويقولون بأن قيادات الحراك الجنوبي المدعوم إيرانياً تقف وراء تلك العمليات، خصوصا وأن المحافظ عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال شايع، قيادات بارزة في الحراك الجنوبي الذي يطالب بالانفصال عن شمال اليمن.
*بلدة بلا إغاثة
أطلق العشرات من أبناء بلدة الوازعية نداءات استغاثة للمنظمات المحلية والدولية لسرعة إرسال المساعدات الإغاثية إلى مناطق النزوح التي لجأوا إليها، مؤكدين بأن حالتهم لم تعد تقوى على التحمل، بسبب انعدام المواد ونزوحهم من منازلهم والبعض منها تدمر جراء قذائف الحوثيين.
ووفقا لسكان، لم تصل البلدة أي مساعدات إغاثية عدا ما قدمه ائتلاف الإغاثة الانسانية بالمحافظة الشهر الماضي من مساعدات مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة، لنازحي الوازعية، قدرت حسب الائتلاف بـ 6500 سلة غذائية.
ووصف عدد من الناشطين والحقوقيين أن ما تعرضت وتتعرض له “الوازعية” هو “خذلان” بحقها، من قبل السلطة الشرعية التي لم تكن عند مستوى المسؤولية ولم تقدم الدعم اللازم والأسلحة الكافية لها أثناء مواجهاتها مع مسلحي الحوثي وصالح، كما خذلتها الآن بتأخير إيصال المساعدات الغذائية للمواطنين الذين وصل بهم الحال إلى ما دون الصفر، حسب الناشطين.