آراء ومواقف

التجار والنمو الاقتصادي

د.علي توفيق الصادق

المعروف أن التجارة الدولية تسهم، بقوة، في النمو الاقتصادي على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي. والمعروف أيضاً، أن الانتشار الواسع في أعقاب الحرب العالمية الثانية للتكتلات الدولية الهادفة إلى تقوية وتنمية العلاقات الاقتصادية بين أعضائها بهدف تحسين ظروف التنمية الاقتصادية فيها.

ونذكر في هذا السياق أن الولايات المتحدة الأمريكية (أمريكا فيما بعد) كانت تعارض التكتلات الاقتصادية وتدعم الانفتاح الاقتصادي والتحرير التجاري في ظل سياسة وسيادة الأسواق من خلال مساندتها لنظام الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة ( (GATT) «الجات». وقد وفرت أمريكا سوقاً واسعاً أمام صادرات البلدان الأخرى من دون الإصرار على الحصول على معاملة مماثلة في علاقاتها التجارية.

في الخمسينات والستينات من القرن العشرين كان الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يقارب 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وكانت وارداتها ضئيلة في حدود 3 – 5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد تغير هذا الوضع وانخفضت حصة أمريكا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى نحو 31 في المائة في عام 1970، وإلى نحو 24 في المائة عام 1995، و24.5 في المئة عام 2020. ونذكر في هذا السياق أن حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الاسمي تغيّر من 2.7 في المائة عام 1970 إلى 2.4 في المائة عام 1995 وإلى 17.3 في المائة عام 2020.

تغير هذا الوضع وأصبحت أمريكا في نهاية الثمانينات من القرن العشرين واحدة من دول غنية، حيث تحول وضع أمريكا من مركز الصدارة إلى مركز قريب من المساواة مع غيرها من الدول الثرية.

وفي الثمانينات من القرن العشرين بدأت أمريكا تواجه مشكلة في ميزانها التجاري بسبب عجز صادراتها عن تغطية وارداتها، وظهر العجز في ميزانها التجاري، وفي حسابها الجاري أيضاً. ويعزى تغير وضع أمريكا التجاري إلى تقلص الأسواق الخارجية أمام السلع والخدمات الأمريكية نتيجة للتقدم التكنولوجي وانتشاره في العديد من دول العالم.

الثورة الزراعية قلصت الأسواق أمام الصادرات الزراعية الأمريكية. والسلع ذات التقنية العالية التي كانت تنتجها أمريكا ولم تنتجها الاقتصادات الأخرى أصبحت تنتج خارج أمريكا. هذا الوضع الجديد للأسواق يشير إلى أن الأسواق الخارجية للسلع الأمريكية أصبحت تنافسية. وفي ضوء ذلك، أصبحت الحكومات تدير التجارة الخارجية وفلسفة السوق، أو رفع اليد لم تعد مرفوعة. والتجارة الدولية في السلع الزراعية والأنسجة والسيارات تخضع لترتيبات معينة. ففي الاتحاد الأوروبي ارتفعت حصة الواردات الخاضعة لقيود غير جمركية من نحو 20 في المئة عام 1966 إلى نحو 53 في المائة عام 1986، وفي اليابان من نحو 31 في المئة إلى نحو 42 في المائة، وفي أمريكا من نحو 36 في المائة إلى نحو 45 في المائة بين العامين 1966 – 1986.

وإضافة لذلك، فإن الدولار ما زال مهيمناً على الاحتياطيات الدولية الأمر الذي يستوجب عجز الميزان التجاري الأمريكي حتى يتوفر الدولار خارج أمريكا.

على أية حال، أدبيات الموضوع تشير إلى أن السياسات التجارية المفتوحة والمستقرة والشفافة هي دعائم أساسية للنمو الاقتصادي والمرونة، والتصدي للتحديات العالمية الرئيسية. والتجارة المفتوحة كانت، وما زالت جزءاً أساسياً من مكونات السياسة العالمية لتعزيز النمو، والسماح لملايين الأشخاص برفع مستوى معيشتهم والخروج من الفقر. والتنويع من خلال التجارة هو أيضاً حاسم لتحسين مرونة الاقتصاد الكلي. ونذكر في هذا السياق أن الأسواق الخارجية مصدر السلع والخدمات والآلات التي لا تتوفر في الأسواق المحلية، كما أن الأسواق الخارجية تعتبر منافذ للإنتاج المحلي الفائض عن الطلب المحلي.

*د.علي توفيق الصادق مستشار اقتصادي

* نشر أولاً في صحيفة الخليج الإماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى