شاب يُكرس الفن لتوثيق تُراث الأزياء النسائية اليمنيّة
صنعاء/ القدس العربي
قبل أن يأخذ زمام مبادرة توثيق تراث الأزياء النسائية اليمنيّة كان الفنان الشاب مُحَمّد سبأ (38 عاما) قد ارتبط بالتراث الشعبي لبلاده من خلال تجربته التشكيلية التي أولت عناية موضوعية بالهُوية الثقافية التقليدية، وركز بدرجة رئيسة على التعامل مع النساء وأزيائهن كعنوان لهذه الهُوية، التي تحفل لوحاته بعديد من تفاصيلها، يتجلى، من خلالها، مدى شغفه وحرفيته في التعامل التقني مع خاماته أيضًا.
قد يكون هذا الارتباط ما دفعه لتخصيص رسالته للماجستير في أكاديمية الفنون في القاهرة حول الأزياء النسائية التراثية في بلده؛ وهي الرسالة التي نُوقشت العام الماضي، وأنجز فيها توثيقا لأزياء نسوية تراثية في أربع محافظات، ويستعد حاليًا لإصدار كتابها.
مُحَمّد سبأ، فنان تشكيلي وباحث يمنيّ مهتم بالتراث الشعبي لبلاده، ويشتغل عليه في لوحاته وفق رؤية تنطلق من قناعات تتجاوز الاعتداد إلى الوعي بالقيمة الفنية والثقافية لما تمتلكه هذه الأزياء، التي تمثل تراثًا غنيًا وممتدًا ومتنوعًا بحاجة ماسة للتوثيق؛ وهو هنا يدرك أنها مَهمة تتجاوز امكانات فرد أو مؤسسة غير حكومية، لكنه لم ينتظر الجهد الحكومي، وقرر أن يتجاوز تداعيات الحرب، وينطلق بالمشروع من خلال مؤسسة سبأ للثقافة والفنون، التي أسسها ويُديرها في القاهرة.
يقول لـ”القدس العربي”: التراث الثقافي هو ذاكرة الهُوية، والهُوية اليمنية غنية بمضامين عديدة، ومنها الأزياء، لكن الأزياء الرجالية مازالت تقاوم تعقيدات الحياة من خلال استمرار الرجال بارتدائها، بينما بدأت كثير من الأزياء النسائية التقليدية، التي فيها جمالية وزخرفة فنية عالية، بالاندثار؛ بسبب دخول العباءة والتشدد الديني والاقمشة الحديثة وغيرها… وهي أزياء ذات خصوصية يمنية، وغنية بقيمة فنية عالية تعكس في مجملها مستوى ثقافيا وحضاريا لافتا… وهو ما تجلى لي بوضوح عندما اخترت الأزياء الشعبية اليمنية موضوعًا لرسالة الماجستير، وركزتُ على تراث الأزياء النسائية في أربع محافظات، هي تعز وحضرموت وصنعاء والحديدة.
يستطرد: وهو الجهد الذي اكتشفت من خلاله عظمة هذا التراث وأهمية توثيقه؛ لذا رأيت أن يتواصل من خلال مؤسسة؛ فانطلقنا بالمشروع، وبدأنا من خلال جهود ذاتية، دون انتظار جهد حكومي. أمضينا حتى الآن ثلاث سنوات، ولم ننجز سوى القليل، وأنجزنا، توثيق خمسين قطعة من الأزياء التراثية النسائية.
يشتغل سبأ على تراث بلاده من خلال التوثيق الثقافي الرصين وفق منهجية يحرص على التزامها من ناحية، ومن ناحية أخرى يقدّمه في لوحاته التشكيلية التي تعكس مدى ثراء التراث الثقافي اليمني مكانًا ومعمارًا وأزياء وحُليًا وغيرها من التفاصيل التي يعتني بها جيدا في لوحاته ويقترب فيها من أبرز ملامح هذا التراث، منطلقًا من حرفية تشكيلية واضحة في اشتغاله على الألوان ومكونات سطوح المناظر، التي تأتي محمولة بتفاصيل تعكس مدى نضج وعيه الثقافي في علاقته بالجمال والتراث والهُوية في آن.
لم تكسره الحرب فعلى الرغم من غربته في القاهرة استمرت علاقته بالتراث تشكيليًا وتواصلت دراسة، وتتواصل حاليًا من خلال التوثيق.
يُشير سبأ إلى أهمية هذا المشروع “كثير من الأزياء التراثية النسائية في اليمن قد اندثرت صناعتها وتطريزها، وهي بحاجة لإعادة انتاجها والتعريف بها، ونحن نحرص أن تكون معلوماتها متوفرة في عدد من الكتب، التي ستصدر عن المؤسسة؛ بما فيها كتاب يحوي صور القطع القديمة للأزياء، وآخر يضم صور القطع القديمة والحديثة، وثالث يحوي صور الحُلي التقليدية ومكملات الأزياء”.
ويؤكد: “يمتلك اليمن تراثًا غنيًا؛ فعلى صعيد الأزياء لكل منطقة أزياؤها الخاصة، ولكل منطقة هُوية؛ هذا الثراء وما يتهدده جعلني أهتم بتوثيقه ليستمر للأجيال القادمة”.
على صعيد تجربته التشكيلية استخدم سبأ موضوعات التراث الشعبي وبخاصة الأزياء النسوية …كتيمة رئيسية يعرّف من خلالها بخصوصية هذا التراث. يقول “عندي مجموعة من اللوحات متمركزة حول التراث الشعبي، وحاولت فيها أن اختار من التراث والعادات والتقاليد ما هو جدير بتقديمه من خلال اللوحة؛ ولهذا تحفل لوحتي بمشاهد تراثية مختلفة، بما فيها الأزياء ومظاهر احتفالات المناسبات”.
نظم مُحَمّد سبأ ثلاثة معارض في القاهرة أغلبها توثّق للتراث والهُوية اليمنية. يقول: يلعب الفن التشكيلي دوراً كبيراً في التعريف بثقافة المجتمع، وإبراز ملامحها، وتقديمها للآخر، في قوالب فنية، بقدر ما تعكس تجربة الفنان التشكيلية، هي تعكس تجربة المجتمع الفنية، وتُبرز ملامح من هُويته الخاصة.