كتابات خاصة

تناغم بين الحراك والحوثي

محمد اليحصبي

ليست المرة الأولى التي تتناغم فيها المواقف بين الحراك المناطقي المسلح والمطالب بالانفصال في محافظات اليمن الجنوبية، وبين التمرد الحوثي المسلح في شمال البلاد. ليست المرة الأولى التي تتناغم فيها المواقف بين الحراك المناطقي المسلح والمطالب بالانفصال في محافظات اليمن الجنوبية، وبين التمرد الحوثي المسلح في شمال البلاد، فطيلة عقد من الزمن كلما تم الضغط على المليشيات المتمردة سابقا -والإنقلابية في الوقت الحاضر-، تبادر الجماعات المسلحة في الجنوب لممارسات أعمال عنف عنصرية بحق العمال من أبناء المحافظات الشمالية، بهدف تخفيف الضغط على مليشيات أنصار الله.
وقد ظهر ذلك منذ حروب التمرد التي بدأت عام 2004م وحتى اللحظة، حينما كانت الضغوط الدولية والشعبية في الكويت مشددة على الإنقلابيين لتسليم الأسلحة الثقيلة، والانسحاب من المدن، وانهاء الانقلاب الذي قامت به على السلطة الشرعية وسيطرتها على العاصمة في سبتمبر 2014م.
ليس علينا أن نلتفت كثيراً إلى المذهب الذي تعتنقه إيران، وإنما إلى الموقع ومسرح الأطماع الذي يدور حوله الصراع، عبر خارطة المصالح، لتجد لها طهران مكانا وموضعا يؤكد حضورها ويضمن نفوذها، خصوصا بعد اتفاقها مع الغرب حول برنامجها النووي، ورفع العقوبات والحصار، الأمر الذي يدفعها لتأمين خطوط مواصلاتها وتجاراتها مع اوروبا.
فاليمن الذي يملك موقعا استراتيجياً يمكن استغلاله عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وجدت إيران أن الطريقة الأنسب إليه هي استخدام الورقة المذهبية وإثارة التناقضات الثانوية داخل المجتمع، بهدف انهاكه واضعافه، وخلخلة وحدته الوطنية، من خلال جماعة الحوثي المذهبية في الشمال، وتيارات الحراك المناطقي في الجنوب، وقد أتاحت العلاقات القديمة بين عدن وطهران قبل الوحدة أن تساعد الأخيرة في نسج شبكات تابعة لها يمكن استخدامها متى واتتها الفرصة.
وفي هذا السياق علينا ألا نهمل العلاقات التي تربط القيادات السياسية في الجنوب داخل الحزب الاشتراكي بحزبي الحق واتحاد القوى الشعبية، والذي كان للأول الفضل في اخراج الحزبين الأخيرين إلى العلن مع أوائل التسعينات، فالعلاقة القديمة بين الأممية الشيوعية في جنوب اليمن سابقا، والأممية الشيعية في طهران منذ قيام الثورة ضد الشاه، فخلال الحرب العراقية الإيرانية ظلت عدن مؤيدة للخميني إلى جانب سوريا، وما زال تيار  علي ناصر محمد يمتلك ارتباطات متينة بنظام بشار الأسد في دمشق ذات العلاقات الاستراتيجية بملالي (قم) .
وما يجعل من الشكوك حول طبيعة العلاقات القديمة بين الأمميتين وتأثيراتها في الأوضاع الجارية في اليمن حقائق هو ترابط الوقائع في الأحداث، بحيث ظهرت بوادر التنسيق بين التيارات الحراكية والحوثيين خلال حروب صعدة، ففي الحرب السادسة ظهر ذلك واضحا وجليا، وبالتزامن مع المعارك المستعرة في الشمال بين الجيش اليمني والحوثيين، حيث ساد التوتر والمواجهات مع القوات الحكومية حينها في ثلاث محافظات جنوبية هي: “الضالع”، و”أبين”، و”لحج”.
وفي الوقت ذاته بادر الحوثيون “للإفراج عن الجنود الأسرى المنتمين للمحافظات الجنوبية”.
ونقل حينها عبر بعض الوسائل الإعلامية عن “علي سالم البيض”، قوله: إن “إيران موجودة بالمنطقة وقادرة على لعب دور”.
رافقتها كذلك بوادر حدوث نزاعات أكثر عنفا في الجنوب من خلال “عمليات تهجير واسعة لأبناء الشمال المقيمين في المحافظات الجنوبية، لكن الأمر كان يحظى بتعتيم إعلامي من قبل السلطات اليمنية؛ حتى لا يعطوا أهمية كبيرة للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال”. كما تناولته التقارير الإخبارية آنذاك.
تلك شواهد اعتبرها خبراء بالشأن اليمني أواخر عام 2009م، مؤشرا دالا على وجود تنسيق في التحرك بين المتمردين الحوثيين في شمال اليمن وبين الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال هدفه تطويق صنعاء بالاضطرابات والقلاقل في الشمال والجنوب لتخفيف الضغط على الحوثيين في الشمال، وتحقيق أهدافهما الاستراتيجية بتفتيت اليمن إلى دويلات صغيرة واحدة في الجنوب وثانية حوثية في الشمال، بجانب صنعاء.
أيضا خلال الحرب ضد المتمردين الحوثيين خرج علي ناصر محمد عن صمته، ووجه انتقادات علنية عبر الإعلام لنظام صالح، وكانت المرة الأولى منذ خروجه من السلطة قبل عشرين عاما من أجل الحوثيين.
تدرك إيران ان محاولتها لإيجاد موطئ قدم ونفوذ لها في باب المندب، وموانئ اليمن وسواحله لن يتحقق في ظل نظام يمني مستقر يمتلك علاقات متميزة مع الرياض، لذا وجدت أن الأنسب هو دعم تفكيك البلد، وخلق بؤرة مذهبية على حدود المملكة تظل عامل توتر، وخلخلة الجنوب على قاعدة مناطقية، لإنهاك اليمن هو الوسيلة الناجعة والناجحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى