في يومهم العالمي.. الأمهات والآباء يدفعون الضريبة الأكبر لتداعيات الحرب باليمن (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من إفتخار عبده
يحتفل العالم في الأول من يونيو من كل عام باليوم العالمي للوالدين، الذي أقرته الجمعية العامة عام 2012، تثمينا لتفانيهما في التزامهما بأبنائهما والتضحيات التي يقدمانها مدى الحياة نحو تعزيز هذه العلاقة.
وتأتي هذه المناسبة والآباء والأمهات في اليمن يدفعون ثمن الحرب الدائرة بمعاناة لا حصر لها؛ نتيجة فقدهم فلذات أكبادهم، وبقائهم في دروب الحياة المعتمة يبحثون عن ثقب صغير يدخل لهم النور.
وتسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ 2015 بفقدان خيرة شبابها إما في المعارك الدائرة في جبهات القتال بين الأطراف المتصارعة، أو بسبب الألغام الأرضية أو عن طريق القنص المباشر، أو القذائف، والبعض الآخر منهم من تم إخفاؤه في السجون، ليبقى الآباء والأمهات بعد ذلك في وجع كبير لا حصر له.
“تفكك الأسر وتشريدها”
ويقول محمد النهاري “الحرب في اليمن أدت إلى تفكك الأسر وتشريدها ومن نتائجها الكارثية تمزق أوصال الكثير من الأسر اليمنية… فمع الانقسام الحاصل داخل البلد اضطر الكثير من الناس إلى مغادرة مناطقهم والنزوح إلى مناطق أخرى إما هروبا أو طلبا للرزق الذي أغلقت أبوابه وانقطعت مصادره في المناطق التي كانوا يعيشون فيها سابقا”.
وأشار إلى أن “العبء الأكبر من هذا كله يتحمله الوالدان، خصوصا من تقدم بهم السن كثيرا؛ إذ يتغيب عنهما أولادهما في الوقت الذي يكونون في أمس الحاجة لوجودهم بجانبهم، ووصولهم لسن يحتاجون فيه لكثير من الرعاية والاهتمام والتي غابت بغياب أبنائهم عنهم”.
“عناء البُعاد”
وأضاف “مع استمرار الحرب للعام الثامن على التوالي عانى الآباء والأبناء من مرارة الغربة والبعاد وحرموا من لم شمل العائلة… فألقت بظلال قاتمة من البؤس والألم والمعاناة للآباء والأبناء على حد سواء”.
وأردف “تمر السنوات والأبناء بعيدون عن آبائهم وينتج عن ذلك من معاناة نفسية كبيرة خصوصا للآباء؛ إذ يشعرون بمرارة الشوق والحرمان من فلذات أكبادهم والكثير من الآباء أصيبوا بحالات نفسية واكتئاب حاد وآلام وأمراض كثيرة نتيجة ذلك”.
وخلال سنوات الحرب مات الكثير من الآباء والأمهات وهم، يحلمون بلقاء أبنائهم البعيدين عنهم سواء كانوا نازحين خارج الوطن أو كانوا نازحين في مناطق داخل الوطن لا تسمح لهم سياسة المنطقة التي فيها آباؤهم بالعودة إليها، أو كانوا مغيبين في السجون أو مخفيين خلف القضبان، وهناك الكثير من صور المآسي التي عاناها الآباء بهذا الجانب، لعل أبرزها وفاة والدة السياسي محمد قحطان، التي غادرت الحياة مغلوبة على أمرها، لا تعلم عن مصير ابنها شيئا.
يؤكد هذا محمد النهاري بقوله “ما يزيد الأمر ألما ومرارة… إن الكثير من الآباء قضوا نحبهم وماتوا ولم يستطع ابنهم رؤيتهم والقيام بواجبه نحوهم كابن سواء رؤيتهم أو العناية بهم أو القيام بواجب الدفن والعزاء أو إلقاء الوداع الأخير وتكحيل أعينهم برؤية آبائهم”.
وبحسرة واصل “قبل أيام توفي والذي العزيز في 14 مايو 2023، الذي لم أره منذ بداية 2019 ولم أستطع السفر إلى منطقتي كونها واقعة تحت سيطرة الحوشيين وأنا في مأرب، حتى أني لم أتمكن من القيام بواجبي نحوه كابن سواء برؤيته أو العناية به أو حتى القيام بواجب الدفن والعزاء أو نظرات الوداع الأخير وتكحيل أعيني برؤيته”.
ويوضح سمير وديع في حديثه ليمن مونيتور أن “الآباء والأمهات هم الذين يدفعون ثمن الحرب التي استنزفت البشرية في اليمن وخلدت المأساة في نفوس بني البشر”.
وأشار إلى أن أحد رجال قريته، كان يعمل في بسطة خضروات في المدينة، وقبل سنوات قصف المكان الذي يعمل به الرجل واستشهد هناك، تاركا وراءه زوجته وأطفاله.
وأضاف “الرجل استشهد في المدينة وبقة المرأة وأبنائها في ريف ذمار يقاسون مرارة الفقد والحرمان، على الرغم من أن المرأة لم تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك؛ بل كانت تعمل في زراعة الأرض وتربية الماشية وتجهد نفسها في ذلك كثيرا”.
وتابع “المرأة عندما تفقد زوجها تعيش في نكد وخوف لا يوصف، لا تقدر على رعاية أطفالها الرعاية الحقيقة، بل إن الأبناء الصغار هم من يحاولون أن يكونوا سندا لأمهم يتركون تعليمهم ويذهبون للعمل، لكن هذا الأمر يؤثر كثيرا على نفسية الأم التي تتمنى أن يعيش أبناؤها كبقية أبناء المجتمع”.
وإذا لم تفقد الحرب الكثير من الآباء فلذات أكبادهم، فقد تجعلهم جرحى طريحي الفراش، ينظر لهم الآباء بخوف وقلق عليهم من المستقبل المجهول.
“ضحايا الحرب”
بدوره يقول محمد قائد- سبعون عاما- أب لسبعة أبناء إنه: “يعاني كثيرا عندما يشاهد ابنه الأصغر لا يستطيع أن يقوم من فراشه إلا بمساعدة الآخرين”.
وأضاف “أصيب ابني قبل خمس سنوات بطلقة قناص في منطقة كلابه محافظة تعز، أدت إلى تمزيق أجزاء من عموده الفقري مما أثر على قدميه بشكل كبير وأصبح مشلولا جزئيا”
وتابع “منذ ذلك الوقت وابني طريح الفراش لا يخرج إلا بمساعدة أخيه الآخر، فهو يمكث بجواره يساعده باستمرار”.
وأردف “حقيقة أشعر بوضع مأساوي جدا لأنني لم أستطع أن أسفر ولدي إلى الخارج، ليجرى له عملية لعموده الفقري، كبقية الجرحى الآخرين الذين تم تسفيرهم إلى مصر والهند”.
وتابع “هذا الأمر خلف حالة نفسية متعبة لي ولأمه عندما ننظر لابننا يتألم ولا نقدر على مساعدته ومما زاد من عنائنا أنه يشعر في نفسه أنه قد أصبح عالة على الجميع فهو لا يغادر الفراش إلا محمولا أو يساق على كرسي متحرك”.
وواصل قائدا “كنت أعتقد أن وضع ابني الأصغر سيتحسن وسيشفى وسيعود كما كان في السابق، لكن للأسف الشديد ما زال طريح الفراش حتى اللحظة”.
وعبر عن ألمه قائلا: “المؤلم جدا إنني لا أستطيع أن أقدم لابني أي شيء يساعده على أن يشفى ويعود كما كان، شابا نشيطا كثير الحركة”.
ومضى قائلا: “فعلا ندفع ثمن الحرب، نحن الآباء، نتوجع باستمرار، هذه الحرب آلمتنا بشكل لا يوصف ولا يحتمل”.