حياة بين “الجوع” ومحاولة “انتحار”.. سجناء “مركزي تعز” دون تُهم أو محاكمات
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من عدي الدخيني
يواجه نزلاء السجن المركزي في تعز اليمنية، خطر مجاعة حقيقيّة، دفعت البعض منهم الى الانتحار في حين دخل العديد منهم في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجاً على استمرار بقائهم في السجن منذ سنوات دون محاكمة أو تهمة، في سجون تفتقر لأبسط الخدمات الإنسانية.
ولا توجد سجلات عامة لعدد الأشخاص المحتجزين على ذمة المحاكمة داخل السجن المركزي بتعز وغيره من السجون داخل اليمن، غير أنه يمكن للمرء أن يقضي مددا غير محددة داخل هذه السجون دون أن يعرض على المحاكمة أو توجه له أي تهم بشكل رسمي.
ومع اتساع دائرة الصراع في اليمن، ودخول الحرب عامها الثامن، زج بالكثير من المواطنين داخل هذه السجون وغيرها من السجون السرية، وسط غياب تام للقانون وتحقيق العدالة، في ظل محاربة النشاط الحقوقي والصحفي من الزيارات الميدانية إلى هذه السجون للاطلاع على أحوال النزلاء ومعاناتهم والاستماع لمطالبهم.
“معتقلون بلا تهم أو محاكمة”
لم يكن النزيل عبدالله قائد البالغ من العمر 38 عاماً، أحد نزلاء السجن المركزي بتعزـ يعلم أنه سوف يزج بالسجن لأعوام كثيرة دون النظر إلى قضيته التي اتخذت إجراءات غير مكتملة لتكون القضية الأولى وغيرها الآلاف من القضايا التي لا تزال تراوح مكانها في السجن المركزي بتعز، مماطلة الجهاز القضائي في إنصافها والرفع في المحاكمة.
يقول عبدالله لـ”يمن مونيتور” بصوت شاحبة ولغة متلعثم، إن “القضايا كثيرة في هذا السجن يسكنها الصمت والإهمال من قبل الجهات المعنية حيث اضطررنا إلى تنفيذ وقفات احتجاجية بالإضراب الشامل عن الطعام منذ الأسبوع الماضي، احتجاجًا على بقانا في السجن لسنوات دون أي محاكمات”.
وتابع: “أعلنا الإضراب عن الطعام في الأسبوع الماضي تنديدًا بفساد وظلم النيابة الجزائية وعدم تحريك ملفات قضايانا منذُ سنوات، وعند تم استجابة لطلبنا من قبل مدير مكتب حقوق الإنسان علي سرحان، أثناء زيارته للسجناء”.
وأردف “تم تعليق الإضراب وذلك بحسب كلامه ووعده لنا، بأنه سيقوم بالتواصل مع الجهات المعنية وتلبية مطالبنا القانونية وأبسط حقوق السجناء الذي يكلف به القانون اليمني، وفي حالة انتهاء المدة ولم يتم تلبية المطالب القانونية سيتم استئناف الإضراب مرة أخرى”.
“معاناة مريرة وإهمال متعمد”
لا يختلف الحال مع معتصم فائد أحد نزلاء السجن المركزي بتعز أيضاً، فقد وجد نفسه مرميا خلف القضبان دون أي تهمة أو محاكمة.
يسرد معتصم قصته المأساوية، لـ”يمن مونيتور“ قائلاً: “نعيش واقعًا صعبًا وظروفًا قاسية، وتزداد معاناتنا تعقيدًا يومًا بعد آخر، في ظل عدم توفر الاحتياجات الأساسية لنا، مع امتداد فترة الإحتجاز وطيلة بقانا في السجن لسنوات دون أي محاكمة.
يضيف معتصم: “أعلنا الإضراب عن الطعام حتى تحقيق العدالة والإنصاف لنا ممن تسبب بسجننا طيلة هذه السنوات بدون أي مسوغ قانوني، وكذلك المعاناة الذي نمر بها من فترة الشتات وطيلة فترة احتجازنا بما فيه الكفاية ومعاناتنا الأعظم في السجن”.
وأردف: “نحن على حافة كارثة إنسانية من التجويع المستمر والنقص الغذائي وغياب القانون مما يجعل حالتنا صعبة جدًا للغاية، التي شكلة منعطفاً خطيرًا على حياتنا وتدهور حالتنا النفسية والجسدية”.
يؤكد معتصم، “أن بقائه والكثير من النزلاء طيلة السنوات الماضية السجن أثرت بشكلٍ كبير على حياة الكثير من السجناء، بالإضافة إلى الضغوط النفسية الذي يعانون منها، لا سيما في ظل استمرار الإهمال المتعمد من قبل النيابة الجزائية، ومماطلة المحاكم بقضايا الكثير من السجناء في الجلسات، وغياب أي بوادر أو حلول حول السجناء وحل قضاياهم الممتدة منذ ثماني أعوام وأكثر.
“مجاعة حقيقة وحالات انتحار”
إلى جوار معتصم فائد، يجلس مختار عبدالغني في عنبر آخر، وإلى جواره الكثير من زملائه السجناء، منذ سبع سنوات وأكثر، ورغم انتهاء المدة القانونية لاحتجازهم، لكنهم لا يزالون خلف القضبان دون الإفراج عنم أو تجديد الحكم عليهم”.
يقول مختار في حديثه لـ”يمن مونيتور”، إن “إدارة السجن تبرر بقائهم في السجن بحجة عدم الاختصاص النوعي للنيابات والمحاكم بالإفراج، وإن هذا اختصاص المحكمة العليا، رغم ذلك لا توجد محكمة عليا منذ بداية الحرب من العام 2015، وحتى وقتنا الراهن”.
وأضاف: “نعاني في سبيل الحصول على الاحتياجات الأساسية بشكل كبير من الغذاء والدواء وغيره، بالإضافة إلى ممارسات التجويل من قبل إدارة السجن الذي كل يوم وتزداد حالتنا إلى الأسوأ، حيث نعاني من سوء التغذية”.
وأشار إلى أن “إدارة السجن تجيب عليهم بكون المونة المعتمدة لهم من التغذية لـ 400 سجين فقط، بينما هناك ما يقارب 900 سجين، حيث تزداد معاناتنا إلى الأسوأ ونمر بمجاعة حقيقية”.
وأوضح مختار، “أنه بسب هذه الإهمال وتقاعس النيابة الجزائية بعدم الإفراج عنا، دفعت قبل أيام أحد السجناء على الانتحار”.
وأضاف “النيابة الجزائية ترفض تحريك ملفات النزلاء والفصل في قضاياهم وبقائهم في السجن لسنوات دون أي محاكمة، وخاصة تلك القضايا التي تختص بها النيابة الجزائية والنيابة العسكرية، بينما هناك 90 سجينا محسوبين على النيابة لم يتم محاكمتهم طيلة ثلاثة سنوات وأكثر، كذلك سجناء النيابة العسكرية ما يقارب أربعة سنوات وما فوق لم يتم محاكمتهم وهم في أروقة الإحتجاز ظلمًا ولم يحصلون على محاكمة، والتماطل المتعمد بتأخير الإجراءات القانونية ونقل ملفاتهم من النيابة إلى المحكمة لأكثر من ثلاثة سنوات”.
“تجاوزات تطال حقوق النزلاء”
من جانبه، أكد المحامي علي الصراري، بوجود تجاوزات كبيرة تطال حقوق السجناء، من ضمنها، إطالة بقاءهم محتجزين دون أخذ أقوالهم،، مشيراً إلى أن مدة السجن أو الإحتجاز تنتهي وما يزال السجين يقبع خلف القضبان مما يعني مخالفة واضحة القوانين النافذة، التي كفلت للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه.
وأضاف في تصريح لـ “يمن مونيتوز”، للمعتقل الحق في أن يستعين بمحام للترافع عنه والدفاع عنه في جميع مراحل التقاضي، وإذا تبين بأن الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل المتهم دون وجود المحامي، فإنه يجوز الطعن فيها بالبطلان، وبالتالي من حق المتهم أن يحصل على محاكمة عادلة ولا عقوبة إلا بنص.
وأوضح أن “قانون الجرائم والعقوبات اليمني، لا يتضمن على ما ينص على حرمان السجين من حريته بعد انتهاء فترة الاحتجاز القانونية، بل أن نص القانون يجرِّم احتجاز السجين بعد انتهاء محكوميته، كذلك نص الدستور اليمني على أن “تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن، ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم“.
وكشف المحامي الصراري، أن “هناك سجناء لا يحصلون على محاكمة لتأخر إجراءات نقل ملفاتهم من النيابة إلى المحكمة أو لعدم تحديد موعد للمحاكمة، مما يتسبب بضرر جسيم للمتهم نتيجة إطالة فترة محبوسيته، وكذلك هناك إهمال في نظر قضايا السجناء على وجه السرعة”.
ولفت إلى أن “المتهم السجين يتعرض لمعاناة داخل أروقة السجن بسبب عدم النظر في قضيته بحجة عدم الإختصاص النوعي للنيابات والمحاكم في مدينة تعز، خاصة تلك القضايا التي تختص بها النيابة الجزائية المتخصصة، وهو ما يجعل حالة المتهم صعبة للغاية لما يتعرض له من ضغط نفسي في أماكن الإحتجاز، وما يتعرض له من إهمال في المؤسسات العقابية غير المؤهلة أصلًا، سواء من حيث المبنى والعنابر المهملة، أو من حيث التغذية، وقد اشتكى كثيرًا من السجناء من ذلك لأكثر من مرة “.
وشدد المحامي الصراري، على ضرورة، قيام “المؤسسات الأمنية والقضائية في البت بالقضايا بصورة عاجلة وفقاً للقوانين النافذة، كما يتوجب على نفس الجهات الإفراج عن المتهمين في الجرائم غير الجسيمة والإفراج عمن لم يثبت الأدلة ضده، أو الإحالة إلى المحاكمة في من ثبتت ضده الأدلة بارتكاب جرائم”.
وطالب المحامي الصراري، من المؤسسات العقابية بإعادة النظر في تلك المؤسسات وتحسين الخدمات، وتأهيل العنابر ومكافحة الأمراض المعدية.