حفيد السندباد رواية البحث عن الإنسان
تنقل لنا رواية اليمني حبيب سروري “حفيد السندباد” تفاصيل رحلتين متوازيتين لشخصيتين جمعت وفرقت بينهما ظروف عدة، ثم جمعتهما ثانية في ظروف غريبة وأليمة لمصادفات الحياة العجائبية.
يمن مونيتور/العرب اللندنية
تنقل لنا رواية اليمني حبيب سروري “حفيد السندباد” تفاصيل رحلتين متوازيتين لشخصيتين جمعت وفرقت بينهما ظروف عدة، ثم جمعتهما ثانية في ظروف غريبة وأليمة لمصادفات الحياة العجائبية.
تستند البنية الحكائية للرواية، الصادرة أخيرا عن دار الساقي، إلى أربع شخصيات رئيسية وهي علوان الجاوي، يمني شاهد على التحولات السياسية التي عصفت باليمن منذ النصف الثاني من القرن العشرين، يغادر إلى باريس للدراسة، وفيها يبقى كرد فعل على نكران بلاده له، حيث يلمح هنا الكاتب لما هو واقع حيث تسافر الأدمغة في أوطاننا العربية بعد التجاهل الذي يسلط عليها وبالتالي يكون خيارها السفر والهجرة كرد فعل على هذا التجاهل.
علوان متشبع أيضا بالفكر الغربي الذي منحه تكوينا جامعيا في مجال الإلكترونيات، ليصبح أستاذا جامعيا في أرقى الجامعات الباريسية وهو تقريبا شخصية “ممتدة” في روايات حبيب سروري الأخرى، تستمد امتدادها من محاولات الكاتب إسقاطها على نفسه وإلباسها بعض صفاته، لتصير مشابهة في بعض تفاصيلها لحياته، وهذه حيلة يتعمدها سروري لإعطاء صفة الواقعية للرواية وإيهام القارئ بحقيقية الأحداث.
يعيش بطل الرواية وحيدا في باريس بعد تجارب حب وزواج فاشلة، فينتهي به الأمر وهو العاشق المتيم بعالم الإلكترونيات والإعلاميات إلى اتخاذ إنسان آلي (روبوت) رفيقا له في البيت يخدمه ويسهر على وضعه الصحي، ويبرمج بشكل دقيق مسار حياته اليومية ابتداء من خروجه من البيت حتى عودته إليه.
تبدو شخصية علوان مشابهة للشخصية العربية اليوم في علاقتها بالوطن، هذه العلاقة المترنحة بين حب وشبه كره، بين الإعجاب والنقد كما أن شخصية علوان حملت أصوات اليمن الرافضة للخراب والحرب وكل ما آل إليه هذا البلد من تأخير بسبب الصراعات التي تنهشه.
في المقابل فإن علوان ليس مثالا للشخصية التي سلمت بأفضلية الغرب وتقبلت كل ما فيه، على الرغم من أنه متزوج من فرنسية وأستاذ مستقر في باريس، إلا أنه ينتقد الحياة الباردة والخالية من العلاقات الاجتماعية.
تثير انتباهنا في الرواية أيضا شخصية مايا الشابة والطالبة الروسية والتي قادتها الأقدار إلى فرنسا حتى تستكمل مشوارها الدراسي وتنجز رسالة الدكتوراه تحت إشراف البروفيسور علوان الجاوي الذي يقع فريسة حبها، مايا المتزوجة لن تخبر علوان لا عن زواجها ولا عن سبب قدومها إلى باريس، وهي ابنة صديقه جاءت إلى فرنسا لتلتقي بوالدها الذي تركها هي وأمها.
تمثل مايا صوتا لمن يفتقدون الهوية العائلية والانتماء الحسي، الأمر الذي لا يتحقق بالأوراق بل بالشعور، وهي كذلك صورة للضياع الذي يعيشه الكثيرون من البشر داخل هذا العالم تقول “يكفيني أن يقول أمام الملأ إنه أبي…”
في المقابل فإن شخصية نادر زوج مايا الذي يبحث بدوره عن اعتراف كامل يحقق له الشعور بالانتماء، هو صوت الذين فقدوا دون ذنب أول انتماءاتهم ليصبحوا في ما بعد في بحث مستمر عنها، وكأن أي نجاح يحققونه يبقى ناقصا دوما. بسبب عدم اعتراف والده المغربي به تنقطع علاقته بوطنه، ليجوب العالم باحثا عن الحب، الحب الذي هو الانتماء الحقيقي والصادق للبشرية، لكن نادر يموت أو ينتحر وكأن حبيب سروري يضعنا مع شخصية نادر أمام مساءلة ضميرية، فشخصية نادر موجودة بكثرة في مجتمعاتنا وتعاملنا معها تعامل يبقى لاإنسانيا دوما.
نبوءة الروبوتات احتلالها حياة البشر في “حفيد السندباد” استمدها الكاتب من واقع البشر اليوم وعلاقاتهم بالتكنولوجيا، وكيف أصبحت حياتنا شبه آلية
نجد أيضا شخصية بهلول وهو إنسان آلي مهمته الاعتناء بعلوان، يسمعه موسيقى، يتحاور مع الثلاجة «الذكية» ويقوم بإرسال طلبات شراء حاجيات البيت من أطعمة وغيرها، ومع كل تحديث حسب ما هو جديد تتشكل لدى بهلول قدرات هائلة في خدمة صاحب البيت لتصل إلى مرحلة المعانقة أثناء عودته إلى البيت وحتى أنه بدأت تظهر على بهلول علامات الحزن والقلق والفرح.
الراوي لا يضع بهلول في خانة “الآلات” وإنما هو بالنسبة إليه من الروبوتات المؤنسنة التي اقتحمت حياة الإنسان وأصبحت تقوم بأعماله.
هكذا يحكم حبيب سروري خياطة النسق السردي لروايته عبر أربع شخصيات وأربع قصص تلتقي لتنسج الحكاية الرئيسية وهي رواية الإنسان متخذا من الموروث الحكائي أسلوبا في رحلة واقعية/ متخيلة ليأخذنا مع سندباد ما من شخوصه للبحث في الإنسان وعنه ليعري علله ونقاط ضعفه ويستشرف المستقبل من خلال الزمن المتقدم في الرواية (2027) ومن خلال التنبؤ بتفجيرات إرهابية تضرب فرنسا وأوروبا كاملة وأميركا وتسونامي الذي سيغرق مناطق كثيرة من العالم، وكأن الكاتب يقرأ تفاصيل اليوم راسما ملامح الغد.
نبوءة الروبوتات احتلالها حياة البشر في “حفيد السندباد” استمدها الكاتب من واقع البشر اليوم وعلاقاتهم بالتكنولوجيا، وكيف أصبحت حياتنا شبه آلية، وكما احتلت القوى المالية الكبرى العالم قبل التكنولوجيا تحتله بعد غزو هذه الأخيرة العالم فتتحكم هذه القوى بالعالم ومصير سكانه.
لا شك أن القارئ لرواية حبيب سروري الجديدة “حفيد السندباد” سيلاحظ أن الكتابة عند الكاتب هي مشغل إنساني يصرفها الكاتب في بحث عن الإنسان وفيه، وهي بذات الوقت ليست للإجابة عن الاسئلة بقدر ما هي تحفيز لعقل القارئ على مساءلة نفسه والبحث عن إجاباته الممكنة.