آراء ومواقف

القرار الأممي والمستعمرات اليمنية

مروان الغفوري

حدث التدخل العسكري العربي في اليمن لأجل الدفاع عن الحكومة الشرعية، ولحماية اليمن من التمزق والتفكك. حدث التدخل العسكري العربي في اليمن لأجل الدفاع عن الحكومة الشرعية، ولحماية اليمن من التمزق والتفكك.
على الأقل هذا ما يقوله الخطاب الرسمي الخليجي، وعلى أساسه استخرج أكثر من قرار أممي، في المقدمة منها القرار 2216. كما نال التدخل العسكري تأييداً كبيراً من جامعة الدول العربية في القمة العربية بشرم الشيخ 2015 استناداً إلى المبدأ ذاته: سلامة الأراضي اليمنية.
وفي الداخل اليمني وقفت نسبة كبيرة من اليمنيين إلى جوار التدخل العسكري لوضع حد لحرب الحوثيين على الدولة والمجتمع، بتعبير الروائي اليمني حبيب سروري، فقد أيد اليمنيون العدوان على العدوان.
أما المسوغ القانوني الوحيد للتدخل فهو رسالة خطية أرسلها الرئيس هادي تتوسل عملاً عسكرياً، طالباً من العرب مساعدة اليمنيين وما بقي لديهم من جيش للحفاظ على سلامة أراضيهم واستعادة دولتهم.
بعد عام من التدخل العسكري في اليمن تتمايز في الصورة أربعة مجتمعات يمنية: مجتمع في الجنوب، ومجتمع في الوسط والشرق، ومجتمع في الشمال، ومجتمع في الشتات.
تنتمي نسبة كبيرة من يمنيي الشتات/ المنفى إلى جغرافيا دولة الحوثي، وهؤلاء لن يكون بمقدورهم العودة إلى ديارهم في المدى المنظور، يُنظر إليهم بوصفهم أدوات للعدوان الخارجي، ارتكبوا الخيانة العُظمى، طبقاً للخطاب الحوثي وللغة أجهزته القانونية في صنعاء، ثمة مجتمع يمني آخر لا ترصده الكاميرات، وهو مجتمع النازحين والمنفيين داخل الأراضي اليمنية، يعود هؤلاء إلى مناطق تقع كلياً تحت سيطرة ميليشيا الحوثي ويتواجدون حالياً في مأرب والجوف وضمن قوات الجيش والمقاومة المرابطة على تخوم العاصمة صنعاء.
أولئك لا بد أن يعودوا بطريقة ما إلى أرضهم، ولو عبر المدفعية والبنادق، كما يذهب الصحفي يحيى الثلايا، وهو أحد المنفيين من محافظة عمران.
حالياً، في الصورة وعلى الأرض، ثلاث جمهوريات يمنية، ولكل جمهورية نشيد وعلم وخطاب وجيش ومرجعيات ومقابر وأعياد، في الأشهر الأخيرة احتفل الجنوب اليمني وحيداً بعيد الجلاء، رافعاً علمه وصور أبطاله، بينما احتفل الشمال الحوثي بذكرى الـ21 من سبتمبر/أيلول، بوصفها ثورة كل الثورات، وهو اليوم الذي يوافق اجتياح مسلحيهم، مسنودين بالحرس الجمهوري، للعاصمة صنعاء، واحتفى جزء من الشمال المحرر، الجوف ومأرب وتعز، بثورة 26 سبتمبر، باليوم الذي انهار فيه نظام الملِك، آخر حاكم من أسرة آل الحوثي، ثلاث جمهوريات بحدود شديدة التمايز، وجيوش على خطوط التماس، وقادة، وثمة جمهورية في المنفى.
نكث التحالف العربي بوعوده التي قطعها للعالم، والمتمثلة في الحفاظ على اليمن موحداً ومستقلاً وقابلاً للتعريف، مسنودين بالقوات الخليجية يُمارس القادة العسكريون والسياسيون الجنوبيون انفصالاً مكتملاً على الأرض، ومؤخراً قاموا بعملية ترحيل لمواطني محافظات الشمال وألقوهم خلف الحدود التشطيرية، حدود ما قبل 22 مايو/أيار 1990، حدث كل هذا تحت رعاية شاملة من قوات التحالف التي راحت تزود قوى الترحيل بالشاحنات المطلوبة.
من جانب آخر يدفع التحالف العربي وفد الحكومة اليمنية في الكويت إلى ترديد جملة “لا حوار إلا على تطبيق القرار 2216″، أي ذلك القرار الذي يلزم التحالف العربي، أيضاً، باتخاذ كل التدابير اللازمة للحفاظ على وحدة اليمن وأراضيه، لا يلتزم الحوثي بالجزء الخاص به من ذلك القرار، ولا التحالف العربي. يبدو التحالف العربي مرتاحاً إلى النتائج العسكرية التي حققها، فقد استطاع سحق عشرات المعسكرات وتسويتها بالأرض، ومؤخراً وبدعم أميركي كبير فرض التحالف العربي رقابة بحرية على كل الطرق البحرية المؤدية إلى اليمن.
بالنسبة للأمن القومي الخليجي فذلك نجاح استحق العناء، فلم يعد ثمة من خطر حاد قادم من اليمن، في الحوارات الخاصة مع الحوثيين قدم الأخيرون تعهدات بحراسة حدود السعودية وجعلها آمنة من جهتهم، يجدر بنا أن نتذكر أن الحوثيين، في الأساس، حركوا آلتهم العسكرية تجاه عمران ثم العاصمة صنعاء مرتاحين إلى الإشارات التي كانت تصلهم من الخارج رداً على رسائلهم، وهي رسائل كانت تقول إننا نقوم بمكافحة الأحزاب الإسلامية التي ينظر إليها الخليج بوصفها خطراً أمنياً. عاد الحوثيون ليعملوا كخدم مطيعين للدول المجاورة، كما كانوا منذ البداية، لولا أنهم بين ذلك ضلوا الطريق وأساءوا التقدير.
لم يعد الحوثي قادراً على غزو الجنوب اليمني، في المنطقة الممتدة بين تعز وعدن انهار حوالي 24 معسكراً انهياراً كلياً، فقد بلغت طلعات مقاتلات التحالف في الأيام التي شهدت تحرير عدن حوالي 220 طلعة جوية في اليوم، وفقاً للإيجازات الصحفية التي كان عسيري يقدمها. بقيت في حوزة الحوثي قدرته على القيام بعمليات إيذائية، عسكرية وأمنية، بينما صار بعيداً عن عدن، غير قادر على العودة إليها، راح يعمل مع ما ورثه من أجهزة صالح لجعل عدن مدينة غير آمنة، أما السلطات في عدن فقد استفادت من تلك العمليات في سبيل خلق واقع انفصالي على الأرض، وبدلاً من أن تؤسس لجهاز أمني كفؤ قادر على اكتشاف الجريمة سلكت طريقاً آخراً، فقامت بترحيل آلاف العمال والحرفيين، ليس لأنهم بلا بطاقات هوية ـ كما يقول الخطاب الأمني في عدن ـ بل لأنهم وجدوا في حوزتهم، بالفعل، بطاقات هوية مكتوباً عليها اسم محافظة من الشمال.
يبدو الحوثي قادراً، بما بقي لديه من أجهزة أمنية وعسكرية، على الحفاظ على الأرض التي يملكها. الحال كذلك في محافظات الجنوب، على وجه الخصوص مع التدفق المتزايد للآلة العسكرية والدعم الأمني القادم من الخليج. في أقصى الشرق، حيث توجد محافظتان استراتيجيتان ـ وفقاً لتعريف الخليج لأمنه الاستراتيجي ـ يمتلك الجيش والمقاومة قوة أمنية وعسكرية ضاربة، وهي قوة أكبر من أن تنهزم في أي مواجهة مع ميليشيات الحوثي، لكنها أقل من أن تتوغل في أراضي الشمال وصولاً إلى صنعاء. وفي الوسط تعز، محاطة بحصار ضارب من كل الجهات بعد أن قطع عنها الحوثيون طريق صنعاء، وقطعت عليها قوات التحالف العربي والقوات الجنوبية الطريق إلى عدن. وهي، في الصورة الكلية، تبدو كجمهورية خامسة ليس لها علاقة بكل ما يجري في المشهد! قبل شهرين قال قائد الجيش اليمني إن تعز قطاع منفصل، ولم يقل عن ماذا.
هذه هي الصورة الجديدة في اليمن، يمن الجمهوريات المتعددة، بالنظر إلى الخبرة العربية في مقاربات المشاكل المعقدة فإن وضع اليمن يبدو من الدرجة التي يصعب حلها على مستوى عربي. قبل أيام راح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي يغرد بالقول إن التحالف العربي قدم إلى اليمن لشن حرب على الإخوان المسلمين. يقود حزب الإصلاح، القريب من الإخوان المسلمين، المقاومة في مأرب والجوف، وكان قائدا المقاومة في عدن وشبوة مسؤولين رفيعين في حزب الإصلاح، كما يتواجد قادة عسكريون مقربون من الإصلاح في طليعة الجيش الوطني الجديد في الشمال والجنوب، فلسفة التدخل العسكري العربي في اليمن ليست فقط بلا ملامح، هي أيضاً متناقضة ومفككة، وبالضرورة فالنتيجة يمن مفكك، عصي على إعادة التجميع.
هذا التفكك، في الرؤية والموقف، دفع ناشطين في المقاومة الشعبية وفي حزب الإصلاح إلى الدعوة لتأسيس تحالف جديد مع حزب صالح، وإن لزم الأمر مع الحوثيين، وهي فكرة، بصرف النظر عن غرابتها، تنطوي على نوايا لجعل الحرب الراهنة مستدامة من خلال تشكيل أحلاف قادرة على منح الحرب مزيداً من الوقود؛ إذ تبدو الحرب العربية في اليمن من أجل تقسيمه، بل أبعد من ذلك، فها نحن بصدد استنتاج مذهل يقول إن التحالف العربي عجز عن هزيمة الانقلاب فقرر شق اليمن إلى أشطار، وبعد أن اتفق مع الحوثيين مع صيغة للسلام قرر قتال المقاومة. ما يجري من تصفية لقيادات المقاومة ممن ينتمون إلى التيارات الإسلامية، في الجنوب، يكشف وجهاً وحشياً آخر للحرب العربية في اليمن: التحالف الذي غدر برفاق السلاح، وفتك بهم.
وفي الكويت، وبينما يقترب الحوثي خطوة من القرار الأممي، مبدياً استعداداً للتعامل مع البند الخاص بالمعتقلين، ينأى التحالف العربي خطوة عن القرار، محققاً مزيداً من التفكيك الجغرافي لليمن. تتعدد الوجوه البائسة لمسرح العبث في اليمن؛ إذ يصرخ أربعة ملايين نسمة في تعز، مطالبين بفك الحصار والحرب عليهم، ولا يسمعون إجابة.. يرسل التحالف العربي مئات المدرعات والعربات إلى جزيرة سقطرى، وهي جزيرة تقع في المحيط الهندي أبعد ما تكون عن الأخطار.
غير أن إعادة النظر في الصورة لا تساعدنا على رؤية جمهورية يمنية، بل أقل من ذلك، إننا بصدد مستعمرات جديدة، وكل مستعمرة تخدم بابها العالي.
نقلا عن هافينغتون بوست عربي
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى