الأخبار التي تفيد بأن بايدن عاد مباشرة إلى واشنطن بعد اجتماع مجموعة السبع في طوكيو تثير أسئلة ليس فقط حول كبر سن الرئيس الأمريكي، وضعفه الجسدي والعقلي، بل تثير أيضا تساؤلات حول ما إذا كانت الدول الحليفة للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستستمر في دعم سياساتها الخارجية.
كان مخططا أن ينتقل الرئيس الأمريكي بعد طوكيو إلى بورت مورسبي (عاصمة دولة بابوا غينيا الجديدة) للقاء قادة جزر المحيط الهادئ مع رئيس وزراء الهند مودي؛ ثم الذهاب إلى أستراليا لحضور اجتماع رباعي (الحوار الأمني الرباعي، المعروف أيضا باسم كواد Quad ويضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند) من أجل تأكيد الهيمنة وإخبار الجانب الآسيوي بما هو الأفضل لهم ولمصالحهم.
أبدت كل من بابوا غينيا الجديدة وأستراليا عبارات غنائية عن زيارة بايدن. إذ وصف رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة، جيمس ماراب، الزيارة بأنها «سابقة تاريخية»، واجتماع مستقبلي للقوي العظمي من أجل «المضي قدما».
بالنسبة لأستراليا، فقد كان لدي رئيس الوزراء ألبانيز خطط لبايدن كإلقاء كلمة في جلسة مشتركة للبرلمان الأسترالي. لكن أدي إعلان الرئيس الأمريكي في اللحظة الأخيرة عن قطع رحلته إلى آسيا إلى تدفق المشاعر السلبية من الأجنحة اليسرى واليمني والوسطي في أستراليا. إذ قال وزير الخارجية السابق ــ بوب كار ــ (من الجناح الوسطي): «إن ذلك يظهر أن الأستراليين كانوا ساذجين للغاية ومتفائلين بشأن شريكنا الأمريكي».
كما قال جون مينودي، سياسي أسترالي: «يرسل الرئيس بايدن رسالة غريبة بعدم تمكنه من حضور اجتماع كواد في مدينة سيدني الأسترالية. وعلى الأقل لن تكون هناك فرصة للإعلان عن قواعد أمريكية جديدة لمهاجمة الصين من أستراليا».
بخصوص الجناح اليميني الأسترالي، فهو يعتقد أن 360 مليار دولار لصفقة غواصات (أوكوس) النووية ليست كافية لدولة حليفة للولايات المتحدة! وعلق بيتر جينينجز، كاتب عمود أسترالي، قائلا: «هذا تمويل باهت للحكومة، لا يحظى بزيارات رئاسية، عندما تكون الأولويات الأخرى ملحة».
أما في بابوا غينيا الجديدة، كتب مارتين نامورونج، مدون وناشط سياسي، «لقد أعلنا يوم زيارة بايدن التاريخية يوم عطلة رسمية، لكن الولايات المتحدة ألقت بها تحت الحافلة. الولايات المتحدة تواصل إطلاق النار على قدمها وهي تتعثر للحفاظ على قبضتها في المنطقة».
بينما قال دانييل راسل، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق لشئون شرق آسيا والمحيط الهادئ: «سينظر إليها (إلغاء الزيارة) في المنطقة على أنها جرح ناتج عن الاستقطاب السياسي في واشنطن، وهذا لا ينعكس بشكل جيد على مصداقية أمريكا كشريك».
- • •
من الواضح أن الجولة الدبلوماسية في المحيط الهادئ لم تكن تهدف إلى السلام والاستقرار والأمن. كما أنها لم تكن تهدف إلى مساعدة الدول الجزرية المتضررة من تغير المناخ، والمشكلات البيئية بشكل عام، والعمالة، واحتياجات البنية التحتية والخدمات، والأولويات المحلية الأخرى.
بل من المؤكد أن اجتماع بايدن ومودي في بابوا غينيا الجديدة كان لوضع الصين كعدو يجب احتواؤه من خلال اتفاقيات عسكرية وتجارية ودبلوماسية جديدة تبرم مع قادة جزر المحيط الهادئ الـ 14 المجتمعين هناك.
بعبارة أخري، الهدف هو تعزيز التطويق العسكري لبكين من خلال توسيع الخناق الحالي لأكثر من 100 قاعدة عسكرية أمريكية حول الصين على أن يتم ربطه بإجراءات اقتصادية تهدف إلى كبح العلاقات الصينية مع الدول الجزرية ودول أخري في آسيا.
في ضوء هذه الحقيقة، حذر زعيم منظمة غير حكومية في جزر المحيط الهادئ قائلا: في أي حرب تحرض عليها الولايات المتحدة ضد الصين، ستكون كل الرهانات معطلة لجميع الأطراف.. يجب على قادة الجزر وشعوبهم أن يستيقظوا على حقيقة العواقب المقصودة وغير المقصودة التي لن تعرض أمنهم للخطر فحسب، بل من المحتمل أيضا أن تسلب حياتهم. محاربة بلد على بعد آلاف الأميال (الصين) ليست دبلوماسية ذكية ولا سياسة خارجية ذكية.
وأضاف: في حسابات الولايات المتحدة وحلفائها… يمكن الاستغناء عن الجزر وسكان الجزر. نشوب حرب نووية بين الصين الولايات المتحدةــ وبدعم من دول ضعيفة مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والهند والفلبين ــ سيكون لها عواقب مروعة على جزر المحيط الهادئ.
- • •
من الأفضل لدول جزر المحيط الهادئ أن تتعلم من دول الآسيان (رابطة تتكون من خمس دول هي إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند) إذ على الرغم من القضايا الطويلة الأمد مع الصين في بحر الصين الجنوبي، استمرت ــ باستثناء حكومة الفلبين الجديدة تحت قيادة ماركوس ــ في رفض أن تصبح بيادق في يد الولايات المتحدة.
وقعت الدول الأعضاء في الآسيان في عام 1971 إعلانا بشأن إنشاء منطقة سلام وحرية وحياد. وقد استكملت ذلك في عام 1991 بمعاهدة بانكوك وإعلانها الالتزام بالحفاظ على منطقة جنوب شرق آسيا كمنطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى.
باختصار، إن رفض الآسيان الانجرار إلى خطط الولايات المتحدة وأستراليا لشل الصين من خلال استراتيجيات جديدة للإكراه العسكري والاقتصادي يمكن أن يكون بمثابة نموذج للتكرار في المحيط الهادئ.
المصدر الرئيس: Eurasia Review
ترجمة وتحرير: صحيفة الشروق المصرية- ياسمين عبداللطيف زرد
ليم تيك جي هو مؤرخ اقتصادي ماليزي ومحلل سياسات ومفكر عام امتدت حياته المهنية بين الأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني ووكالات التنمية الدولية.