كتابات خاصة

قولبة ديموغرافية في الجنوب

أمجد خشافة

لا أحد يعرف كيف انتقلت العمليات العسكرية لاستعادة الشرعية إلى ملاحقة المواطنين من أبناء المناطق الشمالية في عدن واختطاف الدعاة في المكلا، وكلها تحت غطاء الحرب على “الارهاب”.

لا أحد يعرف كيف انتقلت العمليات العسكرية لاستعادة الشرعية إلى ملاحقة المواطنين من أبناء المناطق الشمالية في عدن واختطاف الدعاة في المكلا، وكلها تحت غطاء الحرب على “الارهاب”.
قبل هذه الحملات قال أحمد عسيري “إن التحالف انتقل من العمليات الواسعة إلى تأمين المناطق المحررة”، وقبلها كانت أطراف في التحالف، وفقا لما نشرته وكالة “رويترز”، قد طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية الدعم الاستخباري لبدء عملية واسعة ضد القاعدة في اليمن.
بمعنى أن الحرب ضد الحوثيين توقفت بالتزامن مع مشاورات الكويت لكنها بدأت ضد القاعدة.
دخلت قوات أمريكية كخبراء إلى قاعدة العند، وبدأت الحرب ضد القاعدة، وانهاء سيطرتهم على الأرض، لكن وجد من قاد هذه الحملة أن القاعدة قد اتخذت قرار عدم السيطرة والانسحاب الذي حفظ لها قواتها البشرية والعسكرية؛ حينها لم يجدوا ذلك العدو الذي خُطط للحرب ضده فاتجهوا نحو أعداء افتراضيين لاستكمال هذه الحملة مدفوعة بتهور واضح.
في عدن، أصبحت هذه المدينة تمثل أكثر المناطق في اليمن التي تشهد تفجيرات واغتيالات، وحين وصل الخطر إلى رأس مدير الأمن “شلال” في التفجير الأخير لم يقرروا تشكيل قوات أمنية متخصصة في حرب العصابات وتطوير الجانب الاستخباري لكشف عمليات التفجير والاغتيالات، بل قرروا القفز نحو المربعات السهلة وهي ترحيل مواطنين أغلبهم من تعز بحجة الحملة الأمنية التي تطال المشتبه بهم ومن ليس لهم هوية.
لم يعد أحد يندفع مع هذا التبرير، بعد أن كشف بعض من تم ترحيلهم أن لديهم ما يثبت هويتهم، هذا بالتزامن عقلية قيادة السلطات في عدن الضغائنية ضد كل ما له صلة بالشمال، إلى حد يفوقون بعنصريتهم، طائفية الحوثيين.
ليست المشكلة في بسط سلطة الدولة أمنياً في عدن، ولكن الدفع بهذه الظاهرة تلاقي قبولا من بعض دول التحالف تحت غطاء الحرب على “الارهاب”، ولكنها على المدى المتوسط والبعيد تكرس أقلمة المجتمع وتفكيكه هوياتياً بين شمال وجنوب مدفوعة بنظرة ميكافيلية مصالحية، وإلا لماذا اختارت الجنوب فقط، وتركت تعز لشبح الحصار؟!
لم يقف الأمر عند ما حدث في عدن من عمل استنكرته الحكومة بنفسها، بل امتدت ذريعة الحرب على “الارهاب” إلى اختطاف الداعية عبدالله اليزيدي رئيس ومؤسس جمعية الاحسان في اليمن و أبرز من اشتغل في الجانب الإغاثي والعلمي في حضرموت وبقية المحافظات اليمنية.
اعتقلته السلطات الجديدة بطريقة لا تعبر عن سلطة وقانون بل عن عصابة، فالدولة تستدعيه بالطرق القانونية وعبر القضاء مباشرة، كما عبر عن ذلك مجلس علماء حضرموت.
لم تفصح السلطات المحلية حول اعتقال اليزيدي، وقالت وسائل اعلام محسوبة على دولة في التحالف العربي، إنه متهم باحتضانه لـ”القاعدة”، ثم قالوا فيما بعد إنه الرجل الثاني لجماعة الإخوان المسلمين بعد الزنداني في اليمن!!
الموضوع، إذن، جاء ضمن غطاء الحرب على “الارهاب” وهي الشماعة التي سيتخذونها حالياً ومستقبلاً لضرب خصومهم المفترضين، رغم معرفة الحضارم من هو عبدالله اليزيدي!
بنفس ما حدث في عدن في محاولة لترسيم هويات المجتمع، يقومون في حضرموت بخلق زعامة دينية وتسيدها على تفكير المجتمع، إذ أن حضرموت يطغى فيها التيار السني السلفي على الصوفية، ولو كان بقية الدعاة المؤثرين في حضرموت مثل أحمد المعلم وغيره متواجدين لكان مصيرهم مثل اليزيدي.
الصوفية تيار ليس له مشروع اسلامي متكامل، ولذلك استنهاضه في الجزء الشرقي من جنوب اليمن هي رغبة استراتيجية لبقائهم أصحاب سلطة الافتاء التي ستكون أداة لشرعنة حضور أي أطماع على هذا الجزء من الأراضي اليمنية، مستغلين شرعية الدولة التي تركت الباب على مصراعيه لتجارب تلك الدول المراهقة في توجهاتها نحو البلد.
هو توجه لإخماد المشاريع الإسلامية الحركية، هذا كل ما في الأمر، وهو التوجه الذي حدث في مصر وسوريا والآن يحدث في اليمن والبداية من الجنوب، فالأمر أكبر من اعتقال مواطنين في عدن وشخصيات دعوية في المكلا بقدر ما هي رؤية ممنهجة لإعادة صياغة المجتمع وفقاً لما يريدون هم، لا كما نريده نحن وكما هو حاصل على الأرض.
هذا التوجه، من تلك الدولة، المصحوب بسلطة المال وغياب الدولة المحلية سيتصادم مع الواقع لأنه لم ينطلق من طبائع المجتمع ولكن من رغباتهم السلطوية على اليمن، وفقا لتفكيك بنية البلد الديموغرافية لتبقى حاضرة في الجزء الجنوبي من اليمن دون اعتبار لما سيخلفه هذا التوجه المراهق من انعكاسات سلبية ستمتد شظاياها إلى دول الجوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى